الدولة المدنية

تابعنا على:   22:52 2020-06-21

حازم القواسمي

أمد/ يكتفي البعض بتعريف الدولة المدنية على أنها دولة ليست عسكرية استبدادية أو دكتاتورية. وبالرغم من صحة ذلك، إلا أن مفهوم الدولة المدنية المصطلح عليه وهويتها تنبعان من منطلقات الفكر السياسي والنظرية السياسية، حيث تنطلق من نظام مدني يضمن الحريات والعدالة والتعددية والتسامح وقبول الآخر. ويتساوى المواطنون في الدولة المدنية في الحقوق والواجبات بغض النظر عن القومية أو الجنس أو اللون أو الدين أو العرق. فالجميع متساوون أمام القانون والدستور الذي هو العقد الاجتماعي بين الفرد والدولة. حيث يتم تطبيق القانون على الوزير تماما مثل الغفير، لأن الدولة المدنية في الأساس هي دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان.  

الدولة المدنية لا يمكن أن تكون دولة دينية ثيوقراطية، يكون فيها الحكم لرجال الدين. فلا يمكن أن تكون الدولة المدنية إسلامية أو مسيحية أو يهودية، بل هي نقيض للدولة الدينية لأنها بذلك تكون قد ميزت ديانة مواطن على مواطن آخر بشكل سلبي. لذا فإن فصل الدين عن الدولة هي إحدى السمات الرئيسية للدولة المدنية. إلا أنه من المهم التأكيد أنها ليست ضد الديانات بل تحمي حرّية التدين وحرية العبادة والحفاظ على المقدسات، وتكون على مسافة واحدة من كل الديانات، ومن المتدينين وغير المتدينين على السواء.

الدولة المدنية تمثل إرادة المجتمع وتقوم على المبادئ الديمقراطية وأهمها الانتخابات الحرة والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والرئاسية والتنفيذية. فالقضاء مستقل وعادل، لا يتحكم به الحاكم أو الحكومة اللذان يجب أن يتم تتداولهما بشكل سلمي. والشعب هو مصدر السلطات، والتشريع يكون من البرلمان الذي يضع قوانين وضعية حسب ما ترتضيه الأغلبية ويراعي حقوق الأقلية. ولا وجود في الدولة المدنية للقوانين الإلهية أو التشريعات الدينية، ولا يوجد صفة دينية أو دستور ديني للدولة. فالمشرعون البرلمانيون يبنون نظامهم القانوني من أجل معالجة مشكلات واحتياجات المواطنين الفعلية وتنظيم شؤون حياتهم الأرضية، وليس بناء على القوانين السماوية أو على الغيبيات والميتافيزيقا. 

ولا بد من ربط الدولة المدنية بوجود المجتمع المدني ومؤسساته من نقابات فاعلة وجمعيات اقتصادية وثقافية وأندية رياضية وصالونات فكرية واتحادات صناعية وغرف تجارية وغيرها من المؤسسات البحثية والعلمية والسياساتية. وعلى رأس كل تلك المؤسسات يأتي أهمية وجود الأحزاب السياسية والحركات الشعبية التي قد تشكل المعارضة الحرة للنظام الديمقراطي الحاكم.

وقد طالبت كثير من الشعوب العربية في ثوراتها التي بدأت عام 2011 ورفعت شعار الدولة المدنية في مسيراتها وكأنها الخلاص أو الملجأ أو الملاذ لتلك الشعوب من الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية الظالمة، علما أن الكثير من المتظاهرين في العديد من الدول العربية لا يعلمون ماهية ذلك المصطلح. والأسوأ أن التنظيمات الإسلامية ركبت تلك الموجة وطالبت مع المتظاهرين بالدولة المدنية لأن المهم لدى تلك التنظيمات هو فقط الوصول إلى الحكم ولو باستمرار تجهيل الناس والتظاهر بأنهم مع مطالبهم العادلة في التغيير للأفضل.

كلمات دلالية

اخر الأخبار