هل قرار التحلل الفلسطيني من التزامات اوسلو يعدُ قفزة غير محسوبة .؟!

تابعنا على:   11:48 2020-05-30

د. عبد الرحيم جاموس

أمد/ عقب قرار اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف أصر نتنياهو رئيس حكومة المستعمرة على أن يواصل صلفه وغيه فعقب قائلا (ان الدولة الفلسطينية ستبقى حبر على ورق، وان الضجيج الأردني لا أثر ولا قيمة له)، هذا ما يؤكد استمرار نشوة القوة والتفوق التي تسيطر عليه وعلى وعيه وتفكيره السياسي المريض وعلى وعي وتفكير سيده ترامب من جهة، كما يؤكد جهله وتعاليه على القانون والشرعية الدولية وقراراتها وعلى حقيقة كل من فلسطين وشعبها وقيادتها والأردن وشعبه وقيادته، بالتالي لا يقيم أي وزن لرد الفعل الفلسطيني والعربي والدولي المنتظر على سياساته وصلفه وتجاوزه لكل القيم والأعراف والقوانين الإنسانية والدولية، ويؤكد على جهله بالتاريخ السياسي لكل أشكال الإستعمار والحروب والصيرورة التاريخية والمصير التي آلت إليه من جهة أخرى.
فلسطين حقيقة لم تعد غائبة كما يتوهم نتنياهو فهي موجودة وقائمة رغما عنه وهي سبب قلقه الوحيد، معترف بها دوليا ولها شعبها الذي يواصل صموده ونضاله على كل المستويات، حتى يسترد حقوقه كاملة في وطنه مهما تنكر نتنياهو وأمثاله لها، والأردن لا يطلق مجرد ضجيج يا نتنياهو وأنت تعرف جيدا من هو الأردن وقيادته الهاشمية الاصيلة وشعبه العظيم الثابت في دعم فلسطين وشعبها، والذي لن ولم ترهبه عنجهيتك وتهديداتك وغطرستك، ويمثل السند الرئيس لفلسطين وشعبها ومعه كافة الدول العربية والإسلامية وكافة الدول الصديقة المساندة للحقوق الوطنية الفلسطينية وللقانون والشرعية الدولية التي ستواجه تطلعاتك واطماعك وستضع لها حدا شئت أم أبيت.
في نفس السياق قد تابعت بإهتمام عددا من مقالات الرأي لكتاب عرب وإسرائيليين، تتشارك جميعها في طرح جملة من التساؤلات حول هذا القرار والموقف الفلسطيني بشأن التحلل من الإلتزامات والتعهدات التي ترتبت عليه بموجب الإتفاقات الموقعة مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، وما يمكن أن يترتب عليه من آثار قانونية وسياسية وعملية على أرض الواقع، وماهية ما ستؤول إليه العلاقة بين م.ت.ف وسلطتها وكيان الإحتلال، وتتساءل أيضا عن مدى دراسة القيادة الفلسطينية وجاهزيتها لمواجهة رد الفعل عليها وعلى موقفها من قبل الإحتلال ومواقف الأشقاء وبقية دول العالم منه، في المجمل جميع تلك التساؤلات اعتبرها وجيهة ومحقة وتحتاج فعلا لإجابات شافية تكون سياسية وقانونية وعملية وواقعية وموضوعية، بعيدة عن العواطف ومتجردة، حتى يعي الشعب الفلسطيني ومعه العالم إلى أين تسير الاوضاع المقبلة، وحتى لا يكون الموقف والقرار الفلسطيني مجرد ضجيج أو فرقعة صوتية كما يحلو لنتنياهو أن يصفه أو يراه، وكي لا يكون هذا الموقف والقرار قفزة في الهواء غير محسوبة العواقب ...
بداية لا بد من الإحاطة إلى أن التاريخ السياسي قد شهد آلاف الإتفاقات الدولية التي تم إنهائها إما بحد السيف وأزيز الرصاص أو بثورات الشعوب عليها أو صيرورة التاريخ وتحولاته قد اسقطتها وتجاوزتها، الأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ القديم والحديث والمعاصر، وإتفاقات اوسلو وما نجم عنها ليست استثناء سياسيا أو قانونيا أو تاريخيا، وهي مجرد اتفاقات محدودة زمانيا وموضوعيا لا غير، وقد جرى بالفعل تجاوزها زمانيا وموضوعيا من الطرفين ولم تعد تفي بضبط العلاقة وواقع العلاقة ومستقبلها بين أطرافها.
