القضية الفلسطينية لا نخذلها حتى لا يخذلنا التاريخ

تابعنا على:   08:58 2020-02-16

نادية صبرة

أمد/ بعد عامين من التلويح بالكشف عنها جاءت صفقة القرن أو خديعة القرن كما سماها البعض بنكهة إسرائيلية خالصة في كرنفال إحتفالي وفي توقيت وصف بالمشبوه في الثامن والعشرين من يناير الماضي حضره بالطبع رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) الذي كاد أن يفقد وعيه من شدة الكرم الأمريكي الذي أعطاه فوق ما كان يحلم به.. من سيطرة تامة لإسرائيل على معظم أراضي الضفة الغربية التي احتلتها عام 67 والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية وعلى الفلسطينين البحث عن عاصمة أخرى غامضة في دولة منزوعة السلاح في انحياز كامل لإسرائيل وتجاهل أعمى للحقوق الفلسطينية في الداخل والخارج والقضاء على حلم الدولتين وانهيار إتفاق أوسلو الذي لم يبقى منه أي شيء...

حقيقة أنا لم أصدم من لغة البزنس التي تحدث بها الرئيس الأمريكي فهو رجل برجماتي صانع صفقات ولا يعرف غيرها وقدم حل للقضية الفلسطينية وكأنه يعلن عن إحدى صفقاته العقارية وبدء كلامه قائلاً: كما يعلم الجميع قدمت الكثير لإسرائيل.. القدس والجولان وبصراحة الخروج من الإتفاقية البشعة مع إيران (في إشارة لإنسحاب أمريكا من الإتفاق النووي) وأضاف.. إن الإتفاق يشكل صفقة رائعة للفلسطينين وآخر فرصة ليبنوا دولتهم بعد 70 سنة...

بعدها غرد (ترامب) ولأول مرة باللغة العربية ومع هذه التغريدة أرفق خريطة للدولة الفلسطينية الجديدة ولا أعرف عن أي دولة يتحدث؟ فهي عبارة عن قطع غير مترابطة وتحدها إسرائيل من كل الجوانب ولا حدود لها مع الدول المجاورة وبالتالي لن يكون لها علاقات مع العالم الخارجي بالإضافة إلى وجود نفق يربط بين قطاع غزة والضفة...

عموماً أنا لا يعنيني كثيراً خطة ترامب للسلام أو صفقة القرن أو أياً كانت مسمياتها فما هي إلا خطة فاقدة التوازن تقف بها أمريكا وحيدة في مواجهة العالم فلا توجد دولة عربية أعلنت على الملأ قبولها الصفقة وكذلك الأمم المتحدة التي أكدت أن خطة السلام مخالفة لقواعد القانون الدولي والمعايير المتفق عليها في حل الدولتين...

ولكن ما يعنيني حقيقة هو الموقف الفلسطيني أصحاب القضية فعلى المستوى الشعبي رفض الفلسطينيون خطة السلام الأمريكية لأنها تقول لهم بوضوح أنه لا يوجد سلام وسنأخذ منكم كل شيء وتأخذون أنتم الأموال... وانتفضت الأراضي الفلسطينية المحتلة وشهدت احتجاجات واسعة قام بها شبان فلسطينين غير محسوبين لا على فصائل ولا على السلطة كل سلاحهم هو الحجارة في مواجهة جنود الإحتلال وسقط منهم شهداء... هؤلاء الشباب خرجوا يعبروا عن غضبهم على أرضهم ويدافعوا عن وطنهم مقطع الأوصال... شباب لديهم نسق وثقافة مقاومة المحتل بالأساليب المتاحة ذاتية التخطيط كما حدث في عملية القدس والدهس...

واستهداف جنود اسرائيلين فهم يريدون إلحاق الأذى بجنود الإحتلال بكل ما هو متاح من طعن بالسكاكين أو استخدام زجاجات حارقة هم جيل ما بعد أوسلو الذي لم يقنعهم فشل سير المفاوضات طيلة الـ 25 عاماً ويرون استمرار تعميق الإحتلال والاستيطان وأعمال البناء ونهب الموارد الفلسطينية وبناء الحواجز التي يتعرضون فيها يومياً لإهانات عديدة.

