مشروعي الضمّ والفصل الإسرائيليين والاستراتيجية الفلسطينية المطلوبة

تابعنا على:   07:31 2020-06-08

منصور أبو كريم

أمد/ منذ بداية احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967 عملت السياسة الإسرائيلية على تغير الواقع الجغرافي والديمغرافي الجيوسياسي في الضفة الغربية عبر مشروع آلون الذي رسم الملامح الرئيسية للمشروع الاستيطاني التوسعي الذي تم بموجبه تحويل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية من احتلال عسكري إلى احتلال استيطاني احلالي في الضفة الغربية والقدس الشرقية بهدف تثبيت حقائق جديدة على الأرض للأخذ بها في أي عملية تفاوضية، كما أنها عملت بالتوازي على عزل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة لفصل الجغرافيا السياسية الفلسطينية.
في هذا المقال سوف نتناول الرؤية الإسرائيلية للتعامل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في إطار مشروعي الضمّ والفصل، والاستراتيجية الفلسطينية المطلوبة لمواجهتهم.
مشروع الضمّ والتوسع في الضفة الغربية
منذ اليوم التالي للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بدأت تصورات الضمّ بالظهور من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبةـ بداية الفكرة كانت عقب الحرب مباشرة فقد طرح وزير الزراعة الإسرائيلي "بيغال آلون" على حكومته في شهر تموز عام 1967 مشروعًا يتعلق بالمناطق المحتلة في فلسطين، أي الضفة الغربية وقطاع غزة. وهو أول وزير إسرائيلي يطرح تصورًا للتسوية في المنطقة من وجهة نظر إسرائيلية. لكنه لم يطرح تصوره هذا على أنه مشروع رسمي للحكومة الإسرائيلية آنذاك، رغم أن مشروعه هذا ظل أساسًا لسياسة حكومة المعراخ (التجمع) في المناطق المحتلة، وورقة عمل رئيسة في مناقشات الحكومة بشأن المناطق وقضايا الاستيطان وغيرها. ولعل ما دفع آلون إلى وضع مشروعه أنه كان يطمح إلى استغلال مركز (إسرائيل) القوي بعد حرب 1967 لإنجاز تسوية تضمن لها "الحد الأقصى من الأرض والحد الأدنى من السكان العرب" كما كان يرى الحاجة إلى وجود مشروع للتسوية تطرحه (إسرائيل) يشكل أساس للمفاوضات في اتفاق سلام شامل أو جزئي، ويتحمل الجانب العربي المسؤولية في حال رفضه أو فشل المفاوضات.
مشروع يغال آلون هو عبارة عن تسوية إقليمية اقترحه "آلون" على مجلس الوزراء الاسرائيلي في تموز 1967، وكان المشروع يهدف (وفق توصيفات الاقتراح) إلى تحقيق ثلاثة أهداف مركزية، وهي:- إقامة حدود أمنية لإسرائيل بينها وبين الأردنـ وقف سيطرة إسرائيل على شريحة سكانية عربية، وذلك للحفاظ على صبغة يهودية وديمقراطية للدولة. وتحقيق (الحق التاريخي) للشعب الاسرائيلي في (أرض-إسرائيل).
منذ هذا المشروع لم تتوقف إسرائيل عن الحديث عن ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية سواء في إطار تسوية سياسية تحت إطار ما بات يعرف "بتبادل أراضي"، حيث يعني هذا المفهوم تبادل أراضي بين منظمة التحرير وإسرائيل من حيث الكم والنوع، كما تم التوافق عليه خلال جولات المفاوضات السابقة، أو في إطار سياسة فرض الأمر الواقع عبر الاستيطان ومصادرة الأراضي وطرح السكان.
منذ دخول ترامب البيت الأبيض بداية عام 2017 بدأت فرص تنفيذ الضمّ تتصاعد، خاصة مع التحولات الاستراتيجية التي حدثت على الموقف الأمريكي، والتي عبرت عنها إدارة ترامب عبر العديد من القرارات الخطيرة تجاه القضية الفلسطينية والحقوق المشروع للشعب الفلسطيني والتي تمثلت في نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ووقف تمويل السلطة والأونروا والعديد من الخطوات الأخرى والتي مهدت لخطوة الضمّ.
خلال العام الماضي ومع بداية جولة الانتخابات التشريعية الأولى حاول نتنياهو استحضار خطاب الضمّ خلال الحملة الانتخابية لكنه لم يستطيع، في جول الانتخابات الثانية نجد إلى حد ما نتنياهو في استحضار خطاب الضمّ والتوسع مع تصاعد حدة الحملة الانتخابية، لكن في جولة الانتخابات الثالثة استطاع نتنياهو استحضار خطاب الضمّ بقوة بمعاونة إدارة الرئيس ترامب التي أعلنت عن ما يعرف بصفقة القرن قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات مما يساعد نتنياهو وقادة اليمين المتطرف في إسرائيل في استثمار خطاب الضمّ للتحقيق نصر معنوي في الانتخابات الثالثة.
