تمهيدًا للقمة العربية بالجزائر

تابعنا على:   10:06 2020-03-13

نبيل فهمي

أمد/ تقرر، وللأسف، تأجيل اجتماع قمة الدول العربية، الذي كان ينتظر انعقاده في الربيع من هذا العام بالجزائر، الرئيس القادم للقمة العربية حسب الترتيب الأبجدى.

أيًا كانت أسباب التأجيل، كأحد تداعيات فيروس «الكورونا»، أو لاعتبارات سياسية مختلفة، مثل حساسية التعامل مع ملف عودة سوريا للقمة العربية، أو غير ذلك، فأعتقد أن العالم العربى في أشد الحاجة للاجتماع على مستوى القمة، وفى أسرع وقت، حيث تعددت التحديات والمخاطر على مصالحه، خاصة مع تنامى طموحات وتدخلات وتسلط الدول الشرق أوسطية غير العربية على حقوقه، فضلًا عن الخلافات بين العرب ذاتهم، مع تعرض العديد منهم لتحديات داخلية في نفس الوقت.

ولكى يستعيد العالم العربى جزءًا من ثقله الإقليمى ويتجنب الهاوية السياسية التي يترنح على حدودها، فعليه إعادة ترتيب أوضاعه العربية والشرق أوسطية وفى عجالة من خلال إيجاد معادلة ملائمة لاستعادة ولو جزء من العمل العربى المشترك، حتى إذا استغرقت استعادة الثقة كاملة بين الأشقاء العرب مزيدًا من الوقت وعددًا من الخطوات المتدرجة، فالموقف من الحساسية والخطورة لا يترك مجالًا للتردد، ويستدعى التعامل معه بجدية وصراحة ووضوح، لاستعادة المكانة السياسية العربية في الشرق الأوسط، ولمواجهة ومعالجة قضايا عديدة.. وأجمعها تحت عنوانين لأهميتهما:

أولًا: توغل تركيا وإيران في الساحة والقضايا العربية.. في ليبيا والمشرق واليمن وحوض البحر الأحمر وشمال إفريقيا.

ثانيًا: تعثر عملية السلام العربية الإسرائيلية ومحاولات تفتيت أسس حل النزاع العربى الإسرائيلى نظرًا للتعنت الإسرائيلى.. فضلًا عن التفكك الفلسطينى الفلسطينى.

.. والهدف الرئيسى للدول الشرق أوسطية غير العربية هو بسط نفوذهم على المنطقة، وتغيير هويتها من منطقة عربية وآخرين إلى منطقة شرق أوسطية فيها عدد من الدول العربية المتفرقة وغير الفاعلة، ومن ثم فلا أرى مجالًا للتصدى لتلك السياسات دون أن يواكب ذلك إعادة ترتيب للبيت العربى، والسبيل لذلك ليس في إطلاق الشعارات الرنانة عن الوحدة العربية وتطابق المواقف أو بالمزايدات حول الوطنية، وإنما بالنظرة الاستراتيجية الجامعة لنقاط الالتقاء العربى، والمصارحة حول نقاط الاختلاف والانقسام، والعمل الدبلوماسى الدؤوب لاستثمار التوافق، وإدارة هامش التباين المستمر كلما وُجد لحماية المصالح والحقوق. وببساطة، لن يتم كبح جماح التدخلات التركية أو الإيرانية في الساحة العربية دون إعادة الأوضاع بين سوريا والعالم العربى، وعلى القادة العرب بحث سبل تحقيق ذلك ومتطلباته، وفى المقابل لن تعود سوريا إلى الجامعة العربية دون أن تتخذ هي أيضًا خطوات تجاه العالم العربى، خاصة تجاه الأطراف التي كانت على خلاف معها في الخليج العربى، فضلًا عن أن هناك حاجة ملحة كذلك لإعادة هندسة الأوضاع العراقية العربية بشكل مختلف، لتشجيع الأطياف العراقية على ترتيب حساباتهم بشكل فيه توازن أكبر تجاه الساحة العربية على حساب نفوذ إيران.

والقضية الأخرى التي تستغل وتغرز الفرقة العربية رغم أنها أقلهم أهمية، هي الخلاف القطرى مع المملكة السعودية والإمارات المتحدة والبحرين ومصر، لانعكاسها السلبى على الموقف العربى في قضايا إقليمية عديدة، كان ذلك في الخليج أو ليبيا أو المشرق العربى أو شمال إفريقيا أو حتى على المسار الفلسطينى.

