يوم الأرض في ذكراه الرابعة والأربعين ..؟!

تابعنا على:   00:00 2020-03-30

د. عبد الرحيم جاموس

أمد/ يحتل عنصر الأرض  مكانة مركزية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ نشأته، وتزداد مركزيته وأهميته كلما طال عمر الصراع ولذلك لم يكن يوم الثلاثين من آذار / مارس لسنة 1976م يوماً عادياً في تاريخ الشعب الفلسطيني، ونضاله الوطني وتمسكه بحقه بأرضه، وإنما كان يوماً مفصلياً، في مسار الصراع مع العدو في الأراضي المحتلة سنة 1948م، لما عبر فيه الشعب الفلسطيني من نهوض جماهيري، وقد جاء يوم الأرض ليتوج سلسلة  نضالات شاقة وطويلة وقديمة، قِدم الاحتلال نفسه، وليضيف في الوقت نفسه، إضافة نوعية إلى هذه النضالات، لاسيما في مجال توحيد القوى الشعبية الفلسطينية في مواجهة منظومة الإجراءات الفاشية، والعنصرية، التي تمارسها في حقه، سلطات الاحتلال الإسرائيلية، والهادفة بالدرجة الأولى إلى مصادرة أراضيه، ونزع ملكياته لها، وضمها إلى مستوطناته، أو معسكرات تدريبه، ومنع الشعب الفلسطيني من العيش عليها والانتفاع بها، تمهيداً لاقتلاعه منها، ومن ثم دفعه إلى ترك وطنه، سعياً منه إلى تحقيق دولة النقاء اليهودي.

 ذلك ما دفع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات العنصرية الهادفة إلى مصادرة أراضي السكان العرب، ووضع خطط لتوسيع الاستيطان اليهودي لهذه الأراضي، وشهدت سنة 1975م تصعيداً محموماً في موجة المصادرة وتسريع الاستيطان في الجليل والمثلث الفلسطيني، فأقدمت سلطات الاحتلال على مصادرة نحو ثلاثة آلاف دُنم من الأراضي التي تملكها قرية كفر قاسم، وإعلان المنطقة المعروفة بالمنطقة (رقم 9) في الجليل الغربي ومساحتها ثلاثة وعشرين ألف دُنم ((منطقة عسكرية))، لاستخدامها في التدريب العسكري وعدم السماح لفلاحيها العرب الفلسطينيين من زراعتها، واعتبرت هذه الخطوة مرحلة أولية لمصادرة الأراضي في هذه المنطقة، في هذا الجو المتوتر والمشحون والناجم عن الحديث المتواصل عن مشاريع مصادرة الأراضي والاستيطان اليهودي للجليل، وعن إغلاق المنطقة رقم (9)، تبنت الحكومة الإسرائيلية في نهاية شباط / فبراير 1976م ما أسمته خطة (تطوير الجليل) فخلق ذلك توتراً جديداً شديداً، شمل جميع قطاعات الشعب الفلسطيني وزاد في زخم نضاله الوطني والقومي ضد السياسات الإسرائيلية، وبناء على ذلك تنادت جميع القوى والهيئات، والمنظمات الشعبية إلى جعل يوم 30/آذار مارس/ 1976م يوماً تاريخياً مفصلياً وإضراب عام وشامل والعمل على حشد القوى كافة من أجل ذلك، والتأكيد (على أن العرب الفلسطينيين لن يتخلوا عما تبقى لهم من أرض، وسيتشبثون بها بكل قواهم .. ولن تخيفهم تهديدات السلطات الإسرائيلية، ولن تثني عزيمتهم الأضاليل التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية لتشويه نضالهم العادل ..) وصدر ذلك في بيان وقعته سبعة عشر هيئة شعبية فلسطينية، وحاولت السلطات الإسرائيلية ثني الهيئات الشعبية والمجالس المحلية العربية عن هذا القرار، ولكن جميع محاولاتها والقائمة على الترغيب والترهيب، قد باءت بالفشل، وأعلن القائد الوطني ورئيس مجلس بلدية الناصرة المرحوم / توفيق زياد / يوم 24/3 قرار الهيئات الشعبية الفلسطينية ((أن الشعب قرر الاضراب يوم الثلاثين من آذار 1976م))، وهكذا كانت المواجهة التاريخية المفصلية، فقد شهدت المواجهات الرئيسية الدامية مع قوات الشرطة، وحرس الحدود، وعلى أرض هذه القرى سقط شهداء يوم الأرض، والذين بلغ عددهم ستة شهداء، كما جرح تسعة وستون وجرى اعتقال أكثر من ثلاثمائة من المشاركين.

في اليوم الثلاثين من آذار 2020م، والذي يصادف الذكرى الرابعة والأربعين ليوم الأرض يأتي في ظل اوضاع صحية وبائية استثنائية ومترافقة مع تصعيد محموم لم يسبقه مثيل من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمصادرة الأراضي الفلسطينية، وتوسيع الاستيطان فيها، وخصوصاً في الاغوار ومدينة القدس الشريف بهدف اقتلاع الفلسطينيين منها على طريق تهويدها وجعلها عاصمة لكيانه المغتصب، وهدم الأقصى الشريف وبناء الهيكل المزعوم مكانه في أكبر عملية قرصنة وتزوير في التاريخ قديمة وجديدة، وإطلاق يد الاستيطان في أنحاء مختلفة في الضفة الغربية، ومواصلة بناء ((جدار سرقة الأرض الفلسطينية)) وخلق وقائع ديمغرافية وعمرانية، في الأراضي المحتلة عام 1967م، تحول دون تمكين الشعب الفلسطيني من إنهاء الاحتلال للأراضي المحتلة عام 1967م، وممارسته لحقه في تقرير المصير فيها، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وفق النظام الدولي القائم، وتدمير حلِّ الدولتين، وإغتيال كل فرص السلام، وبدعم من ادارة الولايات المتحدة.

لا تغتالوا يوم الأرض ومعانيه مهما كانت الظروف الصحية والسياسية .. إبقوا على رمزيته بمختلف الاساليب والوسائل وعلى ما يدل عليه من مركزية الأرض في الصراع مع المحتل، وما يعكسه من إرادة وتحدٍ للإحتلال وإجراءاته الفاشية والعنصرية .. إنه يوم الأرض، وكل يوم هو يوم الأرض، حتى يجلو الإحتلال.

اخر الأخبار