كورونا ستغير العالم .. وستفعل ما لم تفعله الحروب

تابعنا على:   11:04 2020-04-05

عبدالحكيم عامر ذياب

أمد/ صدم وباء كورونا العالم، وكان بمثابة حرب ضروس ضربت البشرية التي اعتدنا أن يتبلور الصراع بين طرفين أو قطبين، لكن كورونا هذه المرة وحد البشرية ضد عدو لا يرحم، ولا تقف أمامه قوى عظمى، ولا أسلحة دمار شامل، ولم يكن أبطالها قاده عسكريين لكن الضحايا بالألاف، حرب اكتسحت القارات، وكبريات الدول ووحدتها مع أصغرها، حرب امتدت لتبتلع الكون بأكمله، لتحول المستشفيات، وغرف العناية المركزة إلى ساحة قتال عدو لا تراه الأعين، ولا تدركه البشرية.

حرب انحنت أمامها المجتمعات بكل قواها الاقتصادية والسياسية، بل كشفت عوراتها التي ما كنا سنكشفها يوماً ما، لتحول كل رؤساء العالم إلى ناطقين باسم وزارات الصحة، ليصرحوا بأرقام الضحايا، والمصابين، وجرعة أمل للمجتمعات عن الذين قاوموا الفايروس ونجوا منه بأعجوبة، ثم يكملون الحديث ليدعموا من تبقى من الخائفين بجرعات من الأمل والإنسانية، ليبرروا ضعف النظام الصحي الذي انكشفت عورته أمام هول الكارثة فيما كانوا منشغلين بالتسلح، وصناعة المتفجرات، وخطط الحروب التي حولها كورونا إلى وهم في أذهان البشر.

أزمة وحدت الإنسانية وتشارك فيها الخوف والقلق إلى حد بات أصعب من سفك الدماء، فأحدث تغيرات كونية، فالعالم بعدها لن يعود كما كان بسابق عهده عن قبلها، فانشغلت كل العقول البشربة، من مفكرين وعلماء وعاملين عن الإجابة عن سؤال ضج في عقول البشر في كل العالم، ماذا بعد هذا الاجتياح الذي هز كيان كون بأكمله؟.

وإذا ما عدنا للتاريخ ودققنا في العالم كيف تحول بعد الحرب العالمية الثانية، والتي أحدثت صدمة لا تقارن بصدمة كورونا، ليولد عالم جديد بعد الحرب، فقد تغير النظام السياسي في العالم وأصبحت نظماً ديمقراطية حين أصابت الحرب ضمائر مجتمعات لتصبح أكثر إنسانية في التعامل مع شعوبها، التي طحنها الحرب، وأطلقت حرية التعبير، وحرية الفكر، وحرية التجارة والاقتصاد، ودعمت المرأة ومؤسسات الدولة، وكل ما نراه من تغيير كان سببه حرب طاحنه لكنها ولدت ثقافة جديدة تحمل الموسيقى والمسرح، والثقافة، ومعنى الحياة الديموقراطية.
ولد العالم من جديد، وأسست تغيرات نراها اليوم قديمة، لكنها كانت أساس بناء الحضارات التي شهدها عصرنا، هذا الزمن خلف ضحايا بالأعداد كان أولهم السياسيون وكبارهم،

ومؤسسيهم الذين عاثوا بالأرض فساداً، والذين كانوا سبب في تأسيس قانون الظلم وسطوة السياسة التي فرضت على الشعوب، تلك السياسة التي سحقت الفقراء، والمساكين في أرجاء الأرض، وهذا ما يفعله وسيفعله بعد أن تبدأ البشرية تتعافى من جائحة كورونا، ربما ستهز هيبة السياسيين بفعل تطور الاقتصاد والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ولكن الحرب الصحية وعجزها عن مواجهتها وجهت لها الضربة الأكبر ولهذا ستكون تأثيراته المهمة على صعيد البنى السياسية وشكل النظام السياسي سواء النظم المحلية أو النظام الدولي.
حتما سيتراجع دور العسكر، والقوات المسلحة بعد جائحة كورونا، فلن يقتنع العالم من جديد بأنها تمثل الأمن والأمان لأن الوباء الذي حل سيحدث تغييراً لمفهوم الأمن القومي، إذ ظهر تهديد جديد للمجتمعات هو أقسى وأخطر من هجوم الجيوش، ويحتاج لمصدات دفاعية مختلفة لا تصلح فيها القوة ومصانع السلاح بل العلم ومختبراته.

سيعرف العالم بعد الوباء قيمة الصحة، والتعليم الذي تراجع الاهتمام بهما خلال عشرات السنوات الماضية، كما سيدعم الأبحاث والدراسات، وستزيد موازناتها، وسيشهد العالم تطورات على مستوياتهما، وسنشهد بناء المستشفيات، والجامعات، وستعطى التسهيلات اكثر لطلاب الطب والتمريض، وسيجري استثمار الكثير في المختبرات العلمية، كما سيسعى العالم من تخفيف من أسلحته الجرثومية وقد تشهد اتفاقيات جديدة للحد منها تترافق مع اتفاقيات تعاون صحي في كل المجالات وستصبح ربما منظمة الصحة العالمية أكبر المنظمات الدولية وأوسعها من حيث الصلاحيات.

كورونا ستوحد البشرية كون أن العدو أصبح واحدا، وسيتجاوز العالم صدمة الجائحة المفترسة، بسبب اغلاق المعابر والمطارات، بسبب الخوف، وانغلاق الدول على بعضها، لدرجة أن بعض الدول ذهبوا للقرصنة على مساعدات غيرها، الأمر الخطر الذي بدأت تتداركه أوروبا التي بدت للحظة كأنها تتخلى عن إيطاليا ثم عادت فرنسا وألمانيا تحتضناها بشكل أكثر إنسانية سيسرى هذا النموذج بشكل أو بآخر على تكتلات أخرى.

سنشهد مزيداً من التطور في بناء المصانع والمعاهد، ومراكز الدراسات الصحية والطبية، والاهتمام في البيئة كون أن ما حدث قد اعتبر من التغييرات المناخية والذي أحدث سبباً في الكثير من الكوارث الحالية واللاحقة التي يحذر منها علماء البيئة، مما يدعم إلى مراقبة العالم الصناعي، بكل تبعياته، وقد نشهد تحولات كبيرة على مستوى الأحزاب السياسية في الدول لكن سيرتفع رصيد الأحزاب التي تعنى بشأن البيئة كون أن دورها الان أصبح أكبر على حساب الأحزاب الأخرى.

أمريكا التي استثمرت كل قوتها ونفوذها في صناعة السلاح، وتزعمت العالم، ووضعت خطة انقاذ بمبلغ تريليوني دولار، الأمر الذي هذا سيحدث تأثيره على صعيد الفكر السياسي في أميركا نفسها.

ما ستفعله جائحة كورونا في العالم سيحدث تغيرا أكبر مما حدث في كل الحروب السابقة، وسيتمكن البشر من التغلب على الوباء وبعدها سيخلق العالم من جديد، والنظام السياسي العالمي سيكون له شكل اخر.

كلمات دلالية

اخر الأخبار