خطاب الرئيس عباس...كلمات متقاطعة وأخرى خطيرة!

تابعنا على:   08:25 2020-02-02

أمد/ كتب حسن عصفور/ بعيدا عما تقوله الإدارة الأمريكية عن قرارات الجامعة العربية ضد خطة رئيسها ترامب، فما كان يمثل "صفعة سياسية علنية" لها امام العالم أجمع، وأظهرت ان فلسطين رغم ما أصابها من "أمراض وبائية"، لا تزال قادرة على كسر شوكة من يعتقد غير ذلك، ودرس أولي ان هناك قوة شعبية هائلة يمكن لها ان تتحول لقاطرة فعلية لمواجهة الاستغفال الأمريكي، ليس لفلسطين فحسب، بل لكل دول المنطقة، المصابة بارتعاش لا معقول.

ومع أهمية قرارات الجامعة، فقد جاء خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم 1 فبراير 2020، عاكسا لحالة التيه السياسي الذي يمر به، وكذا الإطار الذي يمثل، خطاب كان له أن يعيد صياغة المشهد ويخلق حالة من الاستنهاض السياسي العام، مع فرصة قلما تتاح، عندما منح وقتا لم ينله قبله غيره، ليقول ما يجب، ويحرض لو اراد ضد الصفقة الأمريكية لتصفية آخر معاقل القضية الوطنية، بل ان الجلسة بكاملها فتحت لبث عام، ليتابع العربي وغيره حقيقة المواقف، وكأنها ردا غير مباشرـ صدفة ام قصدا، على "الصهر الغبي" كوشنر.

في بعض مناطق الخطاب، أحسن الرئيس عباس في استعراضه لما كان من تاريخ تفاوضي ومحاولات تمت، بمشاركة فلسطينية، وخاصة مفاوضات أوسلو وما تلاها من اتفاق، ورفض أمريكا لها، فتلك مسالة هامة غالبية الحضور والمشاهدين ليسوا على دراية بها، لكنه بوعي او بسهو، تجاهل قمتي "واي ريفر" و"كمب ديفيد"، رغم انهما كانتا أدلة ساطعة على حقيقة الموقف العام، استعراض كان له وعليه، أصاب حينا وتاه أحيانا.

لعل الرئيس عباس، أضاع فرصة تحديد أسس الموقف الفلسطيني المفروض، ليس بطريقة شابها تردد وغموض، كان لها ان يحدد من القاهرة أسس خطابه القادم في مجلس الأمن، والذي قد لا يمسح له بالبث المباشر، رغم انه حق مطلق، أضاع فرصة ما كان لها أن تذهب، لكنه اختار الاستمرار في منهجه غير المحدد، بل وغير الحاسم في أي من القضايا الرئيسية سوى تأكيده رفض الخطة الأمريكية، وهو موقف له.

الرئيس عباس، سقط في خطيئة سياسية كبرى، عندما تحدث من ألف الخطاب الى يائه، بصفة الفرد المطلق، على طريقة "أنا الشعب والشعب انا"، مجمل منطقه كان "الذات" التي اصابها "تضخم غير مبرر" نتاج غياب أدوات الفعل الجماعية، وعدم وجود آليات ردع رقابية عامة، وتلك رسالة لكل من يتابع، انه لا غيره صاحب القرار الأول والأخير، ما اظهر ان هناك "جدار عال وسميك جدا" بينه وبين الشعب.

