الإعلام الرقمي وتعزيز قيم التعايش السلمي في قطاع غزة

تابعنا على:   19:40 2020-05-27

حسن عطا الرضيع

أمد/ الإعلام الرقمي وتعزيز قيم التعايش السلمي في قطاع غزة: جيش التسامح الفلسطيني " سامح " نموذجاً
رسالتنا :
انطلاقاً من المسئولية الوطنية والشعور بحجم الكارثة التي مُني بها الفلسطينيين وعلى كافة الأصعدة بفعل استمرار الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني, ومع تحقيق الفلسطينيين لإخفاقات عدة على صعيد الاقتصاد والسياسة, ولأن المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة يتهاوى أمام التحديات الراهنة, تولدت فكرة استغلال الإعلام الرقمي لنشر ثقافة التعايش السلمي وإرساء مفاهيم التسامح في المجتمع الفلسطيني كخطوة أولى, يليها عدد من الخطوات تتمثل في اتخاذ بعض الإجراءات التي تساهم في بلورة خارطة طريق فلسطينية لاستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام, وهذه المسألة ورغم تعقيدات الحالة الفلسطينية يمكن أن تصبح أمراً واقعاً في حال إعادة النظر بمسببات استمرار الانقسام وقراءة معمقة لبعض التجارب الدولية التي استطاعت بفعل تضافر الجهود إلى إنهاء النزاعات المحلية وتنحية الخلافات جانباً واعتبارها إرث استعماري وتطبيق المصالحة المجتمعية كركيزة أساسية للنهوض الاقتصادي والاجتماعي, وبناءً على الإحصاءات المنشورة حول تداعيات الانقسام على الاقتصاد في قطاع غزة يمكن ملاحظة أن تحقيق التنمية بأي شكل من الأشكال لا يمكن أن تتم في ضوء استمرار حالة الانقسام الفلسطيني_الفلسطيني .
المقدمة:
مما لا شك فيه وجود أهمية للإعلام الرقمي والاجتماعي في التأثير على الرأي العام وصناعة قوة مؤثرة وضاغطة على صانعي القرار وراسمي السياسات سواء محلياً أو عربيا أو دوليا لا يختلف عليه أحد ، وبناءً على ذلك وتماشياً مع الثورة التكنولوجية والانفجار المعلوماتي وهو سمة القرن الحادي والعشرين، أضحى هناك تأثير غير مسبوق لمواقع التواصل الاجتماعي في الوقوف على القضايا المتعددة، وفي الحالة الفلسطينية ومع تراكم التحديات وأهمها استمرار حالة الانقسام الفلسطيني_الفلسطيني منذ صيف 2007، والذي رافقه تولد الكثير من المنصات الإعلامية والمواقع الإخبارية وقنوات التلفزة الحزبية والموجهة للجمهور المؤطر حزبياً ، والتي تؤسس لأن تبتعد القيادة قليلاً سواء بقصد أو بدون قصد عن هموم الوطن ومصلحته العليا، وتعزيز لغة الانقسام والشرذمة والتي أضرت بالفلسطينيين وخصوصاً في قطاع غزة .
لقد ساهمت المنصات الإعلامية الحزبية بشكل كبير في استدامة الانقسام الفلسطيني_الفلسطيني وكادت أن تؤدي إلى اتساع الشرخ بين شرائح المجتمع الفلسطيني، وصولاً إلى الاقتتال لولا وجود أصوات فلسطينية وطنية نادت ولا زالت تُنادي بضرورة تغليب المصلحة العامة على المصالح الحزبية.
يتسم المجتمع الفلسطيني وخصوصاً في قطاع غزة بالتماسك والتعاضد ورغم التحديات التي ترافقت مع حدوث الاقتتال الداخلي وسقوط عشرات الشهداء بأيدي فلسطينية في العام 2007، إلا أن أجواء التصالح والتسامح كانت حاضرة في عدد من المناسبات الوطنية، مما يعني أن إمكانية التقارب تبدو أمراً واقعاً في حال الاستثمار في أدواتها والعمل الدؤوب لاستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الخلافات وتنحيتها جانباً وعلى قاعدة الكل الفلسطيني" لا غالب ولا مغلوب ".
لا يخفى على أحد الجهود المبذولة من اللجنة الوطنية العليا للمصالحة المجتمعية كلجنة فصائلية والتي انبثقت عن حوارات القاهرة عام 2011، حيث حققت اللجنة عدداً من الانجازات في ملف المصالحة المجتمعية تمثلت في تسوية عدد من ملفات ضحايا الانقسام وكان آخرها جبر خواطر وتسوية ملف 40 من ذوي الضحايا في يونيو 2019، وتقديم التعويضات المالية والمعنوية لذوي ضحايا الانقسام، وبدعم من دولة الأمارات العربية المتحدة والتي تعهدت بدعم صندوق دفع التعويضات لضحايا أحداث الانقسام.