كل تلك القضايا والخلافات هي ضمن رواسب عدم احترام القانون الدولى، والتدخل في الشؤون الدولية للدول المجاورة، ومساعى الهيمنة الإقليمية، ويجب عدم السكوت عليها أو قبولها مستقبلًا، كما أن لهذه القضايا خصوصياتها الأخرى، فالوضع في ليبيا وانهيار الدولة غير الوضع في سوريا، والوضع في اليمن يختلف عنه في كليهما، وإن اشتملوا جميعا على الكثير مما نشهده من تجاوزات ومؤامرات وتدخلات. والخلاصة أنه يجب عدم السكوت على الوضع الإقليمى العربى الحالى، ولا يمكن إحراز أي تقدم في القضايا الإقليمية مع استمرار الوضع العربى على ما هو عليه، كما تقتضى الأمانة المصارحة والإقرار بأن الأمور العربية لن تُحل وحدها ودون تجاوب كل الأطراف العربية المعنية، ليخرج كل طرف على الأقل بحصيلة ما من التقارب العربى- العربى، حتى وإن لم يكن ذلك بدرجات متساوية، لأنه لا يمكن المساواة بين الحق والباطل، وإنما المخرج هو إبراز أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول خطر على كل الدول الوطنية العربية، باعتبارهم دولا متوسطة أو صغيرة، وأن الهيمنة الأجنبية على المنطقة هي في النهاية على حساب جميع العرب.

ورغم أننى لا أُحمّل الانشقاق الفلسطينى مسؤولية التعنت الإسرائيلى، فلا أرى مجالًا لاستعادة زمام الدعوة دوليًا إلى احترام حقوق المواطنة الفلسطينية وإقامة دولتهم بشكل مستقل ومتصل دون أن يتم توفيق الأوضاع الفلسطينية والعودة إلى إطار المواطنة الجامع للدولة الفلسطينية، حتى لا يُتخذ الانقسام ذريعة خاطئة للتعامل مع الفلسطينيين كدويلات وكانتونات، وتُستغل الفُرقة بينهم في صفقات شرق أوسطية على حساب الشعب تحت وطأة الاحتلال، ويجب أن يُبذل جهد عربى وفلسطينى خاص لحماية أسس عملية السلام العربية الإسرائيلية وممارسة الفلسطينيين لحقوقهم الوطنية غير القابلة للتصرف بأفكار فلسطينية جاذبة تستند إلى مبادرة السلام العربية لعام ٢٠٠٢، كما أن على الفلسطينيين، وبدعم عربى، الاستعداد للتعامل مع واقع يفرض عليهم، وهو حل الدولة الواحدة، على أن يتمسكوا بحقوق متساوية للمواطنين وتوسيع علاقاتهم بعرب إسرائيل.

ولكل هذه الاعتبارات، وإزاء الظروف السياسية القاسية والوجودية التي يواجهها العرب بما لا يحتمل إزاءها إهدار الوقت أو الفرص، فهناك حاجة ملحة لجهود دبلوماسية لتوفير قدر من الإنجاز والمصلحة وحفظ ماء الوجه للجميع.

وأقترح أن تشرع الجزائر- حتى قبل بدء ولايتها الرئاسية القادمة للقمة العربية- في عملية دبلوماسية هادئة ونشطة وغير معلنة مع جميع الأطراف العربية المعنية بالقضايا المختلفة، التي تشكل أولوية آنية وعاجلة، والتى تناولتها عاليًا لصياغة بيان شامل أو بيانات مستقلة عن تلك القضايا، بغرض تمهيد الأوضاع لمرحلة جديدة من العلاقات العربية العربية، تحقق أو تمهد لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وللتوفيق بين قطر والدول العربية الأربع، ولاتخاذ موقف عربى من التوغل التركى والإيرانى لتحقيق المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، وللتصدى لمحاولات تمييع وتكييف أسس عملية السلام العربية الإسرائيلية من قبل إسرائيل، وذلك بهدف أن يصدر البيان أو البيانات عن القمة كمحصلة عمل عاجل ومتضمنة خطة تحرك عملية بخطوات وإجراءات تنفيذية محددة.

والأوضاع الحالية تفرض علينا أن نكون طموحين وجريئين وواقعيين في نفس الوقت، إذا كنا نريد التراجع عن حافة الهاوية السياسية.. وصعوبة التوصل إلى اتفاق حول كل هذه العناصر ليست مبررة للانتهاء إلى صياغات عامة ورنانة غير جادة ولا تنفذ، أو سببًا لعدم بدء التعامل معها، بل يجب التحرك بكل جدية لإصدار ما يمكن إقراره من اتفاقات، أو على الأقل البدء باتخاذ إجراءات لبناء ثقة في المسارات التي لم تكتمل، وتحديد آليات تفاوضية صادقة لمحاولات متواصلة، فالمستقبل العربى لم يعد يتحمل الوجودية ومحاولات الغير لتغيير هوية الشرق الأوسط، لا التعامل الجاد والصادق أمام تحديات العصر.

اخر الأخبار