قاطرة التطبيع العربي الإسرائيلي.. والمسار الإقليمي لـ"صفقة ترامب"!

تابعنا على:   14:49 2020-02-15

فؤاد محجوب

أمد/ اندفاعة الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان وقفزته المفاجئة إلى «قاطرة التطبيع» مع إسرائيل، ليست سابقة على المستوى العربي، فقد سبق لرئيس الوزراء القطري الأسبق، حمد بن جاسم، وقال قبل سنوات بأن «علاقة بلاده العلنية مع إسرائيل كانت، وما زالت، السبيل الوحيد لخطب ودّ الولايات المتحدة». وعليه، فإذا كانت «إزالة السودان من لوائح الإرهاب الأميركية، تستلزم المرور بعلاقة مع إسرائيل»، فلمَ لا يفعلها البرهان؟، وخاصة أنّ الأمر بات «أكثر سهولة وقبولاً»، بعد أن تبدّل الزمن وتغيرت الأحوال، وبات الجنرال العربي الذي كان يرى قبل عقود أن «أبجديات الحكم تتطلب أولاً معاداة إسرائيل»، بات هذه الأيام يرى أن «مصلحة بلاده العليا تتطلب إسقاط المحرّمات والذهاب إلى تطبيع مع عدوّ بات سابقاً»!.

يحصل ذلك علماً أن إسرائيل هي التي بـ«حاجة إلى التطبيع مع العرب وليس العكس»، وحتى مثل هذه البدهية البسيطة لا يحاول القادة العرب استثمارها وتوظيفها لمصلحتهم، حيث نراهم يهرولون نحو «تطبيع مجاني مع العدو»، وكأنهم يستجدونه من الأطراف المعنية.

يجدر بالذكر هنا أنّ الحدث السوداني جاء بعد أيام قليلة من إعلان ترامب لما يسمّى خطته أو «رؤيته للسلام في الشرق الأوسط»، المعروفة بـ«صفقة القرن»، والتي تتحرك على مسارين متوازيين، أحدهما يتعلق بتسوية، أو بالأحرى، «تصفية القضية الفلسطينية»، والثاني يتصل بالجانب الإقليمي الذي يسعى ويطمح إلى «تحويل إسرائيل إلى جزء من المنطقة، عبر الاعتراف بوجودها، وإقامة علاقات طبيعية معها»!.

والمسار الثاني «مسار ماشي وشغّال»، من دون توقف على المستوى الرسمي العربي!. فقد تفاخر نتنياهو بعد زيارته العلنية إلى مسقط العام الماضي، بأنّ علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب تتحسن بشكل دراماتيكي، واعداً الإسرائيليين بـ«نجاحات جديدة على هذا الصعيد»!. وذلك، في وقت زادت فيه «وتيرة التطبيع في الآونة الأخيرة بأشكال متعددة بين الإسرائيليين ودول عربية وخليجية، عبر مشاركات إسرائيلية في نشاطات رياضية وثقافية تقيمها دول عربية، مثل الإمارات.

طبعاً علينا هنا أن نميّز بين «التطبيع الرسمي»، وبين «التطبيع الشعبي»، إذا جازت التسمية، فالأول قد يكون متاحاً، في ظلّ الأوضاع المعروفة التي يشهدها العالم العربي، أما الثاني فمن الواضح أن السنوات الطويلة التي أعقبت التوقيع على «كامب دايفيد» و«وادي عربة»، لم تفضِ إلى علاقات طبيعية وشعبية بين إسرائيل والشعبين المصري والأردني.

المسار الإقليمي من «خطة ترامب»

وفي سياق مسار التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل، توقع حمد بن جاسم أن يتم «توقيع اتفاقية عدم اعتداء بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن وربما المغرب». وذلك عقب طرح الإدارة الأمريكية لـ«صفقة القرن». وقال في سلسلة تغريدات على «تويتر» إن أميركا وإسرائيل بحاجة لما «سيترتب على إعلان الصفقة من زخم انتخابي مفيد لترامب ونتنياهو، قد يضيف لكليهما انتصارا خارجياً من شأنه تعزيز فرص الفوز في الانتخابات المنتظرة».

وفي هذا الصدد، تحدثت القناة الـ13 الإسرائيلية عن أنّ نائبة مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، فيكتوريا كوتس، اجتمعت قبل أيام بسفراء عُمان والإمارات والبحرين والمغرب، في واشنطن وعرضت عليهم مبادرة للتوقيع على «معاهدة عدم اعتداء مع إسرائيل».
ووصف المصادر «اتفاق عدم الاعتداء» بأنه «خطوة وسطية رسمية علنية نحو التطبيع الكامل للعلاقات بين إسرائيل وهذه الدول التي لا تربطها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل»، وتابع أنها «علاقات متقدمة عن العلاقات السرية القائمة بالفعل بين إسرائيل وهذه الدول، وأقل من اتفاقيات سلام وعلاقات كاملة بين هذه الأطراف وإسرائيل».