شهد ملف المصالحة المجتمعية ورغم الصعوبات الكثيرة تطور إيجابي وإن كان محدوداً قياساً بعدد الملفات العالقة والمتعلقة بذوي الضحايا، إلا أنه يؤسس لمرحلة من الاستقرار الداخلي والمصالحة المجتمعية وصولاً إلى بناء وطن خالٍ من الخلافات المحلية والاقتتال العائلي، وهذا يستدعي من الفلسطينيين الاستمرار في المساعي المطروحة لإنهاء المزيد من الملفات العالقة وإقناع ذوي الضحايا للصفح وتغليب قيم التسامح على حساب قيم الثأر والقصاص وذلك للحالة الاستثنائية لقطاع غزة والتعقيدات التي تعصف بالحالة الفلسطينية بعد ثلاثة عشر عاماً من الانقسام حيث خسر الكل الفلسطيني في تلك السنوات السوداوية في تاريخ الشعب الفلسطيني في المرحلة الراهنة، فمن المنظور الوطني لا رابح من الاقتتال الداخلي باستثناء بعض المنتفعين الذين أضحوا تجاراً يُتاجرون بآلام وآهات الفلسطينيين.
يُعتبر استمرار الانقسام وحالة الشرخ التي تولدت بفعله مصلحة إسرائيلية، فهي خير من استثمر في قاعدة الاستعمار القديمة الحديثة " فرق تسد “، والتي تعني خسارة فلسطينية فادحة، وبدون الوحدة الوطنية واستعادتها لا يمكن الحديث عن أية انجازات يمكن أي يُحققها الفلسطينيين.
ورغم التحديات التي تواجه اللجنة الوطنية العليا للمصالحة المجتمعية، وطبيعة المجتمع في قطاع غزة الذي يميل في بعض الأحيان إلى القبلية والعائلية والعشائرية لا زالت بعض أسر ذوي ضحايا الانقسام ترفض فكرة المصالحة المجتمعية، وترفض قبول التعويضات والمطالبة بالقصاص من قتلة ذويهم، وهذا يحتاج لتكثيف الحوارات المجتمعية وتسوية هذا الملف لأنه من أكثر الملفات عرقلة لاستعادة الفلسطينيين للوحدة وإنهاء حقبة الانقسام ، ورغم التهديدات المتعددة إلا أن ما يجمع الفلسطينيين أكثر مما يفرقهم ، ونجاح لجنة المصالحة المجتمعية بتسوية ملفات عدد من ضحايا الانقسام، دليل على إمكانية الوصول إلى فكرة التعايش السلمي، ولا يعني ذلك أن الأمر يسيراً ، وعليه فيمكن الاستثمار في هذا الملف عبر بناء خطة وطنية شاملة على قاعدة " تعميم المنافع المجتمعية العامة وتقليص الخسائر إلى أقل حد ممكن "، وتوظيف الإمكانيات المتاحة لإنجاحها لأنها الطريق الأقرب إلى كبح جماح أي اقتتال داخلي مستقبلاً ، والعمل على صون النفس البشرية، وصولاً إلى الإيمان المُطلق بحُرمة الاقتتال الداخلي وقتل الفلسطيني لأخيه الفلسطيني، ونشر ثقافة المحبة والتسامح والصفح وإتباع سياسة النظر للأمام، واشتقاق العبر والدروس من بعض تجارب البلدان في العدالة الانتقالية والتي حققت إنجازات مثمرة في مسائل المصالحة المجتمعية وإنهاء الخلافات كما حدث في رواندا .
إن إنهاء الخلافات الفلسطينية والتأثير على ذوي الضحايا يحتاج لبذل جهود كثيرة، سواء بعقد الندوات واللقاءات الجماهيرية، ومروراً بزيارة ذوي الضحايا والاستماع إليهم ووضع تصور لكل أسرة على حدة لخصوصيتها وظروفها الخاصة وقراءتها بتمعن للوصول إلى حلول مُرضية، وليس انتهاءً بالاستثمار في الإعلام الرقمي، ولأن قطاع غزة غني باستخدام الأفراد لمواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً الفيسبوك ، فإن الضرورة تستوجب تسليط الضوء على أهمية تعزيز قيم التسامح والتعايش بين الفلسطينيين وذلك باستعراض أهم التجارب الدولية والنماذج التي حققت إنجازات كبيرة في ملف المصالحة الوطنية وإنهاء الخلافات ومنها : رواندا ، ماليزيا، جنوب أفريقيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الأمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، والمغرب بعد مرحلة الرصاص والنار، ويمكن دراسة كل تجربة على حدا وإجراء مقاربات مع حالة قطاع غزة .
ولأن الأفكار الإبداعية تموت في حال عدم الاستثمار بها وعدم تحولها إلى حقيقة، فإن هناك أهمية لإنشاء جيش إلكتروني يعمل ضمن استراتيجية وطنية يهدف إلى تحقيق أهداف وطنية سامية يُعتبر تحقيقها من الضرورات الوطنية المُلحة.
من الضرورة بمكان إطلاق حملة إلكترونية تتمثل في " جيش التسامح الفلسطيني" (سامح) على مواقع التواصل الاجتماعي1 كمدخل لتعزيز قيم التسامح والتعـايش السلمي في قطاع غزة، إضافة لهذا الجيش، هناك خطوات على الأرض يجب أن يتم الإعداد إليها ضمن خطة وطنية تؤدي في النهاية إلى تحقيق الهدف العام والمتمثل بإرساء قيم التعايش السلمي بين الفلسطينيين وإنهاء الفرقة والتي شكلت عامل سقوط متدحرج للأسفل للحالة الاجتماعية والسياسية والعامة في قطاع غزة، وصعوداً لاقتصاد قطاع غزة وبوتيرة متسارعة للأسفل.
أهداف جيش التسامح الفلسطيني " سامح":
هناك عدد من الأهداف يسعى جيش التسامح الفلسطيني لتحقيقها عشية إطلاق حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف أكبر عدد ممكن من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، سواء في فلسطين أو خارجها.
