ما بعد كورونا : مؤشرات التغيير على حياة الانسان المعاصر

تابعنا على:   17:34 2020-04-22

محمد مشارقة

أمد/ ملخص تنفيذي:

في المدى المنظور، يصعب التكهن بحجم الاضرار والفرص التي سيخلفها انتشار فيروس كورونا في المجالات المختلفة، الا ان تاريخ الاوبئة وطرق المعالجات، يمكن ان توفر بنية تحليلية ومقاربات تساعد في تحليل ما يمكن أن يحمله المستقبل. وفي هذا السياق فان التدقيق في الأنماط التي اتخذتها الاوبئة السابقة وما خلقته من تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية قد يكون مفيدا في استقراء مرحلة ما بعد الجائحة الوبائية.
شهدت البشرية انتشار العديد من الاوبئة الكارثية. وأكثرها شهرة هو ما عرف بالموت الأسود (الطاعون) في منتصف القرن الرابع عشر والذي يعتقد بأنه قضى تقريبا على ثلث سكان القارة الاوروبية. ويمكن ايضا اعتبار ما عرف بالإنفلونزا الاسبانية بين عامي 1918-1920 من أكثر الاوبئة فتكا في التاريخ البشري حيث تقدر الوفيات ما بين 50-100 مليون انسان، وهي احداث فرضت على المجتمعات اعادة التفكير في اليات ادارة المجتمع ومسؤولية الدولة ودورها، ويعود لتلك الحقبة وآلامها ومأساويتها التغييرات التي جرت على الثقافة والسلوك والعلوم وطبيعة الحياة البشرية. فيروس كورونا لن يكون حالة استثنائية، يمكن قراءة اثاره ضمن السياقات التاريخية واستشراف اجابات من الصعب الوصول اليها في اللحظة الراهنة، حتى يتبين ماهية هذا الفيروس وإيجاد العلاج المضاد، وكذا قدرة البنية الصحية العالمية على الحد من انتشاره. ما نقوم به هو استشراف لما نعتقد انه بات من ثوابت المتغيرات التي اصبحت واقعا في غالبية المجتمعات التي اجتاحها الوباء.

الاوبئة تفرض التغيير وتسرِّعه:

ترك طاعون القرن الرابع عشر آثارا شملت كل مناحي الحياة دون استثناء، وفرض على الجميع طرقا جديدة في التعامل لتلافي المخاطر الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن نقص حاد في الايدي العاملة في الارض التي يملكها الاقطاعيون، مما قلل من قيمتها بشكل كبير. تمكن العاملون الذين نجوا من الوباء من فرض مطالبهم بأجور أعلى، أو هجرة العمل في الارض والانتقال الى المدن للبحث عن فرص أفضل. وبرغم المراسيم التي اصدرتها السلطات الكنسية للحد من حركة العمال والعبيد والاقنان، الا انها فشلت في وقف اتجاهات التغيير. فقد اختفى الاقطاع وبلا عودة، وانتهى مفهوم الاقنان (العمل بالسخرة) او العمل مقابل الغذاء في اوروبا الغربية، وارتفع متوسط دخل الفرد من الدخل العام وكذلك في مستوى التغذية. وتغيرت كذلك طبيعة الاعمال التي اثرت على التوزيع الحضري الذي رافق هجرة الايدي العاملة من القرى والمناطق الزراعية الى المدن والمناطق الحضرية تبعا لعروض العمل التي فرضتها الثورة الصناعية الاولى ونشوء الاسواق الجديدة التي تشكلت بفعل حركة راس المال وحاجاته الانتاجية. حتى انها غيرت من القوانين الخاصة بالإرث، حيث سمح للإناث لأول مرة بتقاسم التركات الى جانب الذكور. لم تكن الانفلونزا الاسبانية مختلفة في تأثيراتها الجذرية، فقد دفعت المجتمعات الى تبني وتطوير مفاهيم اجتماعية واقتصادية مختلفة عما قبلها، وفرضت تغييرات جوهرية على شروط العمل والحد الادنى للأجور وظروف الرعاية الصحية وغيرها من المفاهيم والممارسات المتعلقة بدولة الرفاه وحماية الفئات الضعيفة. لم تختلف الاحداث الكبرى المشابهة مثل الحرب العالمية الاولى والثانية وما بينهما الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي وما حملته من تغييرات.

