جائحة كورونا والانهيار التاريخي لأسعار النفط الأميركي

تابعنا على:   16:05 2020-05-04

حسن غروف

أمد/ مقدمة

واصل فيروس كورونا تفشيه حول العالم، مخلّفًا - حتى كتابة هذه الورقة - أكثر من 3 ملايين و600 ألف مصاب، وتتربع الولايات المتحدة الأميركية على الهرم بحوالي مليون و200 ألف إصابة.[1] وألقى ذلك بظلاله على جميع مناحي الحياة، وخاصة الاقتصادية، إذ انهارت العقود الآجلة للنفط الأميركي، في ظل زيادة المعروض، وتراجع الطلب، بسبب انخفاض استهلاك الوقود جرّاء الحجر الصحي ومنع السفر، إضافة إلى قيام العديد من الدول بتخزين كميات كبيرة من النفط خلال المرحلة الماضية. ووصلت الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ بدء عمليات البيع المستقبلية للنفط في العام 1983.

وتتالت الانخفاضات في أسعار النفط رغم اتفاق تحالف الدول المنتجة للنفط (أوبك بلس) بتاريخ 12/4/2020، على خفض الإنتاج، إلا أن هذا الأمر غير كافٍ لوقف الانحفاض في الأسعار، وسط تقديرات المحللين الاقتصاديين باستمرار الانخفاض.

تحاول الورقة فهم الأسباب الدقيقة لتراجع أسعار النفط، والتوقعات الاقتصادية المرافقة له، لا سيما في ظل انتشار كورونا، واستمرار حالة الطوارئ، التي من شأنها تقليل استهلاك النفط.
 

أسعار النفط ... تراجعات تاريخية

شهد يوم 20/4/2020 تراجعات وصفت بالتاريخية في أسعار النفط لدى الأسواق العالمية بشكل عام، والأسواق الأميركية بشكل خاص، إذ وصل سعر برميل النفط في القراءة الأولية لأقل من دولار، ووصل قيمة برميل النفط غرب تكساس الأميركي المزمع تسليمه في شهر أيار/مايو 2020 في وقت سابق إلى (–37) دولارًا [2]، وذلك بالرغم من اتفاق مجموعة الدول المنتجة للنفط "أوبك بلس"، الذي جاء حلًا لكبح تراجع أسعار النفط بين الدول المصدرة.

وأصدرت منظمة "أوبك"، بتاريخ 12/4/2020، بيان الاتفاق الذي تضمن خفض الإنتاج العالمي للنفط بنسبة 10 % [3]، أي 9.7 مليون برميل في اليوم ، بدءًا من 1/5/2020، ولمدة شهرين كمرحلة أولية، وذلك بعد انخفاض في الطلب العام الناجم عن تفشي فيروس كورونا، إلى جانب تسابق الأطراف المنتجة للنفط إلى رفع نسبة الإنتاج العام، وبالتالي هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية كبداية "لحرب أسعار" بين المنتجين الرئيسيين. وشمل الاتفاق كلًا من السعودية وروسيا كطرفَيْن مباشرَيْن للنزاع، بضغط أميركي، حيث جاء هذا الاتفاق كمخرج من المواجهة بين الطرفين، التي انعكست سلبًا النفط الأميركي، إذ سجل أسوأ ربع له على الإطلاق.[4]

انخفضت أسعار النفط حول العالم بمقدار الثلثين في الربع الأول من العام 2020، مسببة زلزالًا في قطاع الطاقة، بعدما خفضت روسيا والسعودية الأسعار وزادت الإنتاج، في صراع على حصصهما في السوق، لتعود الأسعار لارتفاع مطلع شهر نيسان/أبريل 2020، بعد توقّع الرئيس الأميركي دونالد بانتهاء الخلاف السعودي الروسي، إذ غرد على موقع تويتر بالقول "أتوقّع وآمل أن يتوصّل الطرفان إلى اتفاق على خفض الإمدادات بمقدار 10 ملايين برميل، وربما أكثر من ذلك بكثير".[5]

في المقابل، تباينت آراء كثير من المراقبين والمحللين حول نجاعة الاتفاق واستمراريته، في الوقت الذي أشادت به وسائل الإعلام السعودية بالاتفاق، ووصفته بأنه "يعكس تعاونًا بين المملكة وروسيا وأميركا، وأنه سيحوّل حرب الأسعار الناتجة عن إغراق الأسواق بالنفط إلى تعاون عالمي".[6]
 