فقرروا انتزاع زمام المبادرة بأيديهم والكفاح والجهاد خارج المنظومة التقليدية وهو ما يؤكد التآكل في دور الفصائل والسلطة الفلسطينية الغير معنية بتطوير الانتفاضة مع استمرار الضغط الإسرائيلي عليها... إلا أن هذه المقاومة الشعبية ستبقى وتستمر فهي الأمل الوحيد.

أما على المستوى الرسمي ما زال الانقسام البغيض سيد الموقف على مدار ثلاثة عشر عاماً وبعد عشرة محاولات لردم الهوة ولم الشمل فكانت النتيجة صفقة القرن.. لا أحد يدرك أن الأرض تميد تحت قدميه وأن هناك محاولات جادة لتصفية القضية والإنقضاض على كل نضال الشعب الفلسطيني...

لا أحد يقرء ولا أحد يسمع فالكل يبحث عن مصالحة الضيقة وعن سلطة واهية ولن يجدوا إلا السراب...

"فحماس" ما زالت تتمسك بالسلطة على حساب مكتسبات الشعب الفلسطيني البطل... حماس التي تقبل بالوساطات والمصالحة ثم تتنصل منها في أول استحقاق لها وشوهت صورة القضية أمام المجتمع الدولي وألحقت بها ضرراً كبيراً...

وعلى الجانب الآخر كان خطاب السلطة وموقفها هزيلاً لا يرقى للأحداث الجسام ولا لأحلام وطموحات الشعب الذي تحمل ما لا يتحمله شعب آخر ليبني دولته بالرغم من أن السلطة الفلسطينية حظيت بدعم جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الافريقي الذي انضم حديثاً إلى قائمة المنظمات الرافضة لخطة ترامب.

إلا أن الرئيس محمود عباس لم يستطيع أن يقدم الصوت الفلسطيني عالياً قوياً حين ألقى كلمته أمام مجلس الأمن في الحادي عشر من فبراير الجاري.

أبو مازن للأسف الشديد تحدث عن أشياء كثيرة تجاوزتها الأحداث مثل دعوته الرباعية الدولية ومجلس الأمن لعقد مؤتمر دولي للسلام.. وكأن العالم لم يسأم بعد من مؤتمرات السلام... حتى أن السفير الاسرائيلي لدى الأمم المتحدة (داني دانون) وصف أبو مازن بأنه غارق في الماضي ونصحه بالتركيز على المستقبل..

الرئيس عباس تحدث بلغة ضعيفة وأعلن أنه مستعد لبدء المفاوضات تحت رعاية دولية إذا كان هناك شريك اسرايلي حقيقي فكان رد اسرائيل عليه هو المطالبة بتنحيه لأنه عقب أمام تحقيق السلام!

هذا في الوقت الذي يقوم فيه "جاريد كوشنر" عراب صفقة القرن بامتياز والرجل الثاني في البيت الأبيض كما وصفته بذلك مجلة تايمز الأمريكية بجولات مكوكية للتسويق لخطة السلام الأمريكية واستطاع إحداث انقسام داخل دول الاتحاد الأوربي حال دون اصدار بيان مشترك لرفض خطة ترامب كما تحدث مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن في اجتماع مغلق بالمقر البعثة الأمريكية بالأمم المتحدة لمدة ساعتين.

كوشنر والرئيس ترامب وصديقهم نتنياهو يعولون على حالة الصمت العربي وعلى الانقسام الفلسطيني الذي حول الموقف العربي إلى وضع هش ومهتز وضعيف بالإضافة إلى أن عدد من الدول العربية منكفأة على صراعاتها الداخلية ناهيك عما يتعرض له الأمن القومي العربي من تهديد إيراني وتركي وقوى إسلام سياسي..

لذلك يجب أن توضع سياسة رسمية عربية موحدة لمواجهة التحايل على الحقوق الفلسطينية فبرغم كل ذلك فإن (فلسطين) هي القطعة الأغلى من الجسد العربي والجرح الغائر الذي لن يندمل إلا بعودتها لأصحابها.

إن القضية الفلسطينية هي أمانة في أعناقنا جميعاً أرجو ألا نخذلها حتى لا يخذلنا التاريخ.

اخر الأخبار