طبيعة وعادات العمل:

من الممكن مقارنة اثار كورونا مع التقدير بتغير عادات وطبيعة العمل والوظائف ارتباطا بالثورة الرقمية والتقنية، وهو ما عاصرنا مقدماته في السنوات القليلة الماضية. فقد نشهد تسارعا في تحوله الى نمط اعتيادي، فبعد إجراءات العزل الطويلة تحولت العديد من القطاعات للعمل من المنزل اوعن بعد، وبالتالي تضاؤل الحاجة الى المكاتب والمباني المكلفة، وتوفير النفقات التشغيلية، مما يرفع معدلات الربح ويحسن اجور العاملين، إذا ما اخذنا بالاعتبار توفير نفقات المواصلات الخاصة والعامة، و توفير اوقات التنقل خاصة في المدن الكبرى. واستتباعا لهذه الاثار التي سيتركها على طبيعة الاعمال فيجب التدقيق مليا بانعكاس ذلك على استهلاك النفط في كافة القطاعات. ومن القطاعات التي ستتأثر عميقا بعد تجربة العزل والتباعد الاجتماعي هي صناعة الخدمات بأنواعها، من أهمها المرتبطة بالضيافة من المطاعم والفنادق والسياحة والسفر، فعدد اقل من رجال الاعمال الذين سيكتشفون ان العديد من اجتماعاتهم ليست ضرورية للسفر من اجل انجاز صفقة او توقيع العقود وانما يمكن القيام بها عبر التقنية المتطورة من المكتب او البيت، وهناك متوالية لا تنتهي من الخدمات المرافقة لهذا التغيير في السلوك ستتأثر، بدءا من الفنادق الفخمة ودرجة رجال الاعمال في الطائرات والمطاعم ودور التسلية، ونشير هنا الى تقديرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي “اياتا ” ان خسائر قطاع الطيران العالمي قد تتراوح بين 63 مليار و113 مليار دولار خلال العام الحالي ، ولنا ان تخيل حجم الإعلانات اليومية عن افلاس شركات طيران كبرى وبيع أصولها واخرها شركة طيران جنوب افريقيا التي تأسست قبل 83 عاما وعرض كل ممتلكاتها للبيع بعد ان رفضت الحكومة تقديم المساعدة ودفع رواتب 4700 موظف. وبتقديرات اولية سيخسر القطاع السياحي في اوروبا ما قيمته مليار يورو بشكل يومي بسبب الفيروس.

مع تحول العديد من المهن للعمل من المنزل مثل المحاسبة وهندسة العمارة والرسم الهندسي وغالبية قطاعات البرمجة ومحللي المعلومات والبيانات والصحفيين والكتاب والباحثين والاستشاريين. فان مهنا جديدة سينتعش سوقها مثل خدمات التوصيل الى البيوت من المطاعم والمحلات التجارية، وخدمات الاجهزة المكتبية. سنجد ان العديد من المطاعم او سلاسل المطاعم العالمية المعروفة ستضطر لاغلاق العديد من فروعها والتحول الى التركيز على عمل المطابخ والتوصيل للبيوت، ما يعني الاستغناء عن ملايين العاملين في هذا القطاع الحيوي. يمكننا ان نتخيل ان مهنة المطاعم التقليدية التي كانت تعبيرا عن الهويات الثقافية القومية ستتحول الى صناعة الية تدخل فيها متوالية الطبخ بأنواعه وتخصصاته وملحقاته من التغليف والتعبئة والتوصيل ساخنا الى المستهلك، يرافق ذلك انتعاش سوق المروجين والمسوقين الالكترونيين وصناع البرمجيات، الذين عليهم نقل صورة المطابخ والطباخين الى الزبائن لتطمينهم عن الجودة والنوعية والنظافة. وفي السياق أيضا، ان فترة العزلة الطويلة وفوبيا النظافة والتطهير التي فرضها انتشار الوباء وسيفرض معها أنماط سلوك لن تنتهي بنهاية الجائحة، فملايين الناس اكتشفوا قدراتهم على اعداد طعامهم في البيوت، وتنامي الوعي بالطعام والغذاء المناسب والصحي والاقل كلفة.