لقد ساهمت خطة ترامب " صفقة القرن" في تحويل خطاب الضمّ من مجرد دعاية انتخابية إلى مشروع حقيقي بعد ما منحت الخطة إسرائيل الإمكانية في ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار التصور الأمريكي النهائي للحل، الذي تضمن ضم منطقة غور نهر الأردن والكتل الاستيطانية الكبرى، وهو ما تحاول إسرائيل تطبيقه من خلال فرض القانون الإسرائيلي على هذه المناطق واعلانها جزء من أراضي "دولة إسرائيل".
مشروع الفصل تجاه قطاع غزة
لمشروع الضمّ والتوسع في الضفة الغربية وجه آخر، وهو مشروع فصل غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتعامل معها ككيان منفصل، ومعادي في ظل سيطرة حركة حماس على القطاع، ما يسمح لإسرائيل بالتضييق على القطاع تارة والتسهيل معه تارة أخرى، لكن في إطار استمرار عزل وفصل القطاع، وعدم السماح بأي وسيلة من الوسائل تحقيق وحدة سياسية وجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كون أن ذلك ينسف إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة.
منذ فشلت مؤتمر كام ديفيد 2 عام 2000 عملت إسرائيل بكل جدّ على تخفيض سقف التوقعات الفلسطينية، وإشغال الفلسطينيين بأنفسهم، وتسهيل عملية سيطرة حركة حماس على قطاع عبر استهداف منظم للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية والإدارية، لحشر حركة حماس وباقي فصائل المقاومة في غزة، والاستفراد بالضفة الغربية عبر سياسة تثبيت الحقائق الجديدة على الأرض، استباقًا لأي تسوية سياسية ونسف إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
لقد عملت إسرائيل خلال السنوات الماضية على استمرار حالة الانقسام وتعزيزه سواء عبر تقديم تسهيلات لحركة حماس في غزة أو عبر ممارسة ضغط سياسية ومالية على السلطة الفلسطينية لعدم التقدم في مسار الوحدة الفلسطينية.
هذه الرؤية التي تنطلق من وحدة مشروعي (الضمّ والفصل) كاستراتيجية إسرائيلية ثابتة للتعامل مع المسألة الفلسطينية، وهي تبدو غائبة لدى بعض الفصائل والقيادات الفلسطينية التي عندما تتحدث تجد حديثها مجرد تابلوهات محفوظة منذ سنوات، فالحديث عن الضمّ والتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية في الضفة بمعزل عن مشروع الفصل في قطاع غزة باعتبارهم واجهتين لعمله واحدة نوع من السذاجة السياسية والفكرية.
لذلك أستغرب كثيرًا من أي قيادي يطالب بإعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ودمج باقي الفصائل فيها بدون ربط ذلك بإنهاء سيطرة حركة حماس على غزة وإنهاء حالة الفصل والانقسام التي عمل الاحتلال الإسرائيلي على تعزيزها في إطار مشروعي الضمّ والفصل الذي يمثل لب الاستراتيجية الإسرائيلية للتعامل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الاستراتيجية الوطنية المطلوبة
لابد أن ندرك إن مشروع الضمّ في الضفة يوازيه بصورة مباشرة مشروع الفصل في غزة؛ وأي مقاربة لا تنطلق ضرورة مواجهة المشروعين في نفس الوقت هي رؤية قاصرة من حيث الشكل والمضمون ولا تصلح أن تطرح على قارعة طريق.
مواجهة مشروع الضمّ في الضفة الغربية يتطلب مواجهة مباشرة لمشروع فصل قطاع غزة، وهذا لن يحدث إلا عندما يتم تجنيد الكل الوطني للعمل بصورة سريعة على إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، كون أن أي رؤية لا تنطلق من ضرورة إنهاء حالة الفصل الحالي في قطاع غزة كمقدمة لاستراتيجية وطنية شاملة هي مضيعة للوقت والجهد ولن تغير في الواقع شيء.
البداية الحقيقية لمواجهة مشروع الضمّ تنطلق من إنهاء سريع وحقيقي للانقسام الفلسطيني، وإعادة الاعتبار للمقاومة الشعبية باعتبارها أداة فعالة في مواجهة الصلف الإسرائيلي، وتفعيل المقاطعة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل داخليًا وخارجيًا، وتصعيد حالة الاشتباك السياسي في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وتطوير وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وانضمام كل الفصائل إليها عقب الانتهاء من الانقسام، والعمل على الخروج من مسار أوسلو ومسار التفاهمات مع الاحتلال باعتبارها جزء من الاتفاقيات الموقعة.
لقد عملت إسرائيل خلال العقدين الماضيين ومنذ فشل مؤتمر كام ديفيد 2 عام 2000 وبشكل مستمر للوصول لهذه المرحلة عبر تسهيل سيطرة حركة حماس على غزة بالقوة وأحداث انقسام سياسي وجغرافي في الأراضي الفلسطينية لضرب أي امكانية لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، ما يجعل العمل على تجسيد الدولة يبدأ أولًا من إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة للتصدي لمشروع الضمّ أمر في غاية الأهمية إذ توفرت الإرادة السياسية.

كلمات دلالية

اخر الأخبار