هل الحل في انتخابات جديدة؟

تابعنا على:   10:29 2020-01-30

كمال بالهادي

أمد/ جاء بيان حركة النهضة التونسية، ضاغطاً على إلياس الفخفاخ المكلف الجديد بتشكيل الحكومة الثانية، بعد فشل الحبيب الجملي وفريقه الحكومي في نيل ثقة مجلس نواب الشعب. فالحزب ذو المرجعية الإسلامية طالب بتوسيع المشاورات لتكون حكومة وحدة وطنية، معرباً عن عدم خشيته من الذهاب إلى انتخابات جديدة، لو تطلب الأمر ذلك.

حركة النهضة، وبعد فشلها في تمرير