توجهات أطروحات الدكتوراه في تخصص العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات الإسرائيلية

تابعنا على:   10:15 2020-06-02

أ.د. وليد عبد الحي

أمد/ مقدمة:

هل تشكل موضوعات أطروحات الدكتوراه بشكل عام في كل التخصصات مؤشراً على توجهات الدولة والمجتمع؟ وهل تسهم الحكومات في إطار التخطيط الاستراتيجي المستقبلي في توجيه الباحثين في أطروحاتهم نحو العناية بموضوع معين أو ميدان ما؟ أم أن الأمر متروك "تماماً" للطالب وللملابسات الإدارية مثل موافقة لجان الدراسات العليا والعثور على مشرف للأطروحة؟ فطبقاً للوائح الإسرائيلية، فإن اللجان العلمية للدراسات العليا يجب أن توافق على الموضوع (كما تنص الفقرة ن من البند 2.3 من قانون جامعة حيفا)، وهو أمر مألوف في كل الجامعات في العالم.

لكن رصد التدخلات الحكومية الإسرائيلية في العمل الأكاديمي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر في الحريات الأكاديمية في العلوم السياسية، يشير إلى أن الأمر ينطوي على تدخلات رسمية صريحة، مما يُوجِد انطباعاً بأن هناك أيضاً تدخلات من وراء الستار على الرغم من كل ما تزعمه "إسرائيل" من ليبرالية أكاديمية.


تدخل السلطات الإسرائيلية في الحريات الأكاديمية:

ولكي ندلل على ما سبق، يكفي الإشارة لنماذج عديدة من تدخل السلطات الإسرائيلية في الحريات الأكاديمية خصوصاً عندما يتعلق الأمر بسياسة الدولة، فالمجلس العسكري الإسرائيلي للتعليم العالي في الضفة الغربية عمل على ترقية كلية للمستوطنين هي كلية آرييل Ariel College إلى مستوى جامعة سنة 2012، وهو ما أثار الوسط الأكاديمي بقدر ما، والذي رأى في الأمر تكريساً للسياسات الاستيطانية وتدخلاً في الشأن الأكاديمي. [1] كما أن المجلس نفسه في فترة رئاسته من قبل جدعون سآر Gideon Sa’ar سنة 2010 منع كتاباً جامعياً في تخصص التاريخ لأنه "متعاطف جداً" مع وجهة نظر الفلسطينيين بحسب رأيه. [2] ونشرت الصحف الإسرائيلية في فترات مختلفة تقارير عن "تهديد لبعض أساتذة الجامعات، أو إرسال رسائل مهينة لهم، أو التحريض عليهم لمجرد موقف سياسي يتخذونه ولا يتماشى مع توجهات الحكومة الإسرائيلية". وهو أمر وصفته أستاذة التاريخ في جامعة تل أبيب مريم إلييف-فيلدون Miriam Eliav-Feldon بأنه يشبه المرحلة المكارثية في الولايات المتحدة. [3] كما أن الحركة الأكاديمية في الجامعات الإسرائيلية والتي تُسمى باشآر Bashaar وتضم 700 أستاذ جامعي، استنكرت ما أسمته "التدخل المدفوع بدوافع سياسية في الشأن الأكاديمي في الجامعات الاسرائيلية"، [4] وبلغ الأمر حد التهديد بقطع التمويل عن الأقسام الأكاديمية التي تتبنى مواقف "لا تتسق مع سياسات حزب الليكود". [5]

وفي إطار مدونة للسلوك الأكاديمي التي تم العمل على إعدادها زمن وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت Naftali Bennett بين 2015-2019، وأوكل إنجازها للبروفيسور آسا كاشيرAsa Kasher، نجد النص التالي في إحدى فقرات هذه المدونة: "يُمنع المحاضر في الجامعة من طرح رأيه السياسي في قاعة الفصل الدراسي"، كما تنص المدونة على منع كل من يؤيد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي أس) The Boycott, Divestment, Sanctions (BDS) movement من الأكاديميين الأجانب من الدخول لـ"إسرائيل". بل إن بعضاً من هؤلاء الأكاديميين جرى التحقيق معهم في المطارات الإسرائيلية. [6]

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن التضييق على الأكاديميين امتد إلى خارج "إسرائيل"، ففي نيسان/ أبريل 2015 منعت جماعات من أنصار اللوبي الصهيوني في بريطانيا جامعة ساوثامبتون من عقد مؤتمر حول الصهيونية. [7] وفي سنة 2008 و2009 تم منع مؤتمر في جامعة تورنتو الكندية حول مسارات "السلام" بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، وقاد المنع جماعات الضغط الإسرائيلية. [8]

وفي سنة 2009 كشف رئيس جامعة تل أبيب السابق البروفيسور زيفي غاليل Zvi Galil تعرضه لضغوطات حكومية لطرد طالب فلسطيني من الجامعة لمجرد أنه أبدى رأيه بشكل لا يتوافق مع السياسة الإسرائيلية، وهو الوضع نفسه الذي تعرض له البروفيسور في العلوم السياسية في جامعة بن جوريون نيفي جوردون Neve Gordon في السنة نفسها، لأنه أبدى اعتراضه على الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في المناطق المحتلة سنة 1967.

