الخروج من المأزق الفلسطيني يكمن بالانتخابات الشاملة

تابعنا على:   00:08 2020-07-02

د.عقل صلاح

أمد/ على مدى أكثر من ثمانية عقود مرت القضية الفلسطينية في العديد من المحطات والأزمات التاريخية، وخضعت للاحتلال الصهيوني الذي تفنن في المجازر والقتل والتهجير والاعتقال والهدم والملاحقة واستمر بنفس سياسته حتى بعد الاعتراف بإسرائيل من قبل منظمة التحرير الفلسطينية ضمن مايسمى اتفاق أوسلو سنة 1993، الذي يعتبر الاتفاق التاريخي الذي جمل صورة إسرائيل وفتح المجال لها واسعًا للدخول العلني في علاقات مع الدول العربية والخليجية، وفي الوقت نفسه تراجعت القضية الفلسطينية على المستوى العربي ولم تعد قضية العرب الأولى أو القضية الجامعة العرب بل أصبحت قضية تشتيت العرب والتقارب مع إسرائيل، ودوليًا تراجعت القضية الفلسطينية بعدما وضعت القيادة الفلسطينية كل خياراتها "بيضاتها" في السلة الأمريكية التي أنهت القضية الفلسطينية لصالح دولة الاحتلال وهذا التجسيد الرسمي تكلل في عهد الرئيس الأمريكي المتصهين دونالد ترامب الذي نفذ مشروع تدمير القضية الفلسطينية ومنح إسرائيل الوعد الثاني "صفقة القرن" بعد قرن على الوعد الأول "بلفور"، وتم تصفية جميع القضايا المصيرية إبتداء من السيادة وعودة اللاجئين والحدود والدولة والقدس وغيرها.
أما على المستوى الداخلي، وهو هدف المقالة الرئيس، فقد وصلت القضية الفلسطينة لأسوأ مراحلها التاريخية حيث حدث الانقسام سنة 2006 وأصبح متجذرًا ومتشعبًا ومستمرًا، وفشلت القيادة الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية من وضع حد للانقسام، بل تعمق الانقسام وأصبح جزءًا من السياسة العامة والخاصة الفلسطينية، ونتج عنه وجود سلطتين وحكومتين ورأسين للسياسة الرسمية الفلسطينية وتلقت القضية الفلسطينية أكبر ضربة في تاريخها المعاصر نتاج تفاقم وتصاعد الانقسام الذي شمل كل أجزاء الحياة السياسية وغير السياسية وامتد أثره الكارثي على القضية الفلسطينية على المستويين العربي والدولي حيث أصبح الجميع يتذرع بأن الفلسطينيين مختلفين ومنقسمين ولايوجد ممثل موحد للشعب الفلسطيني، ومازال ضرر الانقسام يوازي ضرر الاحتلال وممارساته.
وهنا نصل إلى بيت القصيد، وهو ما العمل وماهو المطلوب لإنهاء الانقسام والخروج من المأزق الكارثي الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع الصعد والمستويات. الحل واضح وصريح وثوري ودستوري وديمقراطي ويتمثل بتجديد كل الشرعيات الفلسطينية المتآكلة والمنتهية إبتداء من الرئاسة وانتهاء في البلديات والمجالس المحلية؛ فجميع المؤسسات الفلسطينية بحاجة إلى تجديد شرعيتها، فجميع المؤسسات الفلسطينية مازال يترأسها نفس الشخوص والقيادات حتى أصبحت هذه المؤسسات تعرف أو مسجلة بأسمائهم، ومنذ عقود وهم يتربعون على رأس هذه المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية والمدنية والنقابية وحتى الأكاديمية .
حتى أصبحت هذه المؤسسات لهم ولأبنائهم ولبناتهم ولأقاربهم، فتجد من يتنقل من منصب لمنصب أو من يجمع أكثر من منصب في نفس الوقت، ومنهم من يشترط في حال استلامه منصبًا جديدًا أن يحتفظ بمنصبه السابق وأن يبقى باسمه لحين العودة له، وكأن الشعب الفلسطيني عاقر عن إيجاد من يتولى هذا المنصب، وتجدهم بدون خجل وبالعلن سواء في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية يوظفون أقاربهم على حساب الكفاءة والوطنيين؛ وكأنهم يقولون للشعب الوطن لنا وليس لكم، ومكانكم المهجر، لنا الوظائف المرموقة والترقيات والامتيازات والسيارات الفاخرة ولكم السجون والقتل والتشريد والفقر والقروض والقهر، على الرغم من تدني تحصيلهم العلمي وتقديرهم الأكاديمي الذي في أحسن أحواله لايتعدى تقدير جيد، بينما من يحصل على الامتياز والتفوق لامكان له في هذه المؤسسات التي تدعي الديمقراطية والتوظيف على حسب الكفاءة وفتح المجال للمنافسة فكل الشواهد المتداولة في الأخبار التي تكشف جزءًا من الواقع المأساوي وغيرها تؤكد ظلام الواقع ودمار المؤسسات التي أصبحت محسومة بل مسجلة باسم العائلة فتجد عائلة مكونة من الزوج والزوجة والأبناء والأقارب جميعهم موظفين في نفس المؤسسة، بينما عامة الشعب لامكان لهم حتى لو امتلكوا أفضل الشهادات العليا؛ وينطبق على ذلك القول" لا تذل الناس لنفوذك وسلطتك فلو دامت لغيرك ما آلت إليك"؛ فكل ذلك أدى ويؤدي إلى تشكيل كتلة كبيرة من الاحباط والقهر عند الشعب الفلسطيني ولعل نتائج الاستطلاعات تكشف عن نسبة الاحباط والقهر ومدى عدم الرضا العام عن كل المؤسسات العامة والخاصة.
أما بالنسبة للتنظيمات، فتجد أمين عام حزب ما يتربع على عرش الأمانة العامة منذ أكثر من خمسة عقود وكأن هذه التنظيمات عاقر ولم تنجب أمينًا عامًا غيره. ونفس الحال ينطبق على أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي لهذه الأحزاب والحركات وكأنها اقطاعية لهم ومسجلة بأسمائهم، والجيل الجديد لا مكان له والبعض المنتفع يسحج، في الوقت الذي تدعي فيه هذه المؤسسات والأحزاب أنها ديمقراطية وتمارس النهج الديمقراطي البعيد كل البعد عن الممارسات الديمقراطية.

