الأزهر الشريف .. أدوار استراتيجية

تابعنا على:   11:52 2020-04-28

صالح عوض

أمد/ الحلقة الثانية: أدوار استراتيجية

لقد تمتع الأزهر بسمعة مميزة فهو دوما كان ضد الاحتلال والاستعمار الغربي وفي هذا الجانب يمكن اعتبار الأزهر صاحب موقف الريادة في التصدي للاستعمار الأمر الذي يمنحه أهمية سياسية بالإضافة الى أهميته العلمية والتربوية فلقد كان بالنسبة للمصريين على الخصوص منبر الريادة الوطنية على مر التاريخ .. كما انه كان دوما مشتركا في قضايا الأمة الإسلامية فكان بحق ضميرها، يشعر بآلامها ويعبر عن طموحاتها، ويدافع عن حقوقها.. وكان أعتي المتاريس التي تصدت لكل احتلال طمع في مصر، ومعقلا من أهم معاقل اللغة العربية، وقـُدِّر لهذا البنيان من اللحظة الأولى أن يكون دار علم وعبادة وسياسة معاً، وأن يضطلع بدور كبير فى إعادة تشكيل وعى المسلمين كلهم ، وأن يكون جامعة استثنائية فى كل المنطقة. وهو تجنب الوقوع في إطار التبعية للحاكم او المستعمر او المهادنة لهما في حين راينا بعض معاقل الدين الإسلامي في الأمة تنزلق الى حيث مخططات العدو والسكوت عن جرائمه كما حصل من موقف النجف الاشرف بقيادة السيستاني ورهط من العلماء الشيعة الذين تعاونوا مع العدو الخارجي ضد البلد ودولتهم حيث لم يصدر له موقف بخصوص الاحتلال الأمريكي ولم يفت بوجوب مقاومته والتصدي له والدفاع عن الوطن كما انخرط بقوة في حروب طائفية دمرت مدنا ورحلت ملايين العراقيين.. كما أن الأزهر الشريف حرص تماما ان لا يناط الأمر برجل هو شيخ الأزهر او الإمام الأكبر حيث لا يمنحه الأزهر ولا يمنح سواه مهنة جمع الأموال الزكاة والصدقات على حساب شخصي يثري منه رجال الدين ويتسلطون على عباد الله بأموالهم فيتهاونون في الإسلام وأركانه ويتشددون في جمع المال وهنا إشراقة أخرى للمؤسسة السنية الكبرى في مواجهة انتكاسه أصحاب مذاهب أخرى تجمع المال باسم شخصيات دينية فيدخل الفساد على الدين كما يحصل مع مراجع دينية كبيرة تدير أموالا ضخمة في عواصم غربية ، وظل شيوخ الأزهر العلماء الأفذاذ بتواضعهم وقلة ما في اليد وانهماكهم في العلم يشيرون دوما بوضوح الى سبيل العلم الديني المتحرر من دنس المصالح والمكتسبات. وتفتح الأزهر بعلمائه على المدارس الثقافية والفلسفية وتوسع بكليات علمية في شتى المجالات فكان بجدارة صرح الثقافة العربية والإسلامية الراسخ بتراثها الخصب العريق، وإشعاعها الوسطى الأصيل محليا وإقليميا ودولياً
صحيح مر ألف عام على إنشاء الأزهر، فى قلب القاهرة الوليدة، بمعنى انه رافق القاهرة في عمرها ولهذا فان هذه الألف عام ليست عمر المآذن والصحن والقباب فحسب، بل عمر مصر العربية الإسلامية بكل ما تمثله من ريادة في مختلف نواحي الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية، وهو من منح مصر دورها كمركز إشعاع يفيض بنوره الذي يصل إلى أركان الدنيا ، فقد امتزج تاريخ الأزهر امتزاجا عضويا بتاريخ الشعب المصري، صحيح انه لم يكن اول جامعة دينية في تاريخ الإسلام فلقد سبقته الزيتونة والقرويين ولكنه تميز عن الجميع بالاستمرارية والانخراط في حياة المجتمع والتغلغل في ثقافته ويومياته فكان بأوقافه يفتتح مراكزه في كل المدن والقرى وفي كل مناحي العالم التي يصلها بما يتيسر له من إمكانات ولم يستطع النظام السياسي الحاكم رغم بطشه ان يحرف مسيرة الأزهر او يقمع روحه كما حصل للزيتونة التي فرغها النظام العلماني على مدار نصف قرن من رسالتها او كما حصل لجامعة القرويين من تباطؤ عن مواكبة العصر او محدودية في الفعل والانتشار..،
وتمتع الأزهر بروح وحدوية متسامحة مع أصحاب المذاهب الإسلامية وقرر في مناهجه تدريس المذاهب جميعا وارتقى الى جعلها جميعا دروبا للتعبد و فتح الباب لكل مجتهد فكانت اجتهادات شيوخه الكبار في مستوى التحديات المعاصرة ولقد تميز الإمام محمود شلتوت بفتواى متقدمة على صعيد المرأة والبنوك والقروض والمال بشكل عام.