واستكمالا لتلك الخطيئة، تبرع بالحديث عما يراه هو، وليس عما قررته "الرسمية"، عندما استبدل مواقفه الذاتية بالحديث عن "دولة منزوعة السلاح"، و"الإرهاب المحلي"، وكلاهما خارج أي قرار وطني فلسطيني، بل ربما مناقضة كليا لها، ما يجب أن يتم منعه ثانية من تكرارها، فهو رئيس انتخب منذ 15 عاما ليس لتمثيل شخصه وعائلته، بل لتمثيل الشعب، ما يجب عدم تكرار تلك المواقف خارج القرار الوطني، عدا انها لا تمنحه ابدا أي احترام من العدو، وبالقطع لن تكون من الصديق، حيث ظهرت وكأنها "حالة استجدائية"، خاصة وهو يتحدث عن "الإرهاب المحلي"، دون تحديده، بل ودون أي إشارة واضحة لجرائم حرب يومية ترتكبها دولة الكيان وسلطات احتلالها ضد أهل فلسطين.

ولعل حديث الرئيس عباس عن رسالته لدولة الكيان، ووقف العلاقات معها بما فيها "الأمنية"، وانه يعيد لهم الأمر العام، لتصبح القوة الحاكمة، مثل قمة التيه السياسي، بل تجاوز علني لقرارات "الرسمية" التي يفترض انه يمثلها، فشكليا، مثل ذلك القرار لا يتم "بطريقة حبية"، بل هي مسألة كفاحية كان له إعلانها من قلب مقره في خطاب لشعبه، وليس همسا لقيادة الكيان.

 الأخطر سياسيا فيما قاله، وللأسف تم الصمت عليه، هو ان الرئيس عباس أبلغ دولة الكيان بأنه يحل السلطة الفلسطينية، ويعيدها "هدية سياسية" لإسرائيل، لتتولى هي المسؤولية كقوة احتلال، وتلك سقطة سياسية كبرى، لجأ اليها هروبا من الحق الفلسطيني الشرعي، بإعلان دولة فلسطين وفقا لقرار الأمم المتحدة وسحب الاعتراف المتبادل حتى تعترف إسرائيل بفلسطين، دولة وفقا لحدودها في قرار الأمم المتحدة 19/ 67 لعام 2012.

الهروب من هذه القضية بالذهاب الى حل السلطة يعكس حالة استسلام سياسي كامل، وإدارة ظهر للشعب الفلسطيني، وقبلها للشرعية الفلسطينية، التي يفترض انه رئيسها...سقطة سياسية يجب تداركها فورا والتراجع عنها، ما لم تكن قرارا سريا متفقا عليه بين أجهزة "ثالوث التنسيق الخاص"، كـ "حل وسط"، يبدو انه رفض رفضا، ولهم غاب القرار الذي له ان يقلب معادلة المشهد بأكمله، عبر إعلان دولة فلسطين.

ما أعلنه الرئيس عباس حول العلاقات مع الكيان، يثير شكوكا سياسية مضاعفة خلافا لما حاول تقديمه...ولذا يجب الجواب قبل فوات الآوان، لماذا لم تعلن الدولة وسحب الاعتراف، وكيف يمكن تنفيذ وقف العلاقات آلية ورؤية بديلة، مع تسليم مفاتيح السلطة لمنسق سلطة الاحتلال؟!.

المسألة ليس ما تقول كلاما مبتورا تائها، بل أن تعلن مواقف ورؤية متكاملة وليس كلمات متقاطعة...وهذا ما يجب أن يكون في خطاب مجلس الأمن القادم تصويبا لخطايا خطاب الجامعة العربية، لو حقا أريد الحديث نيابة عن شعب فلسطين!

ملاحظة: هل لا زالت سفارة فلسطين قائمة في طهران...سؤال متعلق بتجاهل مسؤولي إيران كليا الممثل الرسمي والاتصال فقط بفصائل دون غيرها، فلماذا الصمت على هذا الاستخفاف الإيراني!

تنويه خاص: زيارة مديرة المخابرات المركزية الأمريكية الى رام الله واللقاء مع ممثلي الرئيس عباس، يكشف ان المعركة مع واشنطن مش محسومة... لما لم يعلن الرئيس وممثليه ذلك وما هي رسالتها، وعودا ام وعيدا!

اخر الأخبار