بل وصل الأمر في بعض الوقائع إلى محاولة المستوطنين قتل البروفيسور في الجامعة العبرية زئيف ستيرنهل Ze’ev Sternhell سنة 2008 بزرع عبوة ناسفة عند منزله، مما أدى إلى إصابته بجروح لمجرد انتقاداته لتصرفات المستوطنين. كما أن مجلس رؤساء الجامعات الإسرائيلية أصدر بياناً اتهم فيه الجيش بالتدخل في الشؤون الأكاديمية. [9] ولعل الصراع الذي قام بين جامعة بن جوريون والسلطات الإسرائيلية حول توجهات قسم العلوم السياسية في هذه الجامعة، يدل بشكل واضح على نزوع اليمين الإسرائيلي، مستغلاً وجوده في السلطة، إلى إغلاق القسم لمجرد الشعور بأن بعض أعضاء القسم لديهم توجهات "ليبرالية". [10] وهو ما ترتب عليه إعادة تقييم لكافة توجهات أقسام العلوم السياسية في الجامعة الإسرائيلية.

إلى جانب كل ما سبق، فإن بعض مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية تتلقى دعماً مالياً من المؤسسة العسكرية ومؤسسات الاستخبارات لأغراض البحث، ناهيك عن أن هذه الجامعات وقَّعت عقوداً لتقديم دورات خاصة للجيش ومؤسسات الاستخبارات، وسمحت لأعضاء هذه المؤسسات بإجراء دراساتهم في فترات زمنية أقصر من بقية الطلاب العاديين. [11]

وعند تطبيق مقياس الحرية الأكاديمية في الجامعات Academic Freedom Index على الجامعات الإسرائيلية، طبقاً لمؤشرات هذا المقياس وهي: حرية البحث والتعليم، وحرية التبادل الأكاديمي والنشر، والاستقلالية المؤسسية، ونزاهة الحرم الجامعي (وتعني الدرجة التي يكون فيها الحرم الجامعي خالٍ من المراقبة ذات الدوافع السياسية أو الانتهاكات المتعلقة بالأمن)، وحرية التعبير الأكاديمي والثقافي والسياسي، نجد ان الكنيست Knesset الإسرائيلي أقر في آذار/ مارس 2011 قانوناً "يخول وزير المالية تخفيض تمويل أي مؤسسة علمية إذا انخرطت في نشاطات تتناقض مع سياسة الدولة"،[12] وهو أمر يتسق مع رفض وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية إجازة رواية أدبية إسرائيلية تتضمن حَبْكَتُها الروائية علاقة عاطفية بين امرأة إسرائيلية ورجل فلسطيني، لأن الحديث عن "العلاقات الحميمة بين اليهود وغير اليهود يُهدد الهوية الخاصة لكل منهما" كما جاء في بيان الوزارة. كما أن المتحف الإسرائيلي في تل أبيب منع فناناً صينياً من عرض صورة لمخيمات لاجئين فلسطينيين كان مصور يهودي قد التقطها. [13] كما تم طرد الدكتورة آرييلا أزولي Ariella Azoulay من جامعة تل أبيب نظراً لمقالاتها المناهضة للسياسة الإسرائيلية. [14]

أطروحات الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات الإسرائيلية:

ما مدى تدخل السلطات الإسرائيلية في سير إجراءات إعداد وإجازة أطروحات الدكتوراه في أقسام العلوم السياسية في الجامعات الإسرائيلية؟