أما فلسطين فكان للأزهر دوما موقفا متقدما فلقد قام منذ نكبة فلسطين بإعداد المجاهدين ومعسكرات التدريب للمتطوعين والدفع بهم الى ساحات الجهاد دفاعا عن فلسطين وواصل وقوفه المستمر في عقد المؤتمرات والندوات والمواقف المستمرة دفاعا عن فلسطين وتصديا للكيان الصهيوني والعدوان الأمريكي على العراق.
أخذ الأزهر الشريف على عاتقه، مسئولية نشر مبادئ الإسلام وسماحته ووسطيته واعتداله والدفاع عنها والتصدي لافتراءات المستشرقين والأفكار الوافدة والاختراقات السلوكية في مختلف دول العالم شماله وجنوبه وشرقه وغربه، من خلال بعثاته التعليمية التي عنيت تماما بنشر اللغة العربية ورسالة الإسلام رحمة للعالمين ومن خلال الجولات التى يقوم بها مشايخه مع وفود علمائه لكي يعرف العالم أن الإسلام هو دين المحبة والتعاون والتآخي والتعايش السلمي بين أبناء البشر وهو دين الرحمة والمودة والبعد عن الغلو والتطرف والتعصب الأعمى الذي ترفضه جميع الأديان السماوية، ويعطى الأزهر اهتماما خاصا لأبناء هذه الدول الذين يستضيفهم فى أروقته لتلقى العلم والاستفادة بندواته الثقافية والدينية، بعيدا عن التعصب او الربط الطائفي فهو لا يصنع ولاءات إنما ينشر علم وفضيلة وتوعية لاكما تعمل بعض المؤسسات الدينية التي تحول أتباعها إلى عبيد يؤدون خدمات الولاء حتى لو كان الأمر على حساب الإسلام.
أجل إن إفريقيا تقع في قلب اهتمام الأزهر الشريف بكامل هيئاته ومؤسساته اهتماما بالغا، وكان التصدي للاستعماريين وجيوشهم من المستشرقين والحملات التبشيرية واجبا راي الازهر انه لابد من القيام به حفظا لحريات الافارقة وكرامتهم ولقد توافد أبناء الشمال الإفريقي إلى أروقة الجامع الأزهر لتلقى العلوم الشرعية والعربية، وتم إنشاء رواق المغاربة للطلاب الوافدين من "برقة، طرابلس، تونس، الجزائر، مراكش، موريتانيا"، ومع انتعاش الحركة العلمية للجامع الأزهر في عهد المماليك، احتلت دول القارة الأفريقية مكانًا بارزًا فى أروقة الجامع الأزهر، فتم إنشاء رواقي السنارية والدارفورية لطلبة السودان، ورواق "دكارنة صليح" لطلاب إقليم بحيرة تشاد، ورواق الفلاتة لطلاب إفريقيا الوسطى، فضلاً عن رواق البرنية لطلاب برنو بإقليم غرب إفريقيا، بالإضافة إلى أروقة البربر والجبرتية.. ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل تمتد الأروقة لتشمل أبناء اندونيسيا وماليزيا والهند وباكستان وشتى الدول الآسيوية.. وبهذا استطاع الازهر ان يمثل وحدة رؤية وثقافة في بلاد المسلمين من أهل السنة والجماعة يدافع عن الإسلام ضد التطرف والغلو والطائفية والشعوبية فكان بحق معقل الإسلام والعروبة خلال الف سنة.
ويكفي ان نعلم ان الأزهر الشريف في الوقت الحالي، يضم بين جنبات معاهده وكلياته أكثر من 30 ألف طالب وافد من 110 دولة حول العالم، من بينهم نحو خمسة آلاف طالب وطالبة من 46 دولة أفريقية، يدرسون في مختلف المراحل التعليمية، يتكفل الأزهر بمصاريف دراستهم وإقامتهم، كما يحرص الأزهر على تنظيم العديد من الدورات التدريبية والتثقيفية والترفيهية للطلاب الوافدين، فضلا عن الندوات التوعوية والدينية؛
نجح الأزهر الشريف في تقديم الدعم والمساندة لمسلمي العالم، خاصة في القارة الأفريقية لما لها من علاقات وجذور تاريخية بمصر، حيث بدأ في التواصل مع الشعوب والدول الأفريقية عبر إيفاد مبعوثيه إلى تلك الدول، وإرسال القوافل الدعوية للتواصل مع شعوب القارة، قَّدم الأزهر عبر تاريخه الطويل الممتد لأكثر من ألف عام كل سبل الدعم لشعوب القارة السمراء للتعريف بصحيح الدين الإسلامي الوسطى، ونشر اللغة العربية وإحلال السلام والتسامح والتعايش، ويحمل الأزهر خبرات مئات السنين التي لا تتوفر لغيره من المؤسسات، مما يجعله الأكثر قدرة على تقديم التأهيل العلمي والدعوي في أفريقيا.. ولقد كان للأزهر قيمة كبيرة في توثيق أواصر الشعوب والدول في إفريقيا واسيا وأوربا بالإسلام والعرب.

اخر الأخبار