تكمن مهمة جيش التسامح الفلسطيني (سامح) في تحقيق الأهداف المرجوة التالية:
1- حشد الرأي العام الفلسطيني والعربي لتبني فكرة التعايش السلمي والتسامح بين شرائح المجتمع الفلسطيني، باعتبارها من الاستراتيجيات التي تُشكل رافداً مهماً للارتقاء بالمجتمعات.
2- هبد ونقد أي مواد إعلامية سواء منشورات أو مقالات أو صور أو مقاطع فيديو وتسجيلات يؤدي نشرها إلى تشجيع الاقتتال الداخلي أو يعيق المُصالحة أو يعزز ثقافة الاقتتال ونشر الفتنة ، والرد عليها بمواد تدعو إلى المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية ، مع تعزيز الردود بتجارب حية من شعوب العالم ومنها تجربة رواندا والتي تعرضت إلى إبادة واقتتال داخلي أدى لمقتل نحو 800 ألف رواندي خلال مائة يوم من عام 1994 ، ومع الجهود المبذولة والتعايش السلمي تحولت إلى بلد آمن وواحة مستقرة وواعدة في أفريقيا، إضافة لتجارب أخرى ومنها ماليزيا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول عربية كالسعودية والأمارات قبيل استقلاليتها .
3- تفنيد كل راوية سواء كانت إسرائيلية أو فلسطينية أو عربية لا فرق يؤدي تداولها إلى تعزيز ثقافة الانقسام والإحباط في الشارع الفلسطيني، واستبدالها برواية فلسطينية وطنية رصينة تُفند رواية الاحتلال وأدواته.
4- التأكيد على فرضية أن المصالحة الوطنية الفلسطينية وتنحية الخلافات جانباً ستقوم على قاعدة " لا غالب ولا مغلوب "، وبالتالي الكل سيكون منتصراً ، فتجارب الكثير من الشعوب توحي بأن المصالحة الوطنية وإنهاء الخلافات تُعتبر أسرع الطرق لتحقيق المصلحة العامة وأقلها تكلفة، ففي قطاع غزة وبفعل الانقسام السياسي والذي رافقه حصاراً إسرائيلياً فإن تقديرات الخبراء الاقتصاديين تشير أن متوسط الخسارة المباشرة وغير المباشرة للاقتصاد في قطاع غزة تبلغ سنوياً 1.5 مليار دولار2، وعليه فإن إجمالي خسائر قطاع غزة خلال الفترة 2007-2019 تُقدر بنحو 18 مليار دولار .
5- إعادة قراءة تحليلية للبنية الداخلية والخارجية لاتفاقيات المصالحة بين حركتي فتح وحماس، والوقوف على الأسباب الداخلية والخارجية التي أعاقت توقيع اتفاقيات المصالحة خلال الثلاثة عشر عام الماضية، والخروج بتصور وطني يعبر عن البرامج الحزبية يمكن من خلاله النجاح في استعادة الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني؛ فخلال فترة الانقسام انبثقت عدد من الاتفاقيات وهي: (وثيقة الأسرى الفلسطيني للوفاق الوطني 2006، اتفاق مكة 2007، الورقة المصرية 2009، اتفاق القاهرة 2011، اتفاق الدوحة 2012، اتفاق الشاطئ 2014، اتفاق القاهرة 2017)، ورغم أن تلك الاتفاقيات تم عقدها في عواصم عربية إلا أن المصالحة لم تتم ، وهذا يتطلب إعادة قراءتها وتحديد مكامن القوة والضعف فيها للوصول إلى صيغة يتوافق عليها الكل الفلسطيني، والعمل على تسليط الضوء على ذلك بشكل يؤسس لمرحلة جديدة من الوعي الجمعي بمتطلبات واحتياجات المرحلة ، وذلك من خلال تكثيف العمل عبر منصات التواصل الاجتماعي وخصوصا في فترات الذروة .
6- التأكيد على أن فتح وحماس ورغم أنهما كما يُقال خطين متوازيين من الناحية السياسية_ إلا أنهما يمكن أن يلتقيا فكليهما يتوافق ضمنياً على برنامج سياسي والمتمثل بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 إضافة لبرنامج اقتصادي متقارب، فنقاط الاتفاق كثيرة حول حل الدولتين وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران والتنسيق مع إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر عبر وسيط إقليمي، وإتباع نظام السوق الحر _ والعمل على إسقاط المحاولة الإسرائيلية ومن يسير في فلكها والتي تحاول أن تجعل الخطين المتوازيين لا يلتقيان، إضافة لذلك شكلت استراتيجية المقاومة الشعبية اللا عنفية نموذج توافق وطني ويظهر ذلك في بدايات إطلاق مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة في 30 مارس 2018، ففي الحالة الفلسطينية يمكن لحماس وفتح الالتقاء على كلمة سواء، فرغم كافة المصاعب والتعقيدات المحيطة بالمسألة الوطنية الفلسطينية، فإن هناك إمكانية لتعميق مضامين الحركة الشعبية الفلسطينية واعتبارها نقطة توافق وطني في قطاع غزة والضفة الغربية سواء بسواء، وفي المجال يمكن الاستفادة واشتقاق الدروس من تجارب عالمية تاريخية، كتجربة غاندي الهندية، ومانديلا في جنوب أفريقيا، وثورة الإمام الخميني بإيران ، وتجربة لوثر كينغ بالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من التجارب الرائدة.