في ضوء ما أشرنا له أعلاه من تدخلات حكومية في مسار العمل الأكاديمي خصوصاً في أقسام العلوم الاجتماعية والإنسانية وتحديداً في العلوم السياسية، نشير إلى واقعة دالة وواضحة في مجال التدخل في أطروحات الدكتوراه، وهي الواقعة التي جرت مع بروفيسور التاريخ في جامعة حيفا ألان بابيه Ilan Pappé، الذي أشرف سنة 1998 على أطروحة طالب دكتوراه في التاريخ، وكشف الطالب في أطروحته عن جرائم حرب اقترفها اليهود الصهاينة سنة 1948 ضد الفلسطينيين، من خلال ممارسات كتيبة عسكرية إسرائيلية حددها الباحث ووثقها طبقاً للأصول الأكاديمية، لكن ممثلين عن تلك الكتيبة العسكرية احتجوا على ما ورد في الأطروحة، فقامت الجامعة بتشكيل لجنة انتهت إلى إصدار قرار بتكذيب ورفض ما ورد في الأطروحة على الرغم من أن المشرف بابيه ولجنة مناقشة الأطروحة رفضوا نتائج لجنة التحقيق التي شكلتها الجامعة، وهو ما تسبب في استمرار الضغوط على المشرف بتهديده بالفصل ومنعه من المشاركة في النشاطات العلمية، مما دفعه لترك الجامعة والالتحاق بجامعة إكستر في بريطانيا سنة 2007. ويقدر بابيه أن نحو نصف أساتذة الجامعات الإسرائيلية لديهم صلات "بالأجهزة الأمنية" الإسرائيلية. [15]

ذلك يعني أن التدخل وارد في توجيه مضمون أطروحات الدكتوراه وموضوعاتها، وإن كان من المتعذر التدليل بشكل موثق على دور معين للجهات الرسمية في توجيه الطلاب لاختيار موضوعاتهم في كل حالة من الحالات، ولكننا وبالمقابل لا نستبعد احتمال حدوث ذلك بطريقة أو بأخرى في ضوء ما أشرنا له في مقدمتنا الواردة أعلاه، علماً أن هناك نحو 1,300 أطروحة دكتوراه تجري مناقشتها في العام في كل الجامعات الإسرائيلية وفي كل الموضوعات.

لقد حاول كاتب هذه السطور رصد الأطروحات في ميدان العلوم السياسية والعلاقات الدولية، حيث تمكن من رصد 74 أطروحة في خمس جامعات هي: [16]

1. بار إيلان: قسم العلوم السياسية.
2. بن جوريون: قسم السياسات والحكومة.
3. العبرية: قسم العلاقات الدولية/ قسم العلوم السياسية/ قسم السياسة العامة والحكومة.
4. تل أبيب: قسم العلوم السياسية/ قسم السياسة العامة.
5. حيفا: قسم العلوم السياسية.

النتائج الكمية:

تم توزيع الأطروحات طبقاً لتخصصها في نطاق العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتم تقسيمها إلى سبعة أقسام هي:
1. النظريات والمناهج السياسية.
2. النظام السياسي (بفرعيه: مؤسسات القرار، وعملية صنع القرار).
3. الإدارة المحلية.
4. العلاقات الدولية (مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمنطقة العربية، وإفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية).
5. الإعلام السياسي والرأي العام.
6. الجوانب الأمنية من منظور سياسي.
7. علم الاجتماع السياسي.

ومعلوم أن هذه الموضوعات تتداخل ببعضها البعض نظراً لانتمائها لحقل معرفي واحد، ولكني سعيت لتقسيمها على أساس السمة العامة لموضوع الأطروحة، فعلى سبيل المثال هناك أطروحة تتناول كيفية التعامل مع الأقليات في ثلاثة نماذج: "إسرائيل" وكندا وإيرلندا، فهذا يدخل في القرار السياسي وفي علم الاجتماع السياسي، أو دور الدين في القرار أو السلوك السياسي عند الإسرائيليين والفلسطينيين، أو العلاقة بين العلاج الطبي والسياسة، أو توظيف المساعدات الدولية في لحظات الكوارث البيئية لبناء تحالفات سياسية…إلخ.

التحليل:

بنظرة مستقبلية، يمكن الزعم بأن الجزء الأكبر من أصحاب هذه الأطروحات سيكونون جزءاً من العقل الإسرائيلي سواء كمسؤولين رسميين أم كخبراء سياسيين أم كباحثين سياسيين يوجهون الثقافة السياسية في المجتمع الإسرائيلي، وهو ما يجعل دراسة اهتماماتهم أمراً ضرورياً استناداً لموضوعات تخصصهم، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار التوجه العام لتخصص العلوم السياسية في الجامعات الإسرائيلية، حيث نجد طغياناً في نطاق العلوم السياسية لعلم الاجتماع السياسي وموضوع السياسة العامة. [17]

إن النظرة إلى مضمون هذه الأطروحات يثير عدداً من الملاحظات:

