مشيدا بقرار اعلان الطوارئ..

د.القدوة يكشف جوانب قصور الاستعداد الفلسطيني لمواجهة كورونا ويقول: غزة لها الله

تابعنا على:   13:10 2020-04-22

أمد/ رام الله: كتب رئيس مجلس ادارة مؤسسة الشهيد ياسر عرفات ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، دراسة مطولة عن أزمة كورنا منذ بدايتها في فلسطين متطرقا للجوانب الاجتماعية والاقتصادية ولا سيما مع قرب شهر رمضان.

وأشار في مقدمتها الى ظروف التعامل مع الوباء وكيف كان له اثر على اتخاذ عدة قرارات منها تأجيل عقد لقاء مجلس أمناء بمؤسسة ياسر عرفا في القاهرة، بعد التشاور السريع رغم اهمي الحدث والمناسبة.

واستعرض القدوة في روقته كيف بدأ الحديث عن انتشار الفايروس في فلسطين من بيت لحم بشكل مفاجئ يوم الخميس الموافق 5 آذار/مارس، وتحديداً نتيجة انتقال العدوى من سواح يونانيين أقاموا في فندق الإنجيل في بيت جالا، واستهتار الجانب الإسرائيلي بالطرف الفلسطيني بعد أن أغلق المنطقة ومنع الدخول والخروج.

وتطرق الى قيام الرئيس محمود عباس باتخاذ قرار بإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً، وقال انه " وبالرغم من عدم وضوح المعنى الدقيق لحالة الطوارئ إلا أن شعورا بالارتياح ساد في البلاد".  تعبير عن" أنّ هناك جدية في التعامل مع الوباء واستعدادا لاتخاذ الإجراءات اللازمة، خاصة تلك المتعلقة بالسلوك البشري والاجتماعي".

وتحدث عن إجراءات الحكومة بالإعلان عن "منع التجمعات، بما في ذلك المدارس والجامعات والنشاطات الأخرى، وهو أمر تم احترامه بشكل واسع مع بعض الاستثناءات، خاصة من قبل جهات سياسية".

د.القدوة اعتبر في دراسته، "بعض قرارات الحكومة بالرغم من الهمة التي أبدتها كانت غير منطقية، ومن الواضح مرتبطة برغبة جيراننا من الناحيتين، مثلاً تم الإعلان عن عدم مغادرة أحد عبر الجسر. كان واضحاً أن الجهة المعنية والتي قررت هي الأردن التي كانت تريد منع الدخول إلى أراضيها وهو أمر منطقي. الأردن عموماً اتخذ خطوات أكثر حزماً من دول أخرى، مثل إغلاق الحدود ومنع التجول في بعض الفترات، ويبدو أن الأمر مرتبط بعوامل حرجة، مثل وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، وكذلك من اللاجئين العراقيين، وكون الأردن مكان عبور كل الفلسطينيين ذهاباً وإيابا. ويبدو أن هذا الجزء تحديداً شكل خطر إضافي".

 "مثال آخر كان الإعلان عن ضرورة تسوية العمال لأوضاعهم خلال ثلاثة أيام. والمؤسف أن جيش الاحتلال الإسرائيلي كان قد أصدر صباح ذلك اليوم أمراً تفصيلياً متعلقاً بحركة العمال، ومكملاً لإعلانهم حول منع العمال من الذهاب والإياب وضرورة بقائهم في أماكن عملهم داخل إسرائيل بضمانة المشغل لمدة ثلاثة أشهر".

ورغم ما سبق يقول، "مع ذلك تعاملت الحكومة الفلسطينية بجدية مع الوباء وركزت بشكل كبير على مجال المسلك البشري أو الإنساني، أي الإجراءات المتعلقة بحركة البشر والحد منها، سواء كان ذلك بإعلان منطقة بيت لحم أو مناطق أخرى في وقت لاحق مناطق مغلقة أو تعليمات البقاء في المنازل، وإن ظهر أن التنقل بين المناطق يتم التعامل معه من قبل الأجهزة الأمنية بما في ذلك إقامة الحواجز على مداخل المدن، بشكل أكثر جدية من الحركة داخل المدن، على الأقل فيما يتعلق برام الله. أجادت الحكومة أيضاً في متابعة موضوع العمال ومتابعة موضوع القادمين من الخارج وضرورة عزلهم، وربما فحصهم أحياناً. تجاوب المواطنون مع الإجراءات وبدا أن هناك نجاحات يتم تحقيقها في حصر الوباء. كلمة خير في عناصر الأجهزة الأمنية وأدائها هو أمر موضوعي وضروري، لأنهم بالفعل قاموا بدور جيد، أحياناً حتى بدون أن يتوفر لهم أدوات الحماية الشخصية كما يجب".