وارتباطا بتطور العمل من البيوت والاستغناء عن المكاتب، يمكن ادراج قطاع السيارات بانواعها ، التي بدأ بعضها في اعلان افلاسه المبكر ، فاذا كان استخدام السيارة سيكون مقصورا على تلبية حاجات البيت وفي بعض الحالات نقل الاولاد من والى المدرسة فان نموذج خدمة شركة ” اوبر ” العالمية وعشرات من النسخ المحلية غيرها ، ستصبح حلا مناسبا لغالبية هذا النوع من العاملين توفيرا لمتوالية القلق والنفقات الخاصة بالتصليح والتامين واقساط البنوك ، وربما سيشهد العالم نهاية صنعة تاريخية وهي اصلاح السيارات، مع دخول السيارة الكهربائية للخدمة الميسرة للجميع بعد العام الفين وثلاثين ، فان أزمة فيروس كورونا سرعت في تضاؤل خدمة تصليح السيارات تمهيدا لاختفائها ، لصالح خبراء الشرائح الالكترونية واستبدال القطع التالفة والذي ستقوم به الشركات المصنعة . فقد اوردت التقارير الخاصة بصناعة السيارات وتسويقها على سبيل المثال لا الحصر بان مبيعات السيارات الخاصة في الصين قد هبطت بنسبة 43% وفي اوروبا هبطت بنسبة 51% في الشهر الثالث، ويتوقع ان يستمر الانخفاض اذا بقيت ظروف انتشار الفيروس على ما هي في الاشهر القادمة. الخسارات هنا لا يمكن احتسابها ولكنها تقدر بعشرات ان لم يكن بمئات المليارات من الدولارات. ولا شك بان صناعة تامين السيارات ايضا سيتاثر بشكل ملحوظ ايضا.

مستقبل التعليم :

سينطبق التغيير القادم على التعليم بكل انواعه مع ما يتوقع من التعديل على الانماط السلوكية التي فرضتها ظروف النظام الرأسمالي ومتطلبات الاسرة التي تستدعي إيداع الاولاد في الحضانات والمدارس لساعات طويلة، وما يستتبع ذلك من الحاضنات لرعاية الأطفال والمدرس الخصوصي او المدارس الداخلية. لا نبالغ في القول ان فترة الحجز الطويل في البيوت ساعدت في اكتشاف الإباء لأبنائهم ونفسياتهم وهوياتهم ورغباتهم، وهو ما كان يتم من خلال التلخيص اليومي او الأسبوعي من الام او الخادمة او مدير المدرسة الداخلية او الرسالة النصية على الهاتف. نضيف هنا، اكتشاف العائلات لقدرتها على التفهم والتكيف واقتسام الحيز وتعميق الصلات النفسية والعاطفية والتفاعل مع احتياجات أبنائهم التعليمية اليومية والمساهمة في مدخلاتها ومخرجاتها، مما قد يطور شكلا جديدا من اشكال الاهتمام الاجتماعي والتضامن الاسري ويساهم في ضبط سلوكيات الأبناء. عاش ملايين الناس في فترة العزل والتباعد الاجتماعي تجربة عميقة في التعليم عن بعد، من خلال المنصات التعليمية الالكترونية لكل المراحل والتي ستشهد ثورة كبيرة تجعل من مهمات التعليم الالكتروني لازمة حيوية في تطوير التعليم ونقله الى مرحلة جديدة. هل ستؤدي هذه التجربة العميقة الى تقليل ساعات الدوام في المدارس والجامعات ، لصالح التعلم في البيت، وارتباطا بذلك تطوير نظام المكتبة الالكترونية والمحاضرات عن بعد والصفوف الافتراضية باستخدام تقنية الابعاد الثلاثية ، وسلسلة كبيرة من وسائل التعليم التي سيدخل فيها ابداع الفيديو والفيلم والموسيقى .هنا سيقع على علم النفس والاجتماع والسلوك الدور الأساس في تقنين هذا التحول ، حينما تصبح المسؤولية ذات ابعاد ثلاثية متمثلة بالعائلة والطالب والمدرسة وبصورة اكثر تشاركية وتعاونا من اقتصار العبء على عاتق المدرسة او الجامعة او حضانة الأطفال.