كما يمكن قراءة التحول في الفكر السياسي لحركة حماس بشكل إيجابي خصوصاً مع تغيير ميثاقها وإطلاق وثيقتها الجديدة في مايو 2017، وعليه يمكن القول أن التحول في استراتيجية حركة حماس يتماشى مع المرونة التي تحاول أن تُبديها بعض حركات الإسلام السياسي والتماشي مع المتغيرات والتحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية خصوصاً مع تفجر احتجاجات ما يُسمى الربيع العربي، ففي السابق ووفقاً للكثيرين فإن أنصار حركة حماس كانوا يشككون في فعاليات المقاومة الشعبية ويعتبرونها مجرد هراء ولا ترتقي لحجم القضية الفلسطينية وأنها مجرد فعاليات لا تُسمن ولا تُغني من جوع ، حينها رفعوا شعار " العدو لا يفهم إلا لغة واحدة هي لغة الحراب "، ويعني ذلك استحواذ الكفاح المسلح آنذاك على مفاهيم حركة حماس .
إن إيمان حركة حماس بالمقاومة الشعبية يعتبر تحول وعامل مهم للتوافق الفلسطيني على برنامج وطني محدد، حتى وإن جاءت تلك الخطوة متأخرة.
لقد أبدت حركة حماس مرونة في قضية الكفاح المسلح واستهداف المدنيين الإسرائيليين ،فبعد الهدوء الذي حصل بعد انتفاضة الأقصى، بدأ خيار المقاومة الشعبية يستعيد شيئاً من زخمه النظري_ وأضحى استراتيجية وطنية تلقى قبولاً عربياً ودولياً إضافة لتعاطف أحرار العالم_، خاصة في ظل تعطل المقاومة المسلحة في الضفة الغربية بعد عملية السور الواقي سنة 2002، وحالة التهدئة السائدة نسبياً في قطاع غزة، مما جعل المقاومة الشعبية القاسم المشترك والحل التوافقي المتاح أمام الكل الفلسطيني، وقد ظهر ذلك بشكل ملموس وإن اعُتبر تغيير جوهري في رؤية حماس القديمة، حيث صرح خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في إحدى جلسات المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس سنة 2011 بأن :" المقاومة لا تستهدف المدنيين، أنا قائد حماس أقول؛ إننا على استعداد لسلوك سبل سلمية من دون سفك دماء أو استخدام أسلحة إذا حصلنا على مطالبنا الوطنية"3.
7- ولأن الصورة آية القرن الحادي والعشرين فلا بد من الاستثمار الكثيف فيها، وذلك من خلال نشر وتداول أكبر عدد ممكن وبشكل مدروس من الصور التي تشجع الوحدة الوطنية ويؤدي تداولها إلى بث روح الوطنية وتغليب المصلحة العامة لدى النسبة الأكبر من الفلسطينيين وخصوصاً في قطاع غزة.
8- إشراك كافة الشرائح المجتمعية وحث الفلسطينيين في كل مناطق التواجد على المشاركة بفعالية واعتبار فكرة التسامح من الفضائل وتحقيقها في قطاع غزة لا يقل قدسية عن الشعائر الدينية، وبدونها ستتحول غزة إلى نموذج بائس كالصومال أو شمال مالي.
9- ولأن الشعب الفلسطيني متدين ويميل للاعتقاد بأهمية أئمة المساجد ورجال الدين ودورهم في بناء المجتمع، ولأن الوازع الديني لا زال عامل أساسي في التأثير على سلوك وممارسات الفلسطينيين، فيمكن إعادة النظر بالخطاب الديني، وضرورة تركيزه في المرحلة الحالية على الدعوة لنشر ثقافة المحبة والتسامح ، وعدم الحديث في السياسة أو أي لقاءات أو خطب يؤدي تنفيذها إلى بث ثقافة الكراهية والانتقام ، وهذا يقع على عاتق وزارة الأوقاف التي يتوجب عليها إلزام الخطباء والوعاظ إلى التحدث عن فضائل التسامح مع اشتقاق دروس وعبر من التاريخ ، فالتاريخ لا زال منبر مضيء للكثيرين .
10- هبد أي تصريحات لسياسيين أو أراء لكُتاب وصناع الرأي العام يؤدي نشرها إلى إثارة النعرات الحزبية والعائلية أو التحريض على أي من مكونات الشعب الفلسطيني، وتكثيف التعليقات عليها وإظهار الصورة المُغايرة تماماً.
11- هبد وسائل الإعلام التي تتلاعب بأحاسيس الناس ومشاعرهم، والعمل على تغيير خطابها بما يتلاءم واحتياجات المرحلة الراهنة.
12- دعوة القنوات التلفزيونية والإذاعات الوطنية والمؤسسات الصحفية والإعلامية ذات الصلة إلى اعتماد شعار التسامح شعاراً مركزياً لها، وأن تُمارس وتعتبره نموذج حياة.
13- الاستثمار في خاصية " البث المباشر" الموجودة في موقع التواصل الاجتماعي لنشر أهداف ومبادئ جيش التسامح الفلسطيني.
14- التأكيد على أهمية المصالحة المجتمعية ودورها في نشر وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش السلمي بين مكونات الشعب الفلسطيني.