1. هناك انفصال بين مستوى الاهتمام الإسرائيلي الرسمي بموضوع الأمن، وبين مستوى الاهتمام في الأطروحات الجامعية بهذا الموضوع، إذ تعد "إسرائيل" من جانبها الرسمي واحدة من أكثر دول العالم اهتماماً بالبعد الأمني نتيجة الكيفية الشاذة التي أنتجتها، فهل الابتعاد عن هذا الموضوع في الأطروحات الجامعية العليا هي نتيجة لنقص المعلومات بسبب السرية العالية التي تحيط بها "إسرائيل" هذا الجانب، أم أن هناك توجيهات رسمية ضمنية بعدم الاقتراب من هذا الموضوع لفرط حساسيته، إذ يمكن أن تكون هذه الأطروحات مصدر معلومات للدول الأخرى؟ وعليه يبقى السؤال مطروحاً؛ لماذا كانت نسبة الأطروحات ذات العلاقة بالموضوع الأمني هي 5.4% فقط؟، والملاحظ أن موضوعات الأطروحات الأمنية تركزت حول الهواتف الخلوية ومخاطرها سياسياً، او حول الأمن السيبراني، أو دراسات مقارنة لمنظمات "إرهابية" بحسب الكيان الإسرائيلي، تشمل القاعدة وطالبان وحزب الله وحماس والتاميل…إلخ.

وللتدليل على أن البحوث لا تسير في اتجاه الموضوعات الأمنية نظراً لنقص الوثائق المتاحة للباحثين ولحساسية الموضوع، نشير إلى أنه من بين ثلاثة ملايين وثيقة في الأرشيف الصهيوني تتعلق بالسياسة الخارجية الإسرائيلية، فإن 550 ألف وثيقة فقط هي المتاحة للاطلاع (أي ما نسبته 18% فقط)، وفيما يتعلق بالجيش الإسرائيلي فإنه من بين مليون وثيقة، غير متاح للاطلاع إلا على حوالي 50 ألف وثيقة (أي ما نسبته 5% فقط)، [18] كما أن نسبة الاعتدال السياسي تجاه الموضوع الفلسطيني في الوسط الأكاديمي في الجامعات الإسرائيلية أعلى منها بشكل واضح قياساً بتوجهات الحكومة الإسرائيلية خصوصاً اليمينية منها، [19] وهو ما يمثل نقطة احتكاك بين الطرفين كما أوضحنا في نماذج واقعية في هذا المجال، وتؤكده الدراسات الميدانية الخاصة بتوجهات نسبة من الأكاديميين الإسرائيليين بشكل خاص عند تعاملهم مع طلاب إسرائيليين (خصوصاً في الدراسات العليا) ممن تشكلت توجهاتهم العنصرية والعنيفة بفعل التربية الأسرية من ناحية، وبفعل الفترات التي يلتحق فيها أغلبهم بالجيش الإسرائيلي من ناحية ثانية. [20]

2. يلاحظ أن السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين اقتصرت على دراسة واحدة فقط (وهي لطالب فلسطيني) أي بنسبة مئوية تصل إلى 1.35% من مجموع الأطروحات، ويمكن تفسير ذلك بأنه نتيجة لمخاوف الطلاب والمشرفين عليهم من احتمالات التصادم مع الجهات الرسمية (وقد أشرنا لنماذج في بداية هذه الورقة)، أو نتيجة لطبيعة الثقافة العنصرية السائدة في المجتمع الإسرائيلي.

3. عند المقارنة بين الموضوعات السياسية وموضوعات العلاقات الدولية يتبين أن السيطرة الكبرى هي للعلوم السياسية، إذ إن نسبة العلوم السياسية كانت (في مجموع موضوعاتها) هي 81.05% مقابل 18.91 للعلاقات الدولية، فهل هذه النسبة المتدنية للعلاقات الدولية هي انعكاس واستمرار لثقافة "الجيتو" (أو الانغلاق على الذات)؟، إذ يلاحظ مثلاً أن علم الاجتماع السياسي (الأقرب في نظرياته واهتماماته لثقافة "الجيتو") حظي بنحو 43.24%، أي أن التركيز على دراسة الذات، وهو ما يتضح في غلبة موضوعات الأقليات والدين والعلاج الطبي والمساعدات وتخصص السياسة العامة، القريب الصلة بالاجتماع السياسي. ويتسق هذا الاستنتاج مع نتائج الدراسات الميدانية الخاصة برصد التوجهات السياسية لطلبة الجامعات "اليهود" في الجامعات الإسرائيلية، إذ إن يهودية الدولة وجوانبها الثقافية والاجتماعية والسياسية هي الموضوع الأكثر اهتماماً به من قبل هؤلاء الطلاب. [21]