وابعد من ذلك يمكننا تصور ان التأثيرات القادمة، التي تؤسس وترسم قانونيا لما يعرف بالمدارس والجامعات الالكترونية وتحديدا في الدراسات الانسانية، التي لا تحتاج لمختبرات ومعامل وتجارب عملية. وبالتالي تغيير مناهج واساليب التدريس وطريقة التقييم المرتبطة بمدخلات التعليم ومخرجاته. ولا شك بان ذلك سيعزز الاختراعات والحلول التكنولوجية المساندة وسيؤسس لازدهار قطاع الاعمال المرتبط به. ينطبق ذلك على الحلول الرقمية الخاصة بصناعة ادارة المؤتمرات العلمية وورش العمل، وكل الوسائل والتقنيات المساعدة، والتي اكتشفت نواقصها وثغراتها اثناء الازمة، فالعديد من المدارس والجامعات تأخرت في إيجاد البرامج الملائمة للصفوف الافتراضية، وفي العالم الثالث والدول الفقيرة، رغم الحديث المسهب عن التعليم الإلكتروني الا ان مشكلات جمة واجهت الطلبة والإدارات ليس اقلها سرعة الانترنيت وتوفره في القرى وحواري الفقر والهوامش.

البيئة والسلوك الاجتماعي:

من النتائج الحاسمة التي اختبرتها البشرية مع ازمة انتشار فيروس كورونا، هو الادراك المؤسس على العلم ان احد اسباب تَخَلُّق هذا الوباء الخطير بعيدا عن نظريات المؤامرة، كان الخلل الفادح في التعامل مع الطبيعة، وفشل كل مؤتمرات المناخ وتحذيرات الخبراء في اقناع الولايات المتحدة والصين على تسديد التزاماتها لما عرف باتفاقية كيوتو ” للحد من الانبعاثات الكربونية من الصناعات المختلفة والاضرار الكبير بالغلاف الأرضي.
اليوم ومع خوض مليارات البشر تجربة التوقف عن الحركة والتباعد الاجتماعي والبقاء في المنزل، لاحظ الخبراء انخفاضا حادا في مستويات التلوث البيئي والذي وجدت تعبيراته في عودة العديد من الحيوانات البحرية الى الظهور في البحار والمحيطات وكذلك الطيور النادرة. وليس بعيدا ان يستمر هذا الحرص والوعي بخطورة الجريمة التي ارتكبها الانسان بحق البيئة، وتحول هذا الحرص الى مطالب سياسية أساسية لا يمكن القفز عنها. ومع تطور فكرة العمل عن بعد او من المنازل وتخفيف حركة المواصلات، فان هبوطا ملموسا سيجري على استهلاك الوقود والطاقة. وفي السياق أيضا هو التقديرات بان انخفاضا مستمرا سيصيب اسعار النفط والغاز وربما لسنوات طويلة قادمة. ونتيجة لتزايد الوعي البيئي فانه سيكون رغبة واستعدادا أكبر لدى الناس للاستماع والتجاوب مع المنظمات البيئية وتطوير نضالها. سيحتم ذلك على المجتمعات الصناعية في العالم ان تتحول الى الاعتماد الأكبر على الطاقة المتجددة، وتعزيز صناعة وسائل المواصلات الكهربائية.. سيكتشف الكثير من الناس انهم قادرون على التخلي عن عادات اجتماعية كثيرة وإعادة جدولة الضرورات والأولويات في المجتمع المعاصر.

يقترح الخبراء بان يتم الاستثمار الايجابي في ازمة الكورونا ليتم التحول السريع الى صناعات أكثر صداقة للبيئة بعد السيطرة على الوباء، بحيث تكون المساعدة المالية للشركات تشترط تغييرا في نماذج الأعمال لتصبح ملائمة للبيئة، من خلال فرض قواعد ومواصفات وقوانين تفضي الى تعزيز الاستثمار في المصادر الخضراء للطاقة والمواد الخام، والتسريع في اعتماد نهج انتاجي “أخضر” وعضوي وتقليل استخدام الكيماويات في الزراعة.

القطاع الصحي والصناعات الطبية:

