د. عبد العزيز الرنتيسي: من مِبضع الجرَّاح إلى الشهيد الثائر

تابعنا على:   12:35 2020-04-23

د.أحمد يوسف

أمد/ لم يكن د. عبد العزير (أبو محمد) مجرد طبيب متميز في مهنته ومبدع في مجال تخصصه، ولكنه كان ابن حركة حماس، والذي التحق بالحركة الإسلامية بعد تخرجه من كلية الطب بجامعة الإسكندرية.

كانت بداية معرفتي به في عام 1975، حيث جاء بصحبة أحد الإخوة د. داود المزين لزياتنا في القاهرة بمدينة نصر (حي رابعة العدوية).. سهرنا الليل معاً، وتحدثنا طويلاً ثم غادرنا في اليوم التالي عائداً إلى الإسكندرية. لم يكن د. عبد العزيز حينذاك منتظماً في صفوف حركة الإخوان المسلمين، إلا أنه كان من المتعاطفين مع التيار الإسلامي.

بعد تخرجنا وعودتنا إلى قطاع غزة في صيف 1979، التقيته مرة أخرى عام 1981 بمخيم البريج في منزل د. إبراهيم المقادمة، أحد رجالات حركة الإخوان المسلمين، والذي كان له كبير الأثر – كما علمت - على توجهات د. عبد العزيز الفكرية والتزامه الإسلامي، وصعوده داخل الإطارات القيادية للحركة.

وفيما رواه لي د. عبد العزيز الشقاقي أن د. الرنتيسي جاء إلى بيته بمخيم الشابورة بمدينة رفح برفقة صديقه د. توفيق الكاشف مطلع الثمانينيات.. وبعد أن قام د. الكاشف بالتعريف بالرنتيسي كشاب ملتزم ومتحمس للعمل الإسلامي وأنه جاء برغبة من يقول: ابسطْ يَدَكْ لنُبايعكْ.. بالحقِّ ما عِشْنا.. مَعَكْ"؛ أي طلب المبايعة على السمع والطاعة كأحد أدبيات الإسلاميين للالتحاق بحركتهم. كان د. الشقاقي -آنذاك– قد غادر التنظيم وآثر العمل كمستقل، إلا أنه ومع إصرار د. الرنتيسي على قضية إعطاء البيعة، قام د. الشقاقي بإرشاده للذهاب للشيخ أحمد ياسين (رحمه الله، وإبلاغه أنه جاء من طرفه، وأن يحدثه بما تنازعه نفسه من  رغبته في الالتحاق بالتنظيم، والعمل من داخل إطارات الحركة الإسلامية. وقد تمَّ له ذلك، حيث آخاه الشيخ أحمد ياسين مع من يتولى استكمال الإجراءات المطلوبة للالتحاق بالتنظيم.   

لا شكَّ أن للشيخ أحمد نمر حمدان (رحمه الله)؛ أحد أهم أعمدة الدعاة الإسلاميين في حي الأمل بمدينة خانيونس، دوراً مشهوداً في تحريك وعي د. عبد العزيز وعاطفته تجاه القضية الفلسطينية، والدور المنوط به لحمل لواء الدفاع عنها بالتصدي لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، وتبني نهج الكفاح المسلح كآلية نضال للخلاص من المحتل واستعادة الأرض السليبة.

رغم أن د. عبد العزيز الرنتيسي (رحمه الله) كان طبيب أطفال، إلا أن عقلية المجاهد قد سكنت وجدانه، فلم يُهادن الاحتلال ولم يرضخ أو يستكين، وظلت كلماته القوية تصدع متحدية الاحتلال وتغذي نهج الجهاد وخط المقاومة.

قال الرنتيسي عن بداية مشواره مع الحركة الإسلامية إنه تأثر أثناء دراسته بمصر كثيراً بالشيخين محمود عيد وأحمد المحلاوي، حيث كانا يخطبان في مسجدي السلام باستانلي والقائد إبراهيم بمحطة الرمل في الإسكندرية. وأضاف: "كانت الخطب سياسية حماسية؛ فمحمود عيد كان يدعم القضية الفلسطينية، وكان يواجه السادات بعنف في ذلك الوقت؛ وهو ما ترك أثراً في نفسي، فلما عدت من دراسة الماجستير بدأت أتحسس طريقي في الحركة الإسلامية مقتدياً بأسلوبه ونهجه".

كانت الفترة التي تصدَّر بها د. عبد العزيز قيادة حركة حماس أو كان أحد رجالاتها الأقوياء، هي من أشد سنوات المهانة و"الكرب العظيم" على الاحتلال، حيث تزايدات العمليات الاستشهادية في التسعينيات وبشكلٍ لافت للنظر، حيث أوجعت المحتلين وأرعبت المستوطنيين، واستفزت بجسارتها  "غيظ قلوبهم".

كنت بعيداً عن الوطن في تلك السنوات التي أظهرت براعة هذا القائد في الحفاظ على ترابط وتماسك اللُّحمة الوطنية، وكسب صداقات الإخوة والرفاق في حركتي فتح والجبهة الشعبية، والعمل معهم لتنسيق المواقف والسياسات التي تحمي "الكل الفلسطيني" من مخاطر الاحتراب وعقابيل "بأسهم بينهم شديد".

لقد سمعت الكثير من الشهادات الطيبة بحق الرجل ومواقفه، ولعلي هنا أشير إلى ما ذكره الرفيق جميل المجدلاوي؛ عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، بالقول: في أول لقاء لي مع د. عبد العزيز الرنتيسي ووفد للجبهة للتهنئة بالعودة من مرج الزهور، إذ به يطرح علينا سبل ووسائل تعزيز علاقاتنا الثنائية على طريق تعزيز العلاقات الفلسطينية بشكل عام.

لقد كان الرجل في خطابه وحدوياً، ونال عن جدارة ثقة الكثيرين في الحركة الوطنية، ومن هنا جاءت تلك الألقاب التي ظللت مسيرته النضالية، وأخذت طريقها إلى وسائل الإعلام، مثل: الأسد الهصور. أسد فلسطين · صقر حماس · الطبيب الثائر · صانع الفدائيين · عياش غزة · القنبلة التي لا تهدأ · رهين المعتقلات.

 حقيقة، ترك د. عبد العزيز خلفه سيرة عطرة، ونال ثقة الجميع في وطنيته وإخلاصه وتفانيه لجمع الشمل، والحفاظ على بوصة النضال باتجاه القدس كي لا تزل قدم بعد ثبوتها.

إن الشهيد الرنتيسي (رحمه الله) جمع بين الشخصية العسكرية والسياسية والدينية، وقد تمتع بالهيبة والمكانة، وحظى باحترام ومحبة أغلب شرائح الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي، كما وصف - من قبل من عايشوه - بصاحب شخصية قوية وعنيدة وجرأته وتحديه لقادة الكيان ولجلاديه في سجون الاحتلال.

سيبقى الشهيد عبد العزيز الرنتيسي أحد أبطال ملاحم النضال الفلسطيني، وستظل الألسنة تلهج بذكره وتروي مآثره لأجيال قادمة.. رحم الله أبا محمد الذي حمل روحه على كفه وبلغ بها المرتبة التي عمل لأجلها وتمناها، "ويتخذ منكم شهداء".

   

اخر الأخبار