مذكرات دايان الغائية

تابعنا على:   16:00 2020-04-05

عمر حلمي الغول

أمد/ من النادر ان تقرأ مذكرات لإنسان ما في موقع المسؤولية، أو غيرها، وتجده موضوعيا، وصادقا في سرد الوقائع على حقيقتها.

لكن هذا الإستنتاج، أو العامل ليس كل ما يصيب المذكرات من نواقص وعيوب، بل هناك مذكرات يميل أصحابها لإسقاط رغباتهم، وغاياتهم على ما يدعون. كما يوجد عامل آخر يعيب ويشوه تلك المذكرات، حين يقوم البعض بنفي وشطب، وعدم ذكر أشخاص لازموهم في تجربتهم، وصورهم منشورة في سياق العرض لسيرورة المذكرات، ومع ذلك يقومون بشطبهم، أو إغفال ذكرهم، إلآ إذا لم يكن مفر من ذلك، فيذكرونهم لماما، وكأنهم صفر على الهامش. بالإضافة لقيامهم بشطب محطات كبيرة من حياتهم، لإنها لا تنسجم مع الرغائبية الشخصية، وتتصادم مع صورة الذات في المخيلة الإفتراضية في المستقبل.  وقد يكون هناك نقاط ضعف عديدة في مدونات المذكرات الشخصية ليس هنا المجال لذكرها.

اوردت عددا من النواقص في كتابة المذكرات الشخصية إرتباطا بما سادونه الآن عن قراءتي لمذكرات موشي دايان، وزير حرب دولة الإستعمار الإسرائيلية، التي صدرت بعنوان داخلي "قصة حياتي" عن دار الخلود للتراث الطبعة الأولى عام 2011/ القاهرة، إعداد الحسيني الحسيني معدي، وجاءت المذكرات في 432 صفحة من القطع المتوسط. ومن بين اهم نواقص الطبعة الأخطاء الإملائية، والترجمة غير الدقيقة في بعض المفاصل، وهي موجودة اجمالا في كل الفصول. لكن النص ورسالته بالمحصلة واضحة ومفهومة. إضافة إلى ملاحظة للمعد الحسيني، الذي إدعى، انه المؤلف، وتناسى ان الكتاب من تأليف صاحب المذكرات، وهذة نقيصة بحق ذار النشر والمعد أو المترجم، وهي من النواقص، التي لا تغتفر، ولا يجوز تمريرها.

يبدأ موشي دايان مذكراته في المقدمة بذكر تاريخ ميلاده في 20 مايو 1915 في مستعمرة "دغانيا" لإبوين صهيونيين هاجرا لفلسطين من أوكرانيا، وتلقى تعليمه في مستعمرة "ناحلال"، ولهاتين المستعمرتين في الجليل الفلسطيني الأعلى دور في محاطات دايان المختلفة.

وحرص على ذكر تسميته بإسم "موشي"، الذي يعود لإول صهيوني قتل دفاعا عن فكرة الإستعمار الصهيوني لفلسطين، ويدعى موشى بارسكي. وهو ايضا مستعمر جاء من قريته في روسيا للإستيطان في فلسطين في نفس الكيبوتس، الذي ولد فيه دايان، وربط ذلك بشعار "ارض المعياد". وهذة من الثوابت في عرضه لسيرورة حياته، والتي تحمل إسقاطا رغائبيا على علاقته وعلاقة كل المستعمرين الصهاينة بالرواية الزائفة والمفبركة لتعميم وترسيخ الفكرة في وعي المضللين من اليهود. لا سيما وان لا صلة لهؤلاء ذات الأصول الخزارية بفلسطين.
طبعا لا مجال في هذة العجالة تغطية المحطات، التي توقف عندها دايان. لكن ساحاول تسليط الضوء على ابرز النقاط الواردة في مذكراته، ومنها أولا في مسيرته ضمن منظمة "الهاجاناة" إبراز قدراته الفردية، مع توليه مسؤولية تدريب المستعمرين الآخرين للإلتحاق بالعصابات الصهيونية؛ ثانيا رغم الدورالإستراتيجي الذي لعبته بريطانيا في تأمين المناخ والشروط السياسية والقانونية والإقتصادية للهجرة الصهيونية لفلسطين، وإقامة الكيان الصهيوني، ودورها في خلق وإنشاء الجيش الإسرائيلي من خلال مدهم بالسلاح، وتدريبهم والحاقهم بالجيش البريطاني قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها، ومشاركته هو شخصيا في القتال في الحرب، غير انه بين الفينة والأخرى يحاول ان يوحي، وكأن بريطانيا تعمل ضدهم، والجميع يذكر الرواية الإسرائيلية، التي يسردها الصهاينة عن "القتال" ضد الجيش البريطاني بذريعة، انه يحاول "تقويض" مشروعهم؛ ثالثا حتى في حرب السويس ومن خلال عرض دايان للمفاوضات مع الفرنسيين والبريطانيين عشية حرب السويس عام 1956 يشير بشكل مفرط بالكذب عن دورهم الأساسي في الحرب، ويظهر الدور البريطانيين والفرنسيين، كأنه دور ثانوي؛ رابعا كذلك الأمر في حرب حزيران 1967  يسعى لتجاهل الدور الأميركي المركزي في دعمهم، ويشير بشكل واضح إلى انهم يكادوا ان يتقاعصوا عن إمدادهم بالسلاح. مع انه يعترف في السياق بذلك، ولكن يأتي متأخرا؛ خامسا والأمر ذاته في حرب إكتوبر 1973 يتخذ ذات التوجه. مع ان العالم اجمع يعلم علم اليقين، انه لولا تدخل ادارة نيكسون، ودور هنري كيسنجر اليهودي الصهيوني لما أمكن لإسرائيل من تحقيق أي إنجاز عسكري؛ سادسا في كل الحروب السابقة 1948 و1956 و1967 يظهر دوره بشكل متميز، ورئيسي في كل المعارك، إلا انه في حرب 1973 يحاول ان يبرىء نفسه بهذا القدر او ذاك بإعتبار ان المسؤولية الأساسية تقع على عاتق رئيس الأركان فؤاد بن اليعازر.

رغم إعترافه بالتقصير؛ سابعا وبعد إحتلال الضفة وغزة يسلط الضوء على دوره المركزي، ولا يشير من قريب أو بعيد لمشروع إيغال آلون السياسي؛ ثامنا في كل المحطات التاريخية، كما ذكرت من البداية دائما يستحضر التوراة وأسفارها بغائية واضحة للتأكيد على العلاقة بين الرواية السياسية المزورة والعهد القديم والعلاقة مع ارض فلسطين التاريخية؛ تاسعا في كل مسيرته التاريخية يحاول الإشارة لدوره في إستثمار وإستغلال دور الفلسطينيين والعرب المتعاونين معهم لترسيخ المشروع الصهيوني ... إلخ

مذكرات موشي دايان نموذج لمذكرات القادة الصهاينة، والتفاوت بينهم نسبي. حيث تتسم كتابته لها بإقتطاع المراحل التاريخية، التي لا تستجيب لغائيته الإستعمارية والشخصية. ولكن من الضروري الإضطلاع عليها والإستفادة منها في قراءة العقل السياسي والعسكري الصهيوني.

كلمات دلالية

اخر الأخبار