ماذا يجب أن نتوقع من الأوروبيين حيال صفقة القرن؟

تابعنا على:   21:20 2020-02-06

د. خالد رمضان عبد اللطيف

أمد/ لا يجب التعويل بقوة على دور محوري وأساسي للاتحاد الأوروبي في مواجهة صفقة القرن،  لعدة أسباب تتعلق بحالة الضعف الراهنة التي يمر بها التكتل الأوروبي، خاصة بعد خروج بريطانيا من تحت عباءته، ما أفقده قوة هائلة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، فضلاً عن انتشار حركات مناوئة ومشككة في جدوى الوحدة الأوروبية، وبالتالي لا يجب أن نرفع سقف توقعاتنا للموقف الأوروبي الذي  يمكن وصفه بأنه على لا زال ينافح على قارعة الطريق، فلا هو تصفيقًا حارًا، ولا هو معارضة قوية".  

تاريخيا، تبدو المواقف الأوروبية مساندة للجانب الفلسطيني، فقد اعترف البرلمان الأوروبي بدولة فلسطين، ودعم حصولها على مقعد دولة مراقب في الأمم المتحدة، ولطالما احتضنت أوروبا حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وسحبت منها استثمارات مالية، وفرضت عليها عقوبات، فضلا عن حملات المقاطعة الأكاديمية وخاصة جامعتي حيفا وبار ايلان، بالإضافة إلى المقاطعة الثقافية التي شملت التضييق على مهرجات غنائية وعروض مسرحية إسرائيلية، كما أن الاتحاد الأوروبي أصدر قرارا لم يعتبر فيه مناهضة الصهيونية وحملات مقاطعة إسرائيل ممارسات معادية للسامية. 

حرصت الولايات المتحدة منذ بداية الإعلان عن ترتيبات صفقة القرن قبل أكثر من عامين على تهميش الدور الأوروبي، فلم تعره انتباهاً، ولم تستشر الأوروبيين في أي مرحلة من مراحل صياغة الخطة التي ظلت مجهولة حتى عن الدبلوماسيين الأوروبيين والصحافة الغربية حتى تم الإعلان عنها بليل في واشنطن، وبدا للكافة وكأن أوروبا باتت تلعب دور المتفرج السلبي، وربما يكون هذا جزءا من تكتيك أوروبي للحصول على استفادة سياسية واقتصادية جراء تمرير خطة ترامب – نتنياهو عبر الاكتفاء بلعب دور الناقد السياسي وليس الفاعل السياسي، ولعلنا نذكر أن تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض ضرائب على واردات السيارات والمنتجات الأوروبية جعل الموقف الأوروبي يتغير إلى النقيض إزاء الاتفاق النووي الإيراني .

رغم أن بروكسل رفضت دبلوماسية القرصنة الأمريكية، وفكرة التنكر للقانون الدولي، وهددت تل أبيب بفرض عقوبات عليها في حال ضمت أجزاء في الضفة الغربية المحتلة، منتهزة فرصة الإعلان عن صفقة القرن، إلا أن إسرائيل ليست منزعجة من هذا التهديد بسبب تشتت الموقف الأوروبي ووقوف كتلة من دول أوروبا الشرقية وخاصة جمهورية التشيك والمجر ضد أي قرار يمس إسرائيل مخافة ردة فعل غاضبة من واشنطن، وهناك بعض الدول الأوروبية مازالت مترددة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى الآن، بالرغم من أنها صوتت على قبول فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة.

مع ذلك، لا يمكن تصور أن الأوروبيين سيبقون مكتوفي الأيدي، إذ باستطاعتهم القيام بسلسلة من الإجراءات أقلها الاعتراف المتزامن من قبل عدة دول أوروبية بالدولة الفلسطينية في حال قيام إسرائيل بضم المستوطنات ومنطقة غور الأردن، كما يمكنها إلغاء أو حتى عرقلة التمويل الأوروبي لمشاريع البحث والتطوير في إسرائيل، وربما يكون هذا ما سيتمخض عنه لقاء الرئيس محمود عباس مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال الشهر الجاري في بروكسل، لمناقشة سبل مواجهة خطط القرصنة الأمريكية- الاسرائيلية.

يجب أن نشخص بدقة الحالة الراهنة للرجل الأوروبي المريض لكي ندرك طبيعة المطلوب منه بدقة، فقد أسفرت كارثة "الوحل البريطاني" الأخيرة، والتي ربما لن تستفيق منها القارة العجوز قبل عقد من الزمان، عن تلطيخ صورة الوحدة الأوروبية، وسلبت التكتل هيبته على المسرح العالمي، وأظهرته بمظهر عجوز بلا أنياب، في الوقت الذي فشلت فيه محاولات الأوروبيين باعتماد سياسة "إصلاح سطح البيت طالما أن الشمس تسطع"، فاتسع الخرق على الراقع، واجتاحت أعنى قارات العالم موجة مذهلة من الشعبويين والمشككين في جدوى الوحدة.

يعاني الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي عجزاً دبلوماسياً غير مسبوق في مواجهة أزمات عالمية تزداد تعقيداً، ومن بينها حالة الانقسام والتشتت بين دواله الـ 27 والبحث عن السيادة الأوروبية المفقودة، والحرب التجارية الراكدة تحت الرماد مع الولايات المتحدة، والتغول الصيني المذهل على شركات التكنولوجيا الغربية، في الوقت الذي تفتقد فيه القارة العجوز إلى قادة استثنائيين، يفكرون خارج الصندوق، من قماشة شارل ديجول، وفرنسوا ميتران، وكونراد هيرمان، وهلموت كول.. بالمختصر هو زمن أوروبي عادي جداً يقوده رجال عاديون أو أقل، وربما أخطر، وبالتالي لا يجب أن نرفع سقف تطلعاتنا، ولا أن نتوقع شيئاً خارقاً من الأوروبيين إزاء مواجهة الصفقة المشؤومة والتي ستسقط عاجلاً أم آجلاً.

اخر الأخبار