الصحافة بعد "كورونا".. أزمات وتحديات

تابعنا على:   18:10 2020-05-10

عبدالله السناوي

أمد/ الصحافة المطبوعة بمقدورها أن تلبي احتياجات العصور في العمق، فيما هو خلف الصور السريعة وومضات التواصل الاجتماعي.

عندما يبدأ العالم حصر خسائره البشرية والاقتصادية، بعد انقضاء الجائحة، ربما لا يجد الوقت الكافي لتأمل ما حدث، فالمتغيرات شبه الجراحية، قد تداهمه في بنية النظام الدولي والأفكار والسياسات والأولويات بأسرع من أي توقع.

لكل عصر إيقاعه، وإيقاع هذا العصر السرعة.

بعد الحرب العالمية الثانية استغرقت التغييرات، التي لحقت ببنية النظام الدولي نحو عشر سنوات حتى تستوفي حقائقها وحساباتها وتوازناتها، غير أن معايير العصر الحالي، قد تختصر التفاعلات المتوقعة إلى عدد أقل من السنين.

ولكل عصر مرآته، والصحافة مرآة كل العصور الحديثة.

من المتوقع أن يشهد عالم ما بعد «كورونا»، صداماً بين نزعات متعارضة، الحرية والسلطوية، الشعبوية اليمينية، التي ترهن كل أزمة إلى اللاجئين والجاليات المهاجرة واليسارية الجديدة، التي تؤكد أولوية التعليم والصحة والدولة القوية.

كل نزعة تجد ما يزكيها في التجربة المريرة للجائحة.

يكفي مثالًا واحداً لتبين قدر الخيارات المتضاربة، كما التوظيف المتناقض للتقنيات الحديثة.

في الحرب على الوباء استخدمت تطبيقات على الهواتف المحمولة، لتعقب المصابين به وحصاره، كان ذلك شهادة بمدى قدرة التقنيات الحديثة على خدمة الصحة العامة وصيانة حياة البشر، غير أنها أشرت بالوقت نفسه لاحتمال زيادة منسوب السلطوية والتدخل في الحياة الخاصة للمواطنين.

كل فكرة ونقيضها سوف تطرح نفسها بالضرورة على الصحافة، لإقناع أكبر عدد ممكن من المواطنين بصواب خياراتها.

الصحافة، المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، ميدان المنازعات المتوقعة، غير أنها سوف تكون أحد عناوين التغيير وليست محض مرآة له.

لسنوات طويلة اكتسبت نظرية «الهرم المقلوب»، ما يشبه القداسة عند كتابة الخبر، إذ يبدأ بالأكثر أهمية ثم الأقل وهكذا.

مع التطور التقني نشأت فنون أخرى في التغطية المهنية مثل ما يطلق عليها «القصة الخبرية»، التي لا تلتزم بقاعدة «الهرم المقلوب».

بعد الجائحة، سوف تجد الصحافة نفسها مجدداً في قلب التساؤلات عن أزماتها ومستقبلها، وتبدأ صالات التحرير في مناقشة ما قد طرأ من متغيرات على المهنة واحتياجات القراء والمشاهدين، حتى تحافظ على قدرتها في الوصول إليهم.

إنها مهنة تتراكم فيها الخبرات، وتؤثر فيها التقنيات المستحدثة وحركة المواصلات والاتصالات واحتياجات المجتمعات المتغيرة بأكثر من أية مهنة أخرى.

ما الذي قد يطرأ على الصحافة بعد «كورونا»؟.. أو ما الذي يجذب القارئ أو المستمع أو المشاهد في عصر جديد وقلق بعد التجربة المريعة؟

عند كل منعطف جوهري، طرأت تغيرات على مهنة الصحافة بأوسع معانيها ومنصاتها.

عند بدء العصر التلفزيوني، تبدت قوة الصورة في جذب العيون والأفئدة، ولم يكن ممكناً للصحافة المطبوعة أن تنافس على الصورة، كان موضوع التطوير الإجباري في التغطيات الصحفية البحث فيما وراء الصورة، أو ما الذي يجري خلف الأبواب الموصدة.

كان السؤال الرئيسي في صالات التحرير، ما الجديد الذي يمكن أن ننفرد به؟.. أو كيف تكون الصفحة الأولى مختلفة عما شاهده القارئ في المساء من أخبار على شاشات التلفزيون؟.

هكذا تأكدت أهمية «الصحافة في العمق» أو «الاستقصائية»، والمواد التي تستحق القراءة على مهل.

وفي العصر الإلكتروني تعقدت المهمة أمام الصحافة المطبوعة، حتى بدا أن هناك من هو مستعد لنعيها، فالأخبار والآراء تتدفق بسرعة فائقة على المنصات الرقمية وشبكة التواصل الاجتماعي، غير أنها تفتقد غالباً الدقة اللازمة، التي تضمنها القواعد المهنية المتعارف عليها.

تتبدى هنا الأهمية القصوى للحرية والمهنية في إكساب الصحافة المطبوعة «قبلة الحياة».

بنظرة على ما يجري من تغطيات موسعة للجائحة، فإن الشاشات التلفزيونية تكاد تكون قد استولت على المشهد العالمي، بقدرتها على نقل الصورة الكاملة للمأساة الإنسانية لحظة بلحظة، كأنك ترقب بنفسك الشوارع المهجورة، ومشاهد الجثث أمام المستشفيات قبل نقلها إلى مثواها الأخير والمؤتمرات الصحفية المتتابعة لزعماء العالم، وقدرة كفاءة الدول والنظم في إدارة الأزمة الصحية.

دخلت المنصات الرقمية وشبكة التواصل الاجتماعي حلبة المنافسة من زاوية تتبع الأخبار لحظة بلحظة.

لم يكن ممكناً للصحافة المطبوعة مجاراة سرعة التغطيات في نقل الصور أو حيوية تبادل الآراء، لكنه بإمكانها إذا أرادت أن تحتفظ لنفسها بأدوار على خرائط المستقبل أن تنافس وتتفوق فيما لا تقدر عليه الشاشات التلفزيونية والمنصات الإلكترونية.

بمقدورها أن تلبي احتياجات العصور في العمق، فيما هو خلف الصور السريعة وومضات التواصل الاجتماعي.

تحدي البقاء، يتطلب النهوض لمستوى الأزمات المقيمة والمستجدة بالحوار المفتوح والحرية والمهنية، والاستجابة لمتطلبات العصور المتغيرة.

عن الخليج الإماراتية

اخر الأخبار