الحل يكمن في قيام كل من حركة فتح وحركة حماس بالتنحي جانبًا عن الحكم لمدة شهر واحد فقط وهو شهر انعقاد الانتخابات الرئاسية والتشريعية معًا في يوم واحد، ورقة للرئاسة وورقة للتشريعي ومن ثم انتخابات المجلس الوطني والمركزي ومن ينتخبه الشعب يعود للحكم ويستلم ويقود الشعب الفلسطيني على المستوى السياسي الرسمي.

وبعد القيام في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المطلوب من الهيئات الرسمية المنتخبة الجديدة إعادة النظر في القوانين والتشريعات الفلسطينية بما فيها قانون الانتخابات والجمع بين المناصب والشفافية والمحاسبة والمساواة والإرث وغيرها من القوانين التي تصعب من حياة الفلسطينيين وتدفعهم لأخذ حقهم بيدهم بدلًا من إنصافهم قانونيًا، وتصويب كل القضايا والجوانب التي شابها العوج والتشويش والتعدي على حقوق الشعب لصالح المتنفذين.
وما ينطبق على المؤسسات الرسمية ينطبق أيضًا على النقابات والجامعات، فيجب عقد الانتخابات وتجديد الشرعيات لهذه المؤسسات، فلا يعقل أن يبقى رئيس اتحاد نقابات عمالية أربعة عقود، وحتى الجامعات ما المانع أن يكون رئيس الجامعة يخضع للانتخاب كباقي الدول.
غير ذلك ستكون القضية الفلسطينية بعد عقد قد انتهت وعم الفقر والجوع وتجذر واتسع الاحباط والانحلال الأخلاقي والتهجير، وأصبح المنسق يفطر في محافظة ويتناول الغداء في قرية ويتعشى في مخيم ويسهر في المقاهي ويحضر الأعراس الفلسطينية ويرفع على الأكتاف ويصفق له ويحترموه ويحتفلوا به ويتصورون معه ومع طواقمه كما حصل في العديد من المناطق، حينها سيفضل الفلسطينيون سلطات الاحتلال "التصريح وإزالة المنع وو" على المؤسسات الفلسطينية، وهذا الواقع الكارثي يتحمل مسؤوليته الجميع ولكن بنسب مختلفة. اليوم يمكن الإصلاح والإنقاذ رغم الصعوبة الشاقة ولكن بعد فترة- سيكون القطار قد فاتنا.
ومن يتحجج بأن الغرب والدول العربية لن تقبل بنتائج الانتخابات الفلسطينية وسوف تحاصرنا فنحن في قمة الحصار رغم قبولهم في الرئيس محمود عباس وحركة فتح، هذه الدول لم ولن تقدم لنا شيء ولم تنه الاحتلال ولم تعلق بحرف واحد على الانتخابات العنصرية لإسرائيل، ولم تتدخل بهم ولم تحاصرهم. ففي حال عقدت انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة وشفافة وديمقراطية وتحت رقابة دولية ولم يقبل بنتائجها الغرب والبعض العربي فهذا يعني أن كل معارض لنتائج هذه الانتخابات متواطئ مع إسرائيل وضد العملية الديمقراطية وضد القضية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي له حق اختيار من يقوده.

وحتى لو لم يتم الاعتراف على المستويين الدولي والإقليمي بشرعية الانتخابات الفلسطينية، نحن الفلسطينيون سنكسب وحدتنا وإنهاء الانقسام وتجديد الشرعية لكل المؤسسات وإتمام عملية الاصلاح وننعم بالرضا العام عن تجديد الشرعية من خلال صناديق الاقتراع، فكل من يريد أن يطلق النار على نتائج صناديق الاقتراع هو فعليًا يطلق النار على نفسه وديمقراطيته الزائفة، وسيكشف حينها الغطاء عن كل الدول التي تتآمر على القضية الفلسطينية والعملية الديمقراطية لصالح إسرائيل.
 

كلمات دلالية

اخر الأخبار