المسالة الحاسمة في نتائج وتداعيات كارثة وباء الكورونا هو انكشاف الدول الغنية قبل غيرها على فضيحة القطاع الصحي، فالدول التي استثمرت تريليونات الدولارات في صناعة الفضاء والسلاح وقفت عاجزة عن حماية مواطنيها وتامين اسرة المستشفيات والاختبارات لهم . في دول غنية مثل الولايات المتحدة تبين ان عشرات الملايين من المواطنين لا تامين صحي لهم، وتقدر الارقام بأن ثلث الامريكيين تقريبا لا يمتلكون تأمينا صحيا (44 مليون) او تأمينا ضعيفا لا يغطي الكثير من الامراض (38 مليون). اكثر من ثلاثة ملايين مواطن تقدموا للحصول على الاعانة الحكومية في اقل من أسبوعين من شهر اذار مارس الماضي، وثمة ملايين فقدوا مصادر رزقهم ومدخراتهم مع تصاعد نسبة البطالة خلال استمرار الوباء في الانتشار وتوقف شامل للأعمال. في التقدير انه لا يمكن لأي إدارة سياسية في العالم الغربي ان تترك القطاع الصحي بيد المستثمرين الذين يستهدفون الربح. لقد اتضح مثلا بأن المخزون الوطني الاستراتيجي الأميركي، وهو احتياطي البلاد من الإمدادات الطبية الحيوية، لا يملك سوى واحد في المائة من الأقنعة وأجهزة التنفس وربما عشرة في المائة من أجهزة التنفس الصناعي اللازمة للتعامل مع الوباء. ويتعين ان تأتي البقية استيرادا من الصين. كما تبلغ حصة الصين من سوق المضادات الحيوية في الولايات المتحدة أكثر من 95 في المائة، ولا يمكن تصنيع معظم المكونات محلياً. ما واجهته الولايات المتحدة واجهته دول اخرى ايضا. ستتراكم الضغوط لدفع الدول، وخصوصا التي تتبنى فلسفة السوق الحر، ان تتبنى منهجا اقتصاديا جديدا يدفع بالدولة لأخذ زمام المبادرة في هذا المجال تحسبا للوقوع في مثل هذا النوع من القصور او الفشل في اوضاع مشابهة. وإذا كانت اسبانيا تحت ضغط الموت المتصاعد بسبب الوباء، اضطرت الى تأميم القطاع الصحي والاستيلاء على المستشفيات والعيادات الخاصة، فان تغييرا جذريا سيقع على نظام الرعاية الصحية في الدول الغربية، ولن يعود تأميم قطاع الصحة مطلب اليساريين والانسانيين فقط، وانما بات اليوم خطا أحمر لا يمكن لأي سياسي تجاوزه. لن يكون مقبولا بعد اليوم في الدول الغربية على الأقل ان يكون القطاع الصحي/الطبي عاجزا عن التعامل مع الازمات الوبائية الكبيرة لأي سبب كان، وستتوجه الضغوطات الشعبية لكي يصير القطاع الصحي على راس اولويات الموازنة الحكومية. عندما كشفت الدول الاوروبية الكبرى ان أكثر من سبعين بالمئة من مدخلات صناعاتها الصحية ومستلزمات المستشفيات مستوردة من الصين، فان التوجه كما عبر عنه السياسيون في فرنسا وألمانيا قد يذهب نحو تامين الكفاية الذاتية أولا وتقليل الاعتماد على الخارج، وتامين مخزونها الاستراتيجي الدائم لمواجهة الازمات والكوارث المستقبلية تماما مثل النفط والصواريخ. لقد أظهرت الازمة الوبائية دورا للجيوش في تامين فرض حظر التجوال، وبناء المستشفيات بسرعة كبيرة، وقدرة فائقة في التعامل مع حالة الطوارئ. ذلك يؤشر الى مستقبل دور القوات المسلحة وتوسيع اختصاصاتها بما في ذلك التعاطي مع موضوع الصحة باعتباره امنا قوميا، يحتاج الى تمويلات للتصنيع والتجهيز والاعداد، فقد فاخرت الصين وبريطانيا بقدرة جيوشها على بناء المستشفيات الميدانية في سرعة قياسية.

خلاصة :

بصرف النظر عن المدة التي سيأخذها العالم حتى يداوي اثار الكارثة الوبائية المستجدة، فان الإجراءات التي فرضتها الدول ، فرضت ودون رجعة تغيرا في العديد من قطاعات الحياة المعاصرة ونمط العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . وإذا ما استطالت الازمة، ما جاوز العام او يزيد فإن تقديرات الخبراء تؤشر الى تغييرات راديكالية اسرع مما توقعت البشرية ، على طبيعة الدولة ومنظومة العلاقات الدولية ،وتغييرا في كل مستويات المؤسسات الدولية التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية ، وإعادة تعريف للاقتصاد ومركزية الانسان في كل التحولات والسياسات.

*مركز التقدم

اخر الأخبار