الإرث الأفريقي المتحول للتطبيع مع اسرائيل

تابعنا على:   21:56 2020-02-05

سميح خلف

أمد/ قد نضع بعض الحقائق و خاصة للذين يقولون كفى "لجلد انفسنا" ولكن بل يجب جلد أنفسنا الف جلدة و جلدة ، فعندما انهارت نظرية الكفاح المسلح تطبيقا و أهملت أدبياتها ، اي انهارت جبهة المقاومة الفلسطينية وبالمفهوم الشامل انهارت الجبهة الوطنية ، ويقولون لنا لماذا نجلد أنفسنا اكثر من اللازم ؟ اليس ما نمر به الأن من مناخات صفقة القرن و ما قبلها تجعلنا نحاسب أنفسنا و نقول لتلك القيادة التي قادت الشعب الفلسطيني عدة عقود كفى بهذه النتائج و انعكاساتها على الواقع الاقليمي و الدولي لدى الاصدقاء ، الذي كانوا اصدقاء للشعب الفلسطيني و ثورته سواءا في اوروبا الشرقية او اسيا او افريقيا او امريكا اللاتينية او الاسكندنافيه ، اليس هذا كافيا لكي لا نجلد انفسنا يجب ان نجلد قياداتنا التي بأقل تقدير و تعديل كان عليها ان تسلم ما لديها وترحل لقيادة اخرى للشعب الفلسطيني ، متجددة غير متكلسة تستطيع ان تواجه كل تلك الانهيارات التي سببتها تلك القيادة عبر مسيرتها التاريخية ، فالاضعاف لم يتم فقط لحركة فتح بل لكل الجبهة الوطنية ، ولذلك قد نذكر القذافي و اعانه الله بالماضي على تحمله الاساءة و الحملة الشعواء عليه لأنه اولى اهتمام بأفريقيا و صرف عليها اموالا طائلة ، حينها قال قصار النظر اهدر امواله من اجل الافارقة ، بل كان هو فدائيا ضحى بكل ما يملك رحمه الله مدركا خطورة المشروع الصهيوني في افريقيا و خطورة التواججد الأجنبي الامريكي و غير الامريكي ، وقد تكون تلك التوجهات هي التي حددت مصيره كما شاهدتم .

لم استغرب و لم اصاب بالذهول عندما التقى البرهان بناتنياهو في اوغندا فلقد سبقته دول افريقية و اسيوية اخرى ، موروتانيا و عمان و اثيوبيا و جيبوتي و بالطبع اوغندا والان السودان عن طريق رئيس مجلسها السيادي عبد الفتاح البرهان ولكن اريد ان اخصص هنا لماذا اوغندا و لماذا السودان لما لهم أهمية في التاريخ النضال الوطني الفلسطيني ، فاللدولتين رصيد كبير في دعم الثورة الفلسطينية سابقا ، ولكن ايضا لماذا اعلن ناتنياهو عن هذا اللقاء بشكل مبكر الذي يمكن ان يضر بالبرهان وقيادته الانتقالية في الدولة السودانية وبعمق معرفتي بالشعب السوداني المثقف الواعي الملتزم فهو من اكبر الشعوب التي لها جبهة وطنية واعية و مثقفة ومساندة للشعب الفلسطيني ولكن قد يكون البرهان تعرض لاغراءات نتيجة انهيار الاقتصاد السوداني ووعوده بإصلاحات و كذلك السودان تعمل على خروجها من صفة الارهاب من قبل امريكا وتحتاج للتطوير المؤسساتي و التكنولوجي التي وعدتهم امريكا به للسودان بحذفها من قائمة الإرهاب الدولي وان تأخذ قيمتها الاقليمية والدولية ، و الافراج عن الشروط الموضوعه للتمويل من الصندوق الدولي و المعونات الاقليمية و حل بعض الازمات الاقليمية في الجغرافيا التي لامريكا و اسرائيل باع طويل فيها .