15- هبد الاحتكارات وأي استغلال يقع على كاهل المواطنين، والهدف من الهبد هو منع تغول الشركات ومنع استغلالها للمواطنين، حيث ينجم عن الاستغلال مخاطر عدة أخطرها أن يشعر المواطن بأنه يعيش في مجتمع الأبارتهايد الاقتصادي، ومن خلال الهبد يتم توجيه رسائل ونصائح للحكومة والمؤسسات الاقتصادية للوقوف عند مسئولياتها تجاه حماية المستهلكين، والضغط الشعبي على الشركات الاحتكارية لإعادة النظر بكل سياسة من شأن تطبيقها أن يؤدي إلى إفقار الناس وتجويعهم، في ضوء مخاطر التجويع على سلوكيات الأفراد ونظرتهم للقضايا الوطنية، ورغم أن هبد الاحتكارات يتناقض بنيوياً مع فلسفة اقتصاد السوق، فإن من أهداف الهبد الضغط على السياسات الاقتصادية الفلسطينية لإعادة النظر بتبنيها سياسات النيو ليبرالية الاقتصادية والتي أفقرت الاقتصاد والمجتمع وألقت بظلالها السلبية على شتى مناحي الحياة.
16- هبد السياسات الحكومية ومنها ما يتعلق بقيام الحكومة بتقليص الإنفاق أو زيادة الضرائب أو خفض الإعانات والإنفاق على برامج البنية التحتية والتطويرية والتنموية، وتراجع دورها الرقابي ، وتشجيع الاحتكارات وإمكانية حدوث تزاوج كاثوليكي بين رأس المال والسياسي المتنفذ ؛ والهدف من الهبد هو تقديم رؤية اقتصادية صائبة تُساعد الحكومة في رسم السياسات وصنع القرار السليم على قاعدة: أن بناء المواطن/ الإنسان لا يقل أهمية عن بناء الأوطان، مع التأكيد أن الفلسطيني في هذه المرحلة ومع إعلان ترامب ونتنياهو لصفقة القرن ليس بصدد البحث عن وطن بديل.
17- هبد أي محاولة من دول الإقليم للتدخل في الحالة الفلسطينية أو إغداقها بالأموال السياسية والتي يلزمها تنازلات سياسية أو الإبقاء على حالة الانقسام لأعوام عدة، ونشر أراء للوقوف على مخاطر التدخل الإقليمي على المشروع الوطني والنيل من الحقوق السياسية، مع إرفاق نتائج للعديد من التجارب الدولية ومنها أيرلندا التي تم تقسيمها بعد إغداقها بالأموال والتي سلبت حقوقها .
18- التأكيد على أهمية تعزيز صمود المواطنين الفلسطينيين في الضفة وغزة ، وتعزيز ذلك بنشر المواد التي تعزز صمود الفلسطيني وتقديم المقترحات لصانعي القرار ، ولن يكون ذلك أمراً واقعاً في ضوء استمرار الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني والاستقطاب السياسي الحاد.
19- هبد أي سياسات اقتصادية غير تنموية، واستبدالها بسياسات اقتصادية وازنة ترتكز على دعم قطاعات الاقتصاد الحقيقي، ويحتاج هذا الأمر إلى ضرورة تعزيز فلسفة الاقتصاد المقاوم ومغادرة اقتصاد السوق الذي لا يتناسب واحتياجات الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال الإسرائيلي.
20- العمل على إضعاف عوامل استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني والمتمثل في: ( التدخل الإقليمي، عدم نضوج فكرة الشراكة السياسية بين حركتي فتح وحماس)، وتفنيد هذان العاملين وتوجيه المقترحات للتغلب عليهما ، فيمكن ومن خلال التعايش السلمي الاستفادة من الدعم الإقليمي لبناء الدولة وتمويل التنمية بدلاً من تمويل عملية الانقسام، والشراكة بين فتح وحماس والكل الفلسطيني يمكن أن تصبح سلوكاً يومياً إذا تم الضغط في كل الاتجاهات للإيمان بفكرة الشراكة.
خطوات التعايش السلمي في قطاع غزة:
تزامناً مع إطلاق الحملة الإلكترونية والمتمثلة في " جيش التسامح الفلسطيني ( سامح)، يمكن البدء بالأنشطة التالية والتي يؤدي تنفيذها إلى حدوث التقارب وتقليص الخلافات إلى أدنى حد ممكن ، ومن تلك الأنشطة التالي :
1- إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني على أسس من العدالة والسوية، وبدون تمييز والانحياز الفوري وغير المشروط لمصلحة الوطن العليا بشكل يتناسب وحجم المحن والتحديات التي يواجهها المجتمع الفلسطيني وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة.
2- العمل على إشراك كافة شرائح الوطن؛ من سياسيين ومثقفين ومستقلين ونشطاء وأعضاء المجتمع المدني، والتشاور معهم من خلال عقد مؤتمر وطني جامع يهدف إلى الوصول إلى خارطة طريق وطنية وبدون تدخلات إقليمية باستثناء من يسعى لدعم حقوق الشعب الفلسطيني وبدون أي إملاءات تؤدي إلى تنازلات سياسية ؛ يرافقها البدء الفعلي بتطبيق توصيات المؤتمر ، والتي تضمن ميلاد مصالحة حقيقية تضمن التعايش الفعلي وأن يكون سلوكاً وممارساً وليس فقط توافق صوري .
3- إطلاق مؤسسة أو هيئة عامة تُعنى بنشر ثقافة التعايش السلمي، وتضم فريق بحثي متخصص في إعداد الأوراق البحثية والدراسات حول سبل التعايش السلمي، إضافة لفريق ميداني للتعرف على موقف ذوي ضحايا الانقسام والعمل على تقريب وجهات النظر وتذليل الصعوبات.
