كورونا والمعتقلين.. فرصة سانحة

تابعنا على:   12:07 2020-03-18

د. خالد رمضان

أمد/ فجر تفشي فيروس كورونا مطالب حقوقية ووطنية بالأساس بضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين في سجون الكيان الصهيوني، حيث يواجه نحو 5 آلاف معتقل وأسير مخاطر الإصابة بالوباء القاتل، مما يحمل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة هؤلاء الأسرى، خاصة بعد الكشف عن إصابة موظفين إسرائيليين بمصلحة السجون: الأول طبيب نفسي، والثاني سجّان كان على تواصل مع المعتقلين بشكل شبه يومي.

من واجب كل وطني، بصرف النظر عن توجهه السياسي، الدفع باتجاه الإفراج عن هؤلاء الأسرى واعتبارها قضية الساعة الآن، لأنه يمكن تحقيق اختراق ما في هذه القضية، والاستفادة من حالة  الانقسام السياسي الحاد في إسرائيل، وانتهاز فرصة الزخم العالمي والتعبئة الدولية ضد انتشار الوباء الخبيث، خاصة وأنها قضية عادلة، وسجون الاحتلال باتت معرضة بشكل كبير لانتشار العدوى بسبب ظروف التكدس الهائل وعدم التهوية بشكل صحي وافتقاد النظافة العامة، الأمر الذي يزيد من فرص الإصابة بالأمراض التنفسية.

لكي ندرك أهمية المطالبة بالإفراج عن الأسرى في هذا التوقيت بالذات، يجب أن ندرك الظروف القاسية التي يعيشها المعتقلون في ظل عدم تقيّد سلطات الاحتلال بأحكام قضائية متكررة تطالب بتغيير تلك الظروف الموحشة، والتي تتنوع بين الاحتجاز في ظروف العزل والفصل، والاكتظاظ القاسي، والاستخدام المفرط وغير النسبي للتقييد، وإهمال العلاج الطبي، وظروف التدفئة والتبريد والتهوية والإضاءة، والنظافة والسلامة الصحية ومشاكل تفشي الحشرات والقوارض، وحق ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، وسوء الطعام المقدم للسجناء، والمنع من حيازة الأغراض الشخصية الأساسية.

فيما يتعلق بسياسة العزل، يفترض وفقاً للقوانين المطبقة في العديد من دول العالم، أن يكون هذا الإجراء استثنائياً، بحيث يقتصر على حالات خاصة فقط، مع تحديد سقف زمني محدد لفترة مكوث معتقلين وسجناء في حالة عزل وفصل، والمدة القصوى التي تجيزها القوانين والأنظمة هي سبعة أيام فقط، وخلال هذه الفترة يمكث السجين وحيدا دون أن يحظى بإمكانية الخروج لجولة يومية في الهواء الطلق، وهذا الأمر يمس بشكل قاس بحقوق السجين من ناحية الحريات والكرامة الشخصية، فالسجين في هذه الحالة تفرض عليه ظروف تمنعه من أي اتصال أو تواصل مع سجناء آخرين، مما يحمل تداعيات قاسية على وضعه النفسي وعلى احتمالات تأهيله واندماجه لاحقا في المجتمع بعد انتهاء فترة محكوميته.

لكن، الوضع يصبح أكثر تعقيدا حين يتعلق الأمر بقاصرين وهو ما يمارَس فعلا بسجن "أوفيك"، وهو السجن المركزي للقاصرين، حيث يكون الضرر المترتب على العزل في حالة القاصرين أكبر بشكل ملموس، وهناك بعض الشهادات التي نشرتها جهات حقوقية من سجناء قاصرين تدل على ظروف احتجاز شبيهة بالعزل.. أحد القاصرين قال إنه حكم عليه بالعزل مرات عديدة إحداها مثلا لأنه طرق نافذة السجن أو سكب ماء في داخل الزنزانة، وفي إحدى المرات وُضع في العزل لمدة ستة أيام ولم يُسمح له حتى بإدخال ملابس، بينما لم يكن هناك أية تهوية فيما أغلقت نافذة العزل، وقد وصف ذلك بأنه شعور رهيب بالاختناق.

وعن اكتظاظ سجون الاحتلال، فحدث ولا حرج، حيث أن متوسط المساحة التي يحظى بها السجين تتكون من ثلاثة أمتار مربعة فقط، وهو أمر يخالف معايير الدول المتقدمة التي تفترض ألا تقل المساحة المخصصة للمعتقل عن أربعة أمتار ونصف المتر المربع، وعلى سبيل المقارنة، فإن الحد الأدنى للمساحة المخصصة للسجين في الدول الغربية تتراوح بين 6-12 مترا مربعا، وهكذا فإن المساحة المخصصة للسجين تكون قرابة التسعة أمتار مربعة، ورغم صدور قرارات عن المحكمة الإسرائيلية العليا بضبط مسألة الاكتظاظ وتوسيع المساحة المتاحة للسجين، إلا أن حكومة الاحتلال طلبت مراراً إرجاء تنفيذ تلك القرارات، ولا شك أن هذا التلكؤ يشكل مساسا قاسيا وخطيرا بحقوق السجناء.

أما عن ضعف الرعاية الطبية، فهو حديث ذا شجون، وقد رصدت تقارير حقوقية موثقة شكاوى عن نقص حاد في عدد الأطباء والمعاملة السيئة التي يتلقاها السجناء في بعض العيادات أحياناً، وهناك حالات محدود جدا تحول للعيادات الخارجية المتخصصة، بالإضافة إلى التأخر في إجراء الفحوصات الأولية، وعلاوة على ذلك، فإن فترات الانتظار تفوق 3 أشهر في بعض حالات الحصول على نظارات طبية، رغم إقرار طبيب العيون بوجود مشاكل في النظر، كما أن هناك خللاً عاماً في الرعاية الطبية المقدمة لمن يعانون مشاكل نفسية.

من ناحية الغذاء، هناك شكاوى تتعلق بنوعية الطعام وكميته وتقديمه بارداً، خصوصا وجبات الفطور، وبعض السجناء شكوا من مشاكل وأوجاع في جهاز الهضم جراء ذلك، بالإضافة إلى عدم توفير ماء بارد في أشهر الصيف الحارة، من حيث توفير تجهيزات التدفئة والتبريد، فإن غالبية غرف السجن ليست مزودة بأي تكييف مما يجعل الحرّ لا يُطاق، وفي أفضل الأحوال هناك هوّايات ليس بمقدورها توفير حل حقيقي، وفي حالات كثيرة يترافق الأمر مع تجهيزات تهوية سيئة واكتظاظ كبير مما يضاعف معاناة السجناء.

فيما يتعلق بشروط النظافة والصيانة، تبدو الأوضاع مزرية، ويشمل هذا التلوّث والجدران المتقشّرة والبلاط المكسّر وشبكات الماء المعطوبة والتجهيزات الكهربائية التي تشمل أسلاكا ومقابس مكشوفة بما يشكل خطراً على السجناء، بالإضافة إلى وجود حشرات وجرذان وبق وصراصير، ما يعني بالضرورة أن أماكن الاحتجاز في السجون الإسرائلية لا تليق بالبشر أبداً.

كلمات دلالية

اخر الأخبار