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، كشف أخيراً عن وصول وفد إسرائيلي إلى واشنطن، لبحث مبادرة سبق له وأعلن عنها في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وتتعلق بـ«إمكانية التوصل إلى اتفاق عدم اعتداء مع دول خليجية، وأشار إلى أن «واشنطن تعمل مع دول الخليج لتحقيق ذلك». ولفت كاتس إلى أن الوفد ناقش كذلك «إمكانية الدفع بمبادرة السكك الحديدية للسلام الإقليمي»، لربط إسرائيل مع السعودية ودول خليجية عن طريق الأردن، وربطها بالبحر المتوسط وخليج حيفا.

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن كاتس، أنه اجتمع بوزير خارجية إحدى الدول العربية، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، من دون تحديد هوية الوزير العربي. كما زار كاتس، في تموز/ يوليو الماضي أبوظبي، عاصمة الإمارات، بحسب بيان له. وكان كاتس أكد التواصل مع السعودية في المجال الأمني، مهدداً إيران بـ«جبهة سعودية إماراتية أميركية»، في حال تجاوزها لما وصفه بـ«الخط الأحمر»!.

اجتماعات أمنية سرية

وفي السياق، أفاد موقع Axios»» الإخباري الأميركي بأن مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات، عقدوا اجتماعا سريا في البيت الأبيض في 17 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لبحث تنسيق الجهود ضد إيران.
وأكد الموقع أن المجتمعين بحثوا، بين مواضيع أخرى، إمكانية توقيع معاهدة عدم اعتداء بين إسرائيل والإمارات كخطوة تمهيدية للتطبيع الدبلوماسي بينهما. وأشار الموقع إلى مقال نشره وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان في «تويتر» بعنوان «إصلاح الإسلام: تحالف عربي - إسرائيلي في طور التشكل بالشرق الأوسط»، وذلك في 21 من الشهر ذاته، أي بعد أيام على اللقاء المذكور.

تحرك للقاء إسرائيلي عربي معلن!

وتعزيزاً لهذه المعلومات، أكدت مصادر إسرائيلية ومصرية، وجود تحركات عربية وخليجية لعقد لقاء إسرائيلي عربي معلن، ورفيع المستوى، قبل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 2 آذار/ مارس المقبل. وأشارت المصادر إلى أن القاهرة وأبوظبي تؤديان دوراً كبيراً في تنسيقه، وذلك في إطار تنسيق أكبر مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية (5/2)، أن اتصالات مكثفة تجري بين واشنطن وتل أبيب والقاهرة والرياض من أجل تنظيم قمة في القاهرة بين نتنياهو ومحمد بن سلمان. وأن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وفريقه يجرون اتصالات بهذا الخصوص منذ عدة أشهر، على أن يشارك فيها أيضاً، إلى جانب المصريين والأميركيين، كل من بن سلمان وحكام الإمارات والسودان والبحرين. وأوضحت أن البحرين اقترحت أن تستضيف القمة في المنامة، وأن تتم دعوة العاهل الأردني عبدالله الثاني كذلك.

وكانت مصادر إعلامية عربية كشفت عن «لقاء رفيع المستوى جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع نتنياهو، في النصف الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في منطقة نيوم على ساحل البحر الأحمر. وقالت المصادر، إن اللقاء «شهد مناقشات بشأن الخطط الخاصة بمواجهة إيران، ومساعي تشكيل جبهة لمواجهة طهران، والحد من تحركاتها في المنطقة».

وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، أشارت قبل أشهر إلى «وجود اتصالات متقدمة بين إسرائيل والإمارات، بما يتيح للإسرائيليين زيارة الإمارات بدءا من تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2020، مع افتتاح معرض (إكسبو) الدولي». كما أكد مصدر أماراتي أخيراً، أن دخول الإسرائيليين خلال مدة المعرض، التي تستمر لستة شهور، سيكون «تجربة أولية يدرس الطرفان في نهايتها السماح بدخول السائحين بشكل دائم».

ونقلت الصحيفة عن مصدر أميركي، أن دولاً أخرى في المنطقة، مثل البحرين، سوف تحذو حذو الإمارات، وتفتح أبوابها أمام الإسرائيليين. وكتبت الصحيفة أن إسرائيل والإمارات تتعاونان منذ مدة طويلة في مجالات التكنولوجيا والاستخبارات والسايبر، إضافة إلى «وجود عدول مشترك للطرفين، هو إيران».

كما أشارت إلى وجود ممثلية إسرائيلية في أبو ظبي، تعمل داخل وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة، وأنه من غير المستبعد أن يؤدي السماح بدخول السائحين الإسرائيليين إلى تطوير العلاقات بين الطرفين، وبضمن ذلك رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي.

اخر الأخبار