4- العمل على إشراك المرأة في الأنشطة والفعاليات السياسية والمجتمعية على اعتبار أن المرأة مكون رئيسي ونصف المجتمع؛ إن منح المرأة دورها الفعال سيسهم في إنجاح فكرة التعايش السلمي.
5- الإسراع والتطبيق الفعلي للمصالحة المجتمعية، وهذا يتطلب من العائلات الفلسطينية مزيداً من إبداء المرونة وقبول فكرة التعايش كونها الجدار الآمن للفلسطينيين، ومأساة الثلاثة عشر عاماً الماضية دليل واضح على حجم الخسارة الفلسطينية.
6- إن المرحلة الراهنة تتطلب تجاوز القيادات السياسية والأمنية والتي كان لها دور في الشرخ بين حركتي فتح وحماس والتسبب فيما آلت إليها الظروف، وعليه يتوجب الاتفاق على مجلس وطني يضم الكل الفلسطيني، يرفع شعار التعايش كمدخل لحل كل الخلافات وتنحيتها جانباً.
7- العمل على منح الأولوية للتفكير بالمصلحة العامة للوطن على اعتبارها تصب بنتائجها المثمرة على المواطنين مهما اختلفت وتباينت وجهات نظرهم ومواقفهم السياسية.
8- العمل على قبول كافة الأفكار والإيديولوجيات واحتضان الأفكار البناءة والتي يرافقها كبح جماح النزاعات المحلية.
9- تعميم فكرة أن الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير هي سلوك ممارس بشكل يومي في كل مناحي الحياة، فتعميم الديمقراطية بصورتها الحقيقية سيخلق وعياً جمعياً يُدرك حجم المأساة الفلسطيني والاجتهاد باقتراح حلول آنية للحالة في قطاع غزة.
10- العمل على تشكيل لجنة تتكون من عدد من الخبراء والمتخصصين لإشاعة ثقافة التعايش السلمي في قطاع غزة، وتقديم التمويل الكافي لها لنصل إلى مرحلة أن الكل ينادي ويؤمن بهذه الفكرة.
11- الاستغلال الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي ونشر البوسترات في الشوارع والمفترقات لحمل الناس على قبول فكرة التعايش السلمي ومدى الحاجة إليها في ضوء التحديات التي تواجه الفلسطينيين وخصوصاً في قطاع غزة.
12- تصميم شعار التعايش السلمي ووضعه وبشكل مؤقت في كافة الأوراق والمعاملات الرسمية، سواء ملفات الداخلية أو الصحة أو التعليم أو دوائر المرور والضريبة والمالية وغيرها، وذلك للتعايش بشكل رسمي مع التعايش السلمي.
13- عقد لقاءات وطنية شاملة في كل المناطق في قطاع غزة حول التعايش السلمي، وأن يتم نشر وتعميم هذه الثقافة لكل شرائح المجتمع؛ من طلبة مدارس وجامعات ومنظمات المجتمع المدني وموظفي وكوادر الأحزاب السياسية وطلبة الجامعات والنساء وغيرهم.
14- نشر ثقافة التعايش السلمي من خلال المساجد، وأن تُرتكز خطب الجمعة على نشر مفاهيم التعايش السلمي باعتباره من الفضائل والقيم النبيلة التي يُوصي بها الإسلام والأديان الأخرى وأن التسامح بحد ذاته السبب الأول والأهم لبناء مجتمع صحي وسليم.
15- الاحتكام للقانون في حل كل الخلافات، والعمل على تقريب وجهات النظر بين المنقسمين، ولذلك نتائج إيجابية على حالة الاستقرار الداخلي.
16- العمل على حل المشكلات الاقتصادية والقضاء على الفقر وتعزيز مقومات العيش الكريم باعتبارها مرتكزات أساسية لكبح جماح العنف والتفكير السلبي لدى نسبة لا بأس بها من الشرائح المجتمعية.
17- تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال اعادة النظر بقضايا الاستغلال والاحتكار وتمركز الثروات، والعمل على توسيع قاعدة الملكية والعمل على زيادة نصيب المواطنين من الخدمات العامة باعتبارها حقوق، وأن يحصل المواطن الفلسطيني على حاجاته دون سؤال.
18- إلغاء السياسات المالية الراهنة والتي لا تتناسب واحتياجات التنمية، وانتهاج سياسة اقتصادية مالية وازنة تقوم على أسس من العدالة الاجتماعية وتُحفز الإنتاج الوطني وتزيد من نسب التشغيل والاستثمار وتنشيط الطلب الكلي الفعال بشقيه الاستهلاكي والاستثماري.
19- على منظمات المجتمع المدني تركيز أنشطتها على فكرة التعايش السلمي وتنفيذ العديد من المبادرات الشبابية تستهدف شرائح عدة لقبولهم بفكرة التعايش السلمي.
20- من خلال التعايش السلمي واستقرار البنية الداخلية بالإمكان التواصل مع العمق العربي والإسلامي وأحرار العالم للحصول على الدعم والإسناد للشعب الفلسطيني وتمويل عملية التنمية من خلال التركيز على قطاعات الاقتصاد الحقيقي والتي تدر قيم اقتصادية وتوفر فرص عمل تزيد من فرص تعايش الناس معاً.
21- العمل على استيراد التجارب الدولية الرائدة في مجال التعايش السلمي، واشتقاق الدروس والعبر منها والعمل على تثمير تلك النتائج وإجراء مقاربة مع الحالة الفلسطينية في قطاع غزة واختيار الممارسات الأنسب من كل تجربة.