ويرى القدوة أن، "المشكلة أنّ كل إجراءات الحد من الحركة من واقع تجارب الدول الأخرى. لا يعني بحد ذاته القضاء على الوباء وإنما يعني الحد من سرعة انتشاره. أي أن هذه الإجراءات الهامة تعطي الدولة مزيداً من الوقت لتجهيز نفسها وقد تمنح الوقت اللازم لحين حصول مفاجئات سعيدة مثل إيجاد علاجات جزئية أو التراجع الموسمي للفيروس. بشكل عام تستحق السلطة، بمبادرة رئيسها حول إعلان الطوارئ والتعامل الجاد مع الوضع أو إجراءات الحكومة في مجال التأثير على المسلك البشري، درجة عالية في سلم الأداء. في المجالات الأخرى الضرورية، لا نستطيع أن نقول نفس الكلام الايجابي وتحديداً مجالي الاستعداد الطبي والاستعداد الاقتصادي. طبياً يبدأ الأمر كما تشير التجارب الأخرى بضرورة توفير أدوات الحماية الأساسية كالكمامات والقفازات وملابس الحماية، خاصة لأفراد الفرق الطبية، وتوفير إمكانية الفحص الواسع، والمختبرات اللازمة وتوفير مراكز عزل مجهزة ومعقولة بالإضافة بطبيعة الحال لتوفير مراكز العلاج في مستشفيات جديدة أو قائمة بما في ذلك توفير أجهزة حساسة وهامة مثل أجهزة  التنفس الاصطناعي. هنا ظهرت مشكلة، وظهر واضحاً عجز النظام الصحي الفلسطيني، وتم إضاعة وقت ثمين للتحضير ، وهو تحضير لا يوفر أي نجومية إعلامية. وعندما بدأ اتخاذ بعض الخطوات للحصول على ما هو ضروري تم تحقيق نجاحات محدودة ، ولكن ربما كان الوقت قد فات، وكانت المنافسة قد احتدمت بين الدول للحصول على هذه المواد. الآن ونحن نقترب من منتصف نيسان/ ابريل، نأمل جميعاً أن تستمر رحمة الله وان تنجح إجراءات المسلك البشري في منع الكارثة ، مثل ما حصل مثلاً في ايطاليا واسبانيا. واضح أن ما لدينا أخف مما حدث عند غيرنا والأمل أن يستمر ذلك.

الجانب الاقتصادي أيضاً خاصة ذلك الجانب المتعلق بالتحضير بلا نجومية، بدا أيضاً أنه لم يعطى الاهتمام الكامل، مع معرفتنا بمحدودية إمكانياتنا. لكن لعل هذا الضعف مع عدالة القضية يفرض على كثير من الأطراف تقديم الدعم اللازم شريطة وجود برامج وخطط وإجراءات واضحة. المشكلة البارزة هنا هي توقف العمالة عن العمل وعدم توفر إيرادات  لهؤلاء ولعائلاتهم، وهو ما يهدد النسيج الاجتماعي ذاته. من الجيد أن نحاول إحضار العمال من إسرائيل، ولكن من الضروري توفير بعض الدعم لهم ليتمكنوا من الاستمرار في الحياة، هم والعمال الفلسطينيين الآخرين الذين توقفوا عن العمل. منع الفقر والمعاناة ليس مجرد خيار، وبصراحة لم نشهد ما يشير إلى دور حقيقي للسلطة في هذا المجال. الفلسطينيون لجأوا كالعادة إلى الاقتصاد المنزلي وفلحوا أية قطعة أرض متوفرة لهم وهو أمر عظيم يجب تشجيعه، ولكن للأسف غير كافٍ. وليس بديلا لجهود الحكومة في هذا المجال.

 المشكلة الثانية هي وضع الاقتصاد بشكل عام وتحديداً وضع الشركات الفلسطينية الصغيرة والمتوسطة، حيث بدا واضحاً أن وقف العمل يهدد هذه المؤسسات المنتجة في وجودها وإمكانية استمرارها. برزت هنا فكرة برامج ضمانات القروض، للحفاظ على هذه المؤسسات كضرورة وخطوة تتجاوز مثلاً صندوق دعم كما جرى. تجب الإشارة هنا إلى المبادرات المحلية التي قام بها شباب القرى والمخيمات وحتى بعض المدن، خاصة من حركة فتح. وهي مبادرات كان لها أهمية في مواجهة الجائحة، ولكن أهميتها الأكبر كانت إيقاظ روح المسؤولية الوطنية وواجبات الفرد والجماعة. إسرائيل لم تكن سعيدة بهذا وحاولت ضمن محددات الحركة أن تستهدف هذه المبادرات.