المواقف من الأزمة

وصف الرئيس ترامب انهيار أسعار النفط بأنه قصير الأجل، وناجم عن "ضغوط مالية"، مضيفًا أن إدارته ستدرس وقف شحنات النفط القادمة من السعودية، وأن بلاده ستستغل انهيار الأسعار لشراء 75 مليون برميل لملء مخزونها الإستراتيجي من النفط، فيما أشار السيناتور الجمهوري جيم إنهوف إلى "أن تصرفات روسيا والسعودية تهدد الاقتصاد والأمن القومي الأميركيَّين"، بسبب مواصلتهما في إغراق السوق العالمي بالنفط للنيل من المنتجات النفطية الأميركية.[7]

أما السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، فتتجه إلى انكماش بنسبة 2.3%[8]، إذ أغلق سوق "تداول" السعودي (السوق الرئيسي لتداول الأسهم) تعاملاته يوم 21/4/2020 على انخفاض بنسبة 1.6%، وخسر سهم أرامكو (أكبر شركة نفطية في العالم) 2% من قيمته ليبقى تحت سعر طرحه الرئيسي، في ظل أنباء عن إغلاق بعض حقول الشركة بسبب عدم وجود مشترين بحسب ما جاء في صحيفة "وول ستريت جورنال".[9] وعمدت السعودية منذ بداية أزمة "حرب الأسعار " في الربع الأول من العام 2020 إلى رفع نسبة الإنتاج والتخزين، بالرغم من عدم جهوزيتها لتخزين كميات كبيرة، ما اضطرها إلى استئجار ناقلات نفط لتخزين النفط في مستودعاتها.

من جهته، وصف ديمتري ميدفيدف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، التدهور الحاد في أسعار النفط الأميركية بأنه صفقة ناتجة عن تفاهم احتكاري بين مجموعة من الأطراف، وشبه العقود الآجلة للنفط في منشور له على حسابه على موقع فيسبوك بـ"مؤامرة كارتل".[10] واقترح ميدفيدف  العمل بمبدأ بيع النفط القائم على الشراء بالحد الأدنى (Take or Pay)، من خلال التزام المشتري بشراء كمية معينة من المنتجات أو دفع غرامة في حال فشله في شراء الحد الأدنى المتفق عليه من المنتجات. وقد اعتمدت روسيا هذه المعادلة في عقود الغاز مع بعض الزبائن.[11]

يشكك محللون ماليون أن يكون قرار منظمة "أوبك" تقليص نسبة الإنتاج، بنحو 10 مليون برميل في اليوم، كافيًا لمواجهة تراجع الطلب الناتج عن الإغلاقات بسبب انتشار كورونا. وتوقع محللون انخفاض الأسعار بوتيرة أسرع وأكثر حدة، ومن غير المتوقع أن تنتهي الأزمة في الأشهر القليلة المقبلة على الأقل، إذ لا بد من خفض الإنتاج بنسبة أكبر، ويبدو أن المتاح خفضه هو 30 مليون برميل في اليوم لرفع معدلات الطلب على النفط الخام، وهو أكبر بكثير من اتفاق "أوبك"، غير أنه ليس كافيًا.[12]

من جهتها، توقعت وكالة الطاقة الدولية، بتاريخ 15/4/2020، تراجع الطلب على النفط الخام بمقدار 29 مليون برميل يوميًا خلال شهر نيسان/أبريل 2020، ما يعني تراجعًا بنسبة 29% من إجمالي الطلب قبل جائحة كورونا البالغ 100 مليون برميل يوميًا".[13]
 

قراءة في تداعيات الأزمة

يمكن قراءة التطورات الاقتصادية في سوق النفط الأميركي من جانبين، يتمثل الجانب الأول في الانخفاض غير المتوقع في أسعار النفط مقارنة بنفس الفترة الزمنية للعام الماضي، ويعود ذلك إلى الآثار الاقتصادية السلبية التي تسببت بها جائحة كورونا، من تعطيل للمرافق الاقتصادية والحكومية والاجتماعية، ما أضر بصفقات البيع الآجل للنفط، التي أوصلت قيمة برميل النفط المزمع تسليمه في شهر أيار/مايو 2020 إلى (–37) دولارًا. وبالتالي، خسارة المنتجين لهذه لصفقات، واستعدادهم للتخلص من المخزون الحالي، حتى لو اضطروا إلى دفع مبالغ مالية للمستوردين في بعض الصفقات، في محاولة منهم لضبط أسعار الأسواق، والحدّ من الخسائر.