22- وضع حد للتدخلات الإقليمية والتي عززت سابقاً الانقسام من خلال الدعم المالي وتمويل الانقسام، وتعزيز فكرة أن القرار فلسطيني بامتياز، وهذا لا يمنع إحداث تعاون مع تلك الدول على قاعدة الشراكة والتعاون المثمر؛ والاستفادة من علاقات الصداقة مع تلك الدول، وعلى أسس متينة ورصينة تهتم بتنمية الاقتصاد والإسراع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتُشكل المدخل الأهم في تحقيق الاستقرار في البنية الداخلية.
23- العمل على إتاحة هامش أكبر لحرية الرأي والتعبير وعدم ملاحقة الناشطين وأصحاب الرأي الحر ؛ وذلك يساهم في نشر ثقافة النقد البناء، ويمكن من خلال قراءة عميقة للناقدين الوصول إلى حلول قد تساهم في حل المشكلة الوطنية ومعضلاتها.
24- العمل على اختيار العام 2021 "عام التسامح والتعايش السلمي الفلسطيني"، وضخ الأموال في سبيل الوصول إلى تحقيق هذا الهدف المركزي؛ وذلك من خلال عقد لقاءات مجتمعية تبدأ من المدرسة ودواوين المخاتير والعائلات مروراً بالمساجد والنوادي والمدارس والجامعات، وليس انتهاء بالإذاعات الوطنية والتلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي والكتابة على الجدران، ونشر البوسترات في المفترقات العامة ومنها مفترق السرايا والذي لعب دور بارز في طرح مواقف حكومة غزة حول عدد من المسائل الوطنية والعربية والإقليمية.
25- إعداد دورات تدريبية مكثفة في مجال التفاكر والتعايش السلمي وإدراك تحديات المرحلة، وتستهدف تلك الدورات شرائح مجتمعية ذات تأثير في صنع القار ورسم السياسات ومن تلك الفئات: قيادة الفصائل الفلسطينية، والأعضاء النشطين، إضافة للإعلاميين والكتاب والنقاد وكل مكونات الشعب الفلسطيني، ومن خلال الدورات يتم طرح موضوعات التعايش السلمي وأهميتها في تطور المجتمعات مع اشتقاق الدروس والعبر من بعض التجارب الدولية كماليزيا والهند ورواندا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة وتجارب عربية كالإمارات والسعودية والمغرب وغيرها .
26- تشديد الرقابة على الإعلام ومنع بث أي مواد إعلامية قد تستهدف فكرة التعايش، وذلك لتعزيز قيم التسامح وبث الروح الوطنية في صفوف الفلسطينيين، ومن الأهمية أن تُعيد الإذاعات الوطنية والتلفزة لبرامجها بحيث تعمل جاهدة على بث قيم التسامح والتعايش والتوقف عن بث أي مواد تعزز التفرقة والشرذمة.
27- مخاطبة شركات الاتصالات الخلوية وغير الخلوية لبث مادة داعمة للتعايش السلمي عند إجراء أية مكالمات من الزبائن للشركة "أثناء فترة الانتظار "، إضافة لمخاطبة شركات الاتصالات كجوال وأوريدو (الوطنية موبايلي) لإرسال رسائل قصيرة للمشتركين وبشكل منتظم لبث الروح الوطنية وإدراكهم بأهمية التعايش السلمي على الوطن والمواطن.
28- تصميم محتوى وطني ( فيديو قصير ) حول مكاسب التعايش السلمي وضرورته المُلحة في قطاع غزة، وأن يكون على شكل إعلان على مواقع التواصل، بحيث كل من لديه حساب فيسبوك أو غيره أو أي شخص يحاول فتح موقع اليوتيوب يرى الإعلان ويتخطى الإعلان لكي يستطيع تصفح المواقع التي يُريدها.
29- إطلاق يوم 14 يونيو كيوم فلسطيني للتسامح / التعايش، والتأكيد أن التسامح بديلاً لمفهوم الاقتتال والذي أدى لاستدامة حالة فلسطينية غير مستقرة هي الأخطر في تاريخ الشعب الفلسطيني في العصر الحديث.
30- إنشاء صحيفة / موقع الكتروني متخصص في نشر وتعزيز قيم التسامح والتعايش بين الفلسطينيين في قطاع غزة.
الخاتمة :
إن حجم المآسي والخسائر البشرية في قطاع غزة عشية اندلاع الصراع المسلح بين حركة حماس وقوات السلطة الفلسطينية والتي بلغت ذروتها في الفترة من 11 إلى 14 يونيو 2007 تُعتبر ورغم تشكيلها لتحدي بارز للمجتمع الفلسطيني منخفضة قياساً بتلك التي تم حدوثها بفعل صراعات في دول عربية ومنها العراق وسوريا ودول أفريقية كرواندا سنة 1994، وعليه فإن قطاع غزة لا زال متماسك وهناك عادات وتقاليد ومنظومة من القيم يمكن تعزيزها لتعميم لغة التسامح والحوار ونبذ العنف ، لصالح رسالة التعايش بين مكونات الشعب الفلسطيني، فالكثير من الشواهد في قطاع غزة تُدلل على وجود إمكانية للتعايش وتنحية الخلافات السابقة جانباً .