4. عند النظر في اهتمامات العلاقات الدولية يتبين:

أ. إقليمياً؛ كانت مصر وتركيا هما موضع الاهتمام الأكبر بين بقية دول الإقليم (بينما نجد إيران في الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث أو المقالات الصحفية أو التصريحات…إلخ هي الطاغية في الفترة نفسها). ولعل دراسة إيران بطريقة أكاديمية في أطروحات الدكتوراه قد توصل لنتائج إما إنها قد تصطدم مع توجهات الحكومة الإسرائيلية، أو قد تعزز وجهة نظر تيار سياسي إسرائيلي على حساب تيار آخر، وهو ما يدفع المشرفين والطلاب للابتعاد عن هذا الموضوع.
من جانب آخر، يلاحظ أن دراسات تركيا ومصر و"إسرائيل" اهتمت بموضوع "العلاقات بين العسكريين والمدنيين في الدول الثلاث ومقارنتها"؛ وهو انعكاس للشعور بأن المؤسسة العسكرية في الدول الثلاث تمثل ركناً مركزياً في القرار السياسي في كل منها.

ب. على المستوى الدولي؛ فقد كان الاعتناء بأوروبا يعادل ضِعف الاهتمام بالولايات المتحدة، والملاحظ على الموضوعات الأوروبية التركيز مثلاً على دور التعاون العلمي في تعزيز العلاقات بين الطرفين، كما تفوقت آسيا على إفريقيا (خصوصاً لدور الصين). لكن الملفت للانتباه أن الاهتمام بإفريقيا تركز على موضوع المهاجرين من ناحية والمياه من ناحية أخرى، وهو أمر يثير التساؤل حول أهمية المياه في إفريقيا لـ"إسرائيل"، لكن ما يفسر هذا هو أن أغلب موضوعات المياه موضوع البحث في هذه الأطروحات هي المياه التي لها صلة بالدول العربية.

ج. يلاحظ أن نصيب الرأي العام والإعلام جاء في المرتبة الثانية في نطاق العلوم السياسية، وهو ما يعني أيضاً مركزية ذاتية، فأغلب هذه الدراسات عن الصور الذهنية وعن قنوات التواصل…إلخ في المجتمع الإسرائيلي.
إن الملاحظات التي انتهينا لها تجعلنا نفترض بأن التركيز الشديد على البنية الداخلية تخفي خلفها هواجس مستقبلية وقلق شديد على المجتمع السياسي وغير السياسي.

الخلاصة:

1. يعود نقص الرسائل الجامعية، في الجامعات الإسرائيلية، التي تقترب من وجهة النظر الفلسطينية، طبيعة المجتمع الصهيوني، وإلى المخاوف لدى المشرفين على الرسائل من احتمالات التعرض للإيذاء الخشن أو الناعم، مادياً ومعنوياً، من قبل السلطات الرسمية الإسرائيلية أو من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة.

2. إن الأحزاب اليمينية لا سيّما الليكود لا يتورع عن الضغط المادي أو الإداري المباشر على الأقسام الجامعية خصوصاً في نطاق الدراسات الاجتماعية والإنسانية التي تتخذ مواقف تراها الحكومة الإسرائيلية مخالفة لتوجهاتها.

3. إن التركيز على موضوعات علم الاجتماع السياسي يحتمل إجابات عديدة، لكننا نرى أنه تعبير عن ثقافة "الجيتو" من ناحية، والقلق المستقبلي من احتمال تمدد نزعات وتوجهات ثقافية غير مواتيه للأيديولوجيا الصهيونية، فمثلاً الخوف من أن تزايد العلمانية داخل المجتمع الإسرائيلي ووسطه الجامعي يهدد، من وجهة نظر السلطة، الأساس الأسطوري الديني الذي بنيت عليه الدولة، كما أن تزايد دور الثقافات والتوجهات القيمية الفرعية قد يمتد للمجتمع الإسرائيلي (شرقيون وغربيون، روس وغير روس، متدينون وعلمانيون، سود وبيض، قوميون وعولميون…إلخ)، يشكل من ناحية ثانية شقوقاً في الجدار الصهيوني.

4. يبدو أن الموضوعات الأمنية، وهي الأقل بين موضوعات الأطروحات الجامعية، شبه مغلقة في وجه الباحثين، لا سيّما أن القضية الأمنية تعلو في العقل الصهيوني على أي قضية أخرى، وهو ما تؤكده كل الدراسات الإسرائيلية أو الأجنبية الخاصة بالموضوع السياسي الإسرائيلي.

اخر الأخبار