لذا نؤكد أن ما يطرح من أسئلة حولها محقة ووجيهة وقد نجيب هنا على بعضها من الناحية القانونية والسياسية وهذا هو الجانب السهل فيها، لكن الوجه الآخر والجانب الواقعي والعملي فيها هو الأصعب، وهو ما سيتبلور في قادم الأيام في الممارسة الفعلية ل م.ت.ف وللسلطة من جهة، وسلطات الإحتلال من جهة ثانية، وسيكون محكوما بإحتياجات كل طرف للآخر دون مرجعية تلك الإتفاقيات التي كانت تنظم العلاقة بين الطرفين، التي تم تجاوزها والتحلل منها من قبل الطرفين منذ زمن بعيد، خصوصا من قبل الطرف الإسرائيلي عندما أقدم على عدم الإلتزام بالمدى الزمني المحدود لها بخمس سنوات وأخذ يسوف ويتهرب من حلبة المفاوضات وجولاتها التي نصت عليها تلك الإتفاقات وأخذ جملة خطوات إنفرادية مست بكافة قضايا الوضع النهائي التي كانت ستكون محل تفاوض، وما تم الكشف عن نواياه ونوايا الولايات المتحدة مؤخرا بشأن ضم الأراضي وغيرها والتي دمرت ما اتفق علية سابقا واجهزت عليها وعلى روح عملية التسوية والسلام بين الطرفين، ما دعى الطرف الفلسطيني ممثلا بقيادته الشرعية أن يعلن مؤخرا ومتأخرا عن تحلله منها وما رتبته عليه من تعهدات والتزامات علنيا، ليصبح الأمر والوضع القائم على الأرض بحاجة إلى تعريف جديد له وذو معنى ومفهوم للعلاقة بين الطرفين.
لقد بات الوضع يحتاج إلى ورشة عمل سياسية وقانونية موسعة وبحث معمق ومركز لخصوصية الحالة الفلسطينية الإسرائيلية والمبنية على أساس جدلية الصراع القائم ما بين الطرفين والتي يجب أن تحكمها قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، التي يتشبث بها الطرف الفلسطيني ومعه الدول العربية والاصدقاء، وينتهكها الطرف الإسرائيلي ولا يحترمها وكأنها غير موجودة ولا تعنيه، هنا يكمن التوصيف الدقيق للصيغة التي ستفرض نفسها على الطرفين، فيها تكمن صوابية وشرعية الموقف الفلسطيني وتخندقه في خندق القانون والشرعية الدولية ومواجهة الطرف الآخر وتعنته وصلفه وتجاوزه للقانون وللشرعية الدولية وللإتفاقات الموقعة معه، وسيتمسك كل طرف بما افرزته هذه الإتفاقات الموقعة سابقا لصالحة من واقع عملي وشرعي على الأرض، وهو ما يمثل جزءا يسيرا بالنسبة للشعب الفلسطيني من حقوقه الاساسية المشروعة التي يسعى لإستردادها كاملة، بمختلف الوسائل وقد كانت الإتفاقات السابقة إحداها ولا يمكن للطرف الآخر ولا للعالم معه أن يتجاوزها ..
إذا الموضوع لاشك أنه معقد ومركب ولابد أن نصل كطرف فلسطيني عربي إلى فهم سياسي وقانوني وعملي يحمي هذا الموقف والقرار الفلسطيني في مواجهة ما سيتركه من آثار والعمل على مساندته والإلتفاف حوله وحمايته وطنيا وعربيا ودوليا سياسيا ودبلوماسيا وقانونيا، والبحث فيما يحتاجه من إحداثِ مفاعيل ونشاطات جماهيرية على الأرض فلسطينيا وعربيا ودوليا، بقدر ما ستفرضه ردة الفعل الإسرائيلية عليه وحالة الإشتباك الدائرة والمنتظرة.. والصراع المستمر بين الطرفين.
إن الموقف والقرار الفلسطيني يعتبر موقفا صائبا قانونيا وسياسيا وعمليا، قد كسر جليد السكون الذي استمرأه الطرف الآخر أكثر من عشرين عاما، لذا لن يكون قفزة في الهواء غير محسوبة العواقب كما يتصور البعض، إنما قرار واعي وقد جاء متأخر نسبيا، والمطلوب الآن توفير التوعية الشاملة به، بهدف الوصول إلى فهم وطني وعربي جماعي لماهيته، لما هو قائم على الأرض ولما سيؤول إليه الوضع في قادم الأيام بين الطرفين، وما سيفرضه من مواجهة بينهما.
على الشعب الفلسطيني أن يتهيأ له وطنيا وعربيا ودوليا حتى يتخلى الكيان الصهيوني عن عنته وصلفه ويرضخ للقانون وللشرعية الدولية والإقرار بأن الدولة الفلسطينية حقيقة واقعية لابد من التسليم بها، وأن فلسطين والأردن وجميع العرب ليسوا مجرد ضجيج بل لهم قرار وموقف فاعل، وانه لا مستقبل له في المنطقة دون اقراره بهذه الحقائق مهما امتلك من عناصر القوة والدعم الأمريكي.

اخر الأخبار