موت رئيس...!

تابعنا على:   09:35 2020-03-01

علاء الدين أبو زينة

أمد/ تباينت ردود الفعل على وفاة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. البعض أعلنوا “وفاة دكتاتور”، حكم بقبضة من حديد لثلاثة عقود. والبعض تحدثوا عن رحيل “بطل الحرب والسلام”. وآخرون تحدثوا إنسان، له عيوب وفضائل، مثل كل الآخرين. لكن الحدث كان خاصا بسبب السياق، وليس لمجرد رحيل زعيم.

عندما قتل الأميركيون صدام حسين، تباينت ردود الفعل أيضا. وكذلك عندما قُتل الزعيم الليبي معمر القذافي، والزعيم اليمني علي عبد الله صالح. كان المشترك بين هؤلاء أنهم ترأسوا “جمهوريات” بالاسم فقط. كلهم لم يلتزموا بالفترات الرئاسية المعتادة في الجمهوريات، وزوروا الانتخابات، وعدلوا الدساتير لتسمح لهم بالبقاء في السلطة إلى ما شاء الله. والمشترك الآخر هو أنهم لم يرحلوا في ظروف طبيعية.

المشترك الثالث، والمهم، هو أن الكثيرين من مواطنيهم لا يتحرجون الآن من المجاهرة بالتحسر على أيام هؤلاء الزعماء، حتى مع سوء الأحوال تحت حكمهم. والسبب واضح: البلدان بعد هؤلاء الزعماء لم تبقَ حتى كما هي، وإنما خربت تماماً. صحيح أنهم حكموا إقطاعيات من المحسوبيات واحتكار الامتيازات للنخبة، لكن الحياة اليومية في أيامهم سارت عادية نسبيا وقد تكيف الناس بمرور الوقت مع الأوضاع على سوئها. واليوم، لم يأتِ الأمن إلى بلدانهم ولا وظائف، ولا العدالة ولا الديمقراطية. وبالإضافة إلى تفاقم المتاعب الموروثة، أصبحت الأرواح نفسها على المحك وسط الحروب والكوارث، وذهبت أي بقايا يقين إزاء الحاضر والمستقبل.

في البلاد التي تأكلها الحروب أو الأزمات الطاحنة الآن بعد رحيل هؤلاء الزعماء، تعيد نفس النخب العسكرية والسياسية إنتاج نفسها في السلطة. وفي نهاية المطاف، ليست الفكرة من الانتفاضات والثورات ذهاب الزعيم كفرد. في البلدان الأخرى، إذا تغير الزعيم، بالموت أو انتهاء الولاية أو خسران انتخابات أو عزل، تتغير ملامح الحياة السياسية للبلد ونهجه الاقتصادي وطرائقه. لكن تغير هؤلاء الزعماء هنا أحدث فرقا سلبيا فحسب.

كتب الباحث والكاتب الإنجليزي، هـ. أ. هايلر، عما حدث في ربيع مصر: “ لم يكن سقوطه (مبارك) سقوطا للنظام. في هذا الصدد، كانت انتفاضة العام 2011 ناجحة كانتفاضة، وإنما ليس كثورة. كانت الثورة غير مكتملة، وبذلك تقوضت”.

ثم يشير إلى الموقف الغربي من مصر (وينسحب الموقف على بقية البلدان العربية، بطبيعة الحال): “لكن الحكم الاستبدادي والنهب العميق للدولة كانا موضع اهتمام ثانوي لشركاء مبارك الدوليين، لا سيما في الغرب. قليلون من خارج مصر أخذوا في اعتبارهم التداعيات متوسطة وبعيدة المدى لنظام بُني على قمع المظالم الاجتماعية والسياسية. ولم يدرك كثيرون من خارج البلد أن نظاما اقتصاديا يمنح الامتيازات لشريحة صغيرة من النخبة، مدعومة بالفساد، في حين أن الغالبية العظمى من المصريين يظلون فقراء، سوف يؤدي حتما إلى رد فعل من نوع أو آخر”.

ثم يضع هايلر يده على أهم مؤهل لبقاء زعيم في الوطن العربي: “الأهم من ذلك بالنسبة للعواصم الغربية كان استعداد مبارك للالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل وتمحور القاهرة بعيداً عن موسكو وإلى دائرة النفوذ الغربي”.

يشير تقدير هايلر، ضمنا، إلى حقيقة أن المواطنين العرب لا يخوضون نضالا ضد سلطة محلية فقط، يصارعون ضد القوى الهائلة التي تضع مواصفات هذه السلطة، وتديمها على هذا الأساس، ثم لا تسمح بنجاح أي نظام بديل. وليست هذه أخبارا جديدة، ومن السهل على الناس تعقب الصلات. لكنّ شراسة التحالفات التي تتكالب على الشعوب تجعل النهوض صعبا، والخيبة لدى الفشل كبيرة. ومع ذلك، لا بد أن يأتي رد الفعل دائما، ببساطة، لأن اليأس سوف يدفع إلى المغامرة عندما لا يكون لدى المرء ما يخسره، مرة تلو المرة.

ويختم هايلر بالإشارة إلى الجيل الذي لم يُقعده الاعتياد الذي شل الأجيال السابقة مع الزعماء القدامى: “بعد تسع سنوات (من الربيع العربي) لاحقا، بينما ينظر الشباب المصري وراءً في العقد الماضي، لن يكون مبارك بطلا لجيلهم. إن أبطال جيلهم هم أولئك الذين ثاروا ضده – والذين لم يتحقق حلمهم في بناء مصر جديدة ممكنة، بعد”.

عن الغد الأردنية

اخر الأخبار