أما قطاع غزة فهو موضوع مختلف. سكان هذا القطاع "الملعون" وكأن أهله، قلب الوطنية الفلسطينية، يدفعون ثمنا دائما على هذه الوطنية: الفقر الواسع، وخطف حماس للقطاع وكل أعمالها، والحروب المتكررة التي شنتها إسرائيل، والآن كورونا المستجد. من سخريات القدر أن عزلة القطاع قد حمته جزئياً، بمعنى عدم قدوم أفراد من أماكن مصابة ساعد في تأجيل الوباء. لكن مجموعات متشددة قادمة من باكستان وغيرها غيرت ذلك، وبالمقابل لم تقم سلطة الأمر الواقع باتخاذ أية إجراءات، بل رفضت وقاومت ما حاولت السلطة القيام به، بالرغم من استجابتها في أوقات لاحقة بشكل محدود. حماس تحاول أيضاً كبديل عن المسلك العاقل والتفاهم مع السلطة أن تتوصل لصفقة مع إسرائيل تستخدم فيها الأسرى الإسرائيليين مقابل مساعدات إسرائيلية لمواجهة الوباء. لن يكون هذا سهلاً وقد تضطر، لا سمح الله، لاختيار مواجهة عسكرية جديدة، وإن كانت إسرائيل ستحاول تجنب هذا مع كل "السفالة" التي أظهرتها في المساومة على تقديم أية مساعدة لمقاومة الوباء مقابل أسراها وجثثهم لدى حماس.

المهم أن الوضع في قطاع غزة متروك في يد الله لأن السلطة أيضاً لم تقدم بشكل جدي ما يجب عليها تقديمه، بالرغم من بعض الخطوات المحدودة. إذا انتشر الفيروس ستكون كارثة حقيقية، وإذا لم يحدث ذلك سنكون بنعمة كبرى تثبت أن الله ساعد هذا الشعب.

يوم الخميس الموافق 3 نيسان/أبريل، ظهر الرئيس في كلمة متلفزة ومختصرة ليعلن عن قرار تمديد الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً إضافية. بعد الخطاب بنصف ساعة عقد رئيس الوزراء مؤتمراً صحفياً لمدة 45 دقيقة، ولم يكن واضحاً سبب المؤتمر، غير أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية كتبت لتقارن بين الكلمة المختصرة والأداء النشط والفعال لرئيس الوزراء. ولعلها محاولة للفتنة. قرار الرئيس بتمديد حالة الطوارئ كان متوقعاً، بالرغم من أن القانون الأساسي يمنع ذلك ويعطي الحق في التمديد للمجلس التشريعي الذي لم يعد قائماً. كان هناك تأييد واسع للقرار وإدراك لضرورته، لكن الغريب أنه لم يكن هناك أية نقاش حول الجانب القانوني وربما الحلول الأخرى الممكنة. تعودنا، على ما يبدو، على الحكم دون قانون ودون تشريع.

مع اقترابنا من منتصف شهر نيسان/ إبريل، احتدم النقاش حول ضرورة إعادة الحياة الاقتصادية ولو جزئياً، خصوصاً على ضوء ما يبدو أنه "تباطؤ" الفيروس. يوم الأحد الموافق 12 نيسان/ابريل اجتمعت لجنة وزرارية من تسعة وزراء لتبحث إمكانية عودة بعض القطاعات للعمل، وقيل أن اللجنة اتفقت على خطة تدريجية في هذا المجال. في نفس اليوم قال رئيس الوزراء أن الوقت قد يكون مبكراً لعودة الحياة الطبيعية، واختلط الحابل بالنابل. ظهرت أفكار أخرى، على سبيل المثال خفض احتياط البنوك اللازم قانونياً من عشرة بالمائة إلى ستة بالمائة، وكان هناك بعض الإشاعات عن ضغوط على رئيس سلطة النقد لإعادة الأرصدة الإستراتيجية للصندوق، وهو ما قاومه لحسن الحظ. 

نحن الآن نقترب من شهر رمضان. ماذا سيكون عليه الحال؟ الناس بحاجة إلى نقود في الشهر الفضيل أكثر من غيره خاصة أولئك الذين انقطعت مواردهم. وإذا كانت الموارد الحكومية غير كافية لمواجهة كل الأعباء، أظن أن هذا وقت تقاسم العبء والتضامن والأخوة بين أفراد الشعب ويعني هذا مثلاً استقطاع نسبة من رواتب الموظفين لصالح العمال ومن انقطعت مواردهم وربما لصالح الأهل في قطاع غزة أيضاً. أظن أن جانب مهم من الطقــوس الاجتماعية خلال الشهر الفضيل لن يتحقق. أي الجانب المتعلق باللقاءات الواسعة والإفطارات العامة والتجمع للتراويح..الخ. أما الصيام نفسه وما ينضوي عليه من مشقة إضافية في هذه الظروف وربما مخاطر صحية، فأعتقد أن الأمر يجب أن لا يخضع للنقاش ويجب أن يبقى بين كل إنسان و وضميره وربه.وكل عام وانتم بخير.

أخيراً أسرانا البواسل وتزايد معاناتهم في هذه الظروف والإهمال الإسرائيلي، الذي يبدو متعمداً، لاحتياجاتهم في مواجهة الكورونا. لا بد من دعمهم ولابد من الضغط على إسرائيل لإتباع نفس الإجراءات الدولية في التخفيف من أعدادهم. ربما لن يكون ممكناً تحقيق إفراجات واسعة ولكن أظنه ممكناً تحقيق درجة من الإفراج خاصة للنساء والأطفال وكبار السن وربما من قضوا معظم محكومياتهم.

 د. ناصر القدوة ( كورونا المستجد في بلادنا)  ورقة عمل مطولة

اخر الأخبار