إن نقاط الاتفاق والتوافق لا زالت أكبر بكثير من نقاط الاختلاف؛ فالضرورة تستوجب أن تنتصر إرادة الفلسطينيين وتغليب لغة المصلحة الوطنية العليا على كل المصالح الحزبية والفئوية في أضيق حدودها، وهذا يعني بالضرورة إنصاف الضحايا وذويهم من خلال الاستمرار في تفعيل برنامج المصالحة المجتمعية والتي ترسخ بتشكيل اللجنة الوطنية العليا للمصالحة المجتمعية؛ وإجراء قراءة معمقة وناقدة لتلك الفترة التي تُعتبر فترة سوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني، وأن تكون القراءة على أساس الجمع وليس الإقصاء.
لإنجاح قيم التعايش في المجتمع الفلسطيني وقطاع غزة تحديداً لا بد من التأكيد على ضرورة تعزيز قيم الجمع والتقارب والانسجام وهي قيم إنسانية راقية وسامية لجهة دورها في بناء جدار حامي وملاذاً آمناً للاستقرار المجتمعي من جهة، والإسراع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي لا يمكن أن تكون أمراً واقعاً في ظل وجود الانقسام الفلسطيني .
ومن هذا المنطلق يتوجب أن يتم إعادة النظر بتقييمات المواطنين على أساس القيم والحاجة الإنسانية وليس على أساس التدين والانتماء السياسي والإيديولوجيا، وهذه اللبنة الأساسية لمنع انهيار المجتمع وتفتته سياسياً، وعليه فإن رد الاعتبار لمنظومة القيم ينعكس بالإيجاب على الثقافة العامة وإرساء مفاهيم التسامح والتعايش السلمي بين شرائح الكل الفلسطيني.
وعليه يمكن كبح جماح أي تقسيم سياسي، إضافة للتفتيت الاجتماعي وسيادة حالة من اللا عدالة اقتصادية، من خلال منظومة القيم وأهمها قيم التسامح والإخاء والجمع بين الكل الفلسطيني .
إن قراءة عميقة للتعايش في عدد من التجارب الدولية ومنها " الهند " عشية الاستقلال سنة 1947م، يعود إلى المفاهيم التي أرساها غاندي (الهندوسي) وصديقه المسلم خان عبد الغفار خان، ورغم الاختلاف الديني ووجود القبلية وغريزة التعصب لدى الشعب الهندي، إلا أن إمكانية التعايش كانت قائمة وكانت أمراً مُعاشاً ساهم في نمو الهند وتطورها في العقود الأخيرة، وهذا يعني أن هناك ضرورة مُلحة للفلسطينيين الأخوة والأشقاء وأصحاب البشرة الواحدة والدين الواحد واللغة الواحدة والهم الواحد للتوحد والتعايش معاً.
يمكن القول أن الحل الأنسب في الوقت الراهن للحالة الفلسطينية هي التعايش والوحدة وتغليب مصلحة الوطن، وترك الخلافات جانباً، أما إلغاء الأخر فيمكن اعتباره بأنه أقرب إلى الخطيئة، وعليه فالضرورة الراهنية تتطلب البدء الفعلي في تعزيز قيم التعايش كمدخل هام قبل إجراء الانتخابات العامة، حيث لا بد من الإيمان المُطلق بأن الوطن للجميع، وأن الفتحاوي يُكمل الحمساوي والعكس صحيح ، فلا يمكن لوطن أن يقوم على قواعد سليمة وصحيحة في حال محاولة إلغاء الأخر.
يتوجب على قادة الشعب الفلسطيني العمل بكل صدق للعمل على تحقيق متطلبات التعايش السلمي، وأن يكون التعايش السلمي عملاً ممارساً بشكل يومي وفي شتى مناحي الحياة وفي كافة مؤسسات الوطن، ولا يجوز اعتبارها مجرد شعارات دعائية وإعلامية.
إن تبني استراتيجية التعايش السلمي كبرنامج وطني مرحلي سينجم عنها عدد من الأبعاد الإيجابية وعلى كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وستؤسس لحالة وطنية واضحة المعالم تُنهي حقبة سوداوية تسببت في إلحاق الضرر بالاقتصاد والمجتمع في قطاع غزة وفلسطين ككل، كما تؤسس استراتيجية التعايش السلمي إلى بناء موقف فلسطيني وعربي جاد ووازن يستطيع تحقيق تطلعات الفلسطينيين والحصول على دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية و على حدود الرابع من حزيران 1967 ، ويمكن للدولة الفلسطينية المنشودة تحقيق معدلات نمو مرتفعة وتحقيق نموذج تنموي صاعد من خلال التعايش السلمي مع الدول المجاورة وإبرام اتفاقيات للتعاون الاقتصادي تقوم على أسس من العدالة والسوية مع العديد من الدول ومن ضمنها إسرائيل، إضافة لضرورة تعزيز مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الغير وإتباع سياسة خارجية ماهرة و تقوم على التوازن، وينجم عن إنشاء الدولة الفلسطينية تزايد الفرص واتساع الآفاق أمام إسرائيل لإبرام معاهدات تعاون اقتصادي وأمني مع الدول العربية والإسلامية، كما يمكن للدول العربية تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية في حال حدوث التعاون الاقتصادي مع إسرائيل خصوصاً في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والأمن، ويمكن القول أن تعميم المكاسب وتخصيص الخسائر في الحالة الفلسطينية والعربية يمكن أن يصبح أمراً واقعاً في حال نجاح مشروع التعايش السلمي الفلسطيني كمدخل للتعايش السلمي العربي- الإسرائيلي.

اخر الأخبار