اما ناتنياهو فقد كان حريصا على ان يفضح هذا اللقاء ربما ضد رغبات البرهان ولكن زعماء الصهيوينية العالمية يكفيهم من النرجسيات والسلوك الميكافلي الغاية تبرر الوسيلة للوصول لأهدافهم ، فهو قد قام بحرق البرهان ، وربما يتسبب له ذلك بأزمات داخلية في السودان ، وكانت رسائل ناتنياهو واضحة و صريحة و هي هدايا يقدمها للمجتمع الاسرائيلي و لحزب الليكود وللناخب الاسرائيلي ليقول لهم انني اتيت لكم بأفريقيا التي كانت داعمة للفلسطينيين وداعمة لمنطلقات الدول الوطنية في الزمن الجميل بقيادة عبد الناصر والقذافي وهواري بومدين و عيدي امين و لومبمبا و نيلسون مانديلا و غيره من العظام من الزعماء الأفارقه ، كما يقول لهم لقد اتيت لكم بغالبية العالم لخدمة قضاياكم ايها الاسرائيليون ، و اتيت لكم بصفقة القرن و قرارات ترامب ... الا تنتخبوني الان ؟!

ولكن من حيث القيمة التاريخية لندرك كم كانت خسارتنا لابد ان نذكر بعض محطات الزمن الجميل :-
- عملية عنتيبي في اوغندا

كان عيدي امين تربطه علاقة قوية مع القائد وديع حداد من اهم قيادات الجبهة الشعبية والتيار القومي وهو الذي كرس مفهوم اننا سنلاحق المشروع الصهيوني في كل مكان ، اتفق وديع حداد مع عيدي امين على ان يقوم بخطف طائرة اسرائيلية و انزالها في مطار عنتيبي و كان وديع حداد على صداقة ايضا مع رئيس الصومال سياد بري ، حيث اتفق الثلاثة ، في 27 يونيو الساعة التاسعة صباحا اقلعت الطائرة الفرنسية من مطار اللد الى العاصمة الفرنسية عبر اثينا ، و في مطار اثينا تزودت بركاب اضافيين كان منهم 4 اثنان فلسطينيين و اثنان المان مناصرين للثورة الفلسطينية قاموا بخطف الطائرة ححيث تزودت بالوقود في مطار بنغازي واتجهت بعد ذلك الى مطار عنتيبي باوغندا ، استمرت المفاوضات اسبوع ، وتذكر كل الوثائق ان وديع حداد كان في منزل من مناول عيدي امين يدير المعركة و كان في المطار ايضا و اعطى توصياته بتلغيم ممرات مدرجات الطائرات و توزيع الرهائن على الغابات الا ان السلطات الاوغندية لم تأخذ بإرشاداته .
اما ردود الافعال الاسرائيلية فقد قرروا اقتحام مطار عنتيبي بنصيحة شمعون بيرس لإسحاق رابين على ان ترفع اعلام اوغندا على سيارة مرسيدس تنزل من نفس طائرة عيدي امين كما هو متعارف عليه حيث كان عيدي امين في زيارة خارج البلاد ، وفعلا هبطت 4 طائرات اسرائيلية تحمل الكوماندوز في 4 يونيو 1976 علما بأن الخاطفين قد افرجوا عن معظم الرهائن و ابقوا على الاسرائيليين فقط و عددهم 77 اسرائيليا ، دارت المعركة بين الخاطفين وقوات الكوماندوز وتم تدمير 11 طائرة حربية في المطار وقتل واصيب 5 اسرائيليين و منفذي العملية و خسرت اسرائيل قائد كتيبتها المهاجمة وهو الاخ الاكبر لبنيامين ناتنياهو وهو «جوناثان نتنياهو» و استطاعت اسرائيل تنفيذ عمليتها بعد قطع كل الاتصالات ، حيث لم يتمكن وديع حداد الذي يدير المعركة من الاتصال من عيدي امين .

اردت ذكر تلك العملية هي تقدير لأهمية لقاء ناتنياهو مع رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان في اوغندا ، فهو قد ضرب عصفورين بحجر ، اولا السودان هي صاحبة اللاءات الثلاث بهد هزيمة 67 "لا صلح لا اعتراف لا تفاوض مع اسرائيل" تلك القرارات التي اتخذها مؤتمر القمة في الخرطوم .
اما المؤشر الثاني للمكان و الزمان فهي عملية الخرطوم عام 1973 التي قتل فيها السفير الامريكي والبلجيكي .

اجمالا تكتسب افريقيا اهمية كبيرة جدا للعمق الفلسطيني و العربي في الصراع العربي الاسرائيلي وقد تنبه الرئيس عبد الناصر لذلك و كذلك القذافي ، فكانت منظمة الوحدة الافريقية المساندة لنضال الشعب الفلسطيني و التي طورها القذافي للاتحاد الافريقي نحو الوحدة الاقتصادية و السياسية والنقد الموحد ، هكذا يمكن ان نفهم غزوة ناتنياهو لأفريقيا .

اخر الأخبار