ويتمثل الجانب الآخر في استغلال المضاربين والمستثمرين "لحرب الأسعار" التي فرضتها السعودية وروسيا، إلى جانب الإنتاج الأميركي الضخم، ما عزز فرص المستثمرين في الحصول على النفط بأقل الأسعار، إلا أن الانهيار المفاجئ دفع المستثمرين للتخلص من عقود الشراء المستقبلية الخاصة بشهر أيار، إذ شكلت جلسة التداول، يوم 21/4/2020، الفرصة الأخيرة للتخلص من هذه العقود.

يشمل سوق النفط العالمي ثلاثة أنواع رئيسة، تعدّ مقياسًا لأداء الأسعار، وهي: خام برنت، والخام الأميركي، وخام سلة أوبك. وقد أغلق الخام الأميركي غرب تكساس تداول يوم 20/4/2020 عند  (–37) دولارًا لأول مرة في التاريخ. وترافق ذلك مع إقبال المستثمرين على البيع بوتيرة عالية للتخلص من مخزون النفط، بالتزامن مع اقتراب مساحات التخزين المتاحة من النفاد، إضافة إلى رفض مصافي البترول وشركات الإنتاج تصنيع المشتقات البترولية بسبب انخفاض الطلب عليها، ويأتي هذا الانهيار كنتيجة أولية لارتفاع نسبة العرض في الأسواق في ظل أزمة كورونا[14]، التي دفعت مليارات المواطنين إلى البقاء في منازلهم، وبالتالي خفض الاستخدام الفردي للمحروقات، مما دفع المستهلكين الكبار مثل اليابان والصين والهند إلى خفض الاستيراد. [15]

ويرى وليد عبد الحي، المتخصص في الدراسات المستقبلية، في مقال له نشر في موقع "البوصلة" بعنوان "الصدمة البترولية الكبرى والكورونا"، أن من أهم الأسباب التي عززت انخفاض أسعار النفط اتساع دائرة الدول المنتجة للنفط (حوالي 20 دولة)، ما جعل التنسيق أكثر صعوبة، إذ توجد 7 دول منتجة ومصدرة للبترول خارج "أوبك"، وهي تمتلك حوالي 21% من احتياطيات النفط، بالإضافة إلى تزايد الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة. ويضيف أن الأزمة مرهونة بعمر الكورونا وحجم انتشارها، فقد ضربت الجائحة المركز الاقتصادي (الولايات المتحدة)، ولا بد أن تضرب ارتداداتها دول المحيط، مشيرًا إلى أن الخروج من الأزمة مرهون بإمكانيات كل دولة والفترة الزمنية للتعافي.[16]
 

خاتمة

يشكّل فيروس كورونا عائقًا اقتصاديًا وسياسيًا للأسواق المالية العالمية، ما من شأنه تعطيل عجلة النمو الاقتصادي للكثير من الاقتصاديات، وخاصة تلك التي خضعت للإغلاق بحكم حالة الطوارئ، وحدّت من التنقل والسفر، وبالتالي ضعف النزعة الشرائية.

إن عودة الانتعاش لأسواق النفط العالمية، وتحديدًا الأميركية، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتراجع تفشي فيروس كورونا، والأشهر القادمة كفيلة باستمرار الانهيارات في سوق النفط ما لم ينحسر الفيروس، وقد تنال من قطاعات اقتصادية أخرى.

من المتوقع أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على أطراف أزمة "حرب الأسعار"، لتخفيض نسبة إنتاج النفط لما يقارب 40%، عبر التوصل إلى اتفاق جديد لخفض الإنتاج برعاية منظمة "أوبك"، الذي قد يصطدم مع المصالح السعودية والروسية. وفي حال لم تُتخذ التدابير الاقتصادية اللازمة فسيشهد العالم تراجعًا حادًا في النمو الاقتصادي العالمي، إذ من المرجح أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام 2020 حوالي 2.8%، وفقًا لبحوث "بنك أميركا"، التي أفصحت عنها في نهاية شباط/فبراير 2020، وسط مؤشرات بأن الاقتصاد العالمي يتجه نحو أسوأ عام له منذ الأزمة المالية العالمية.[17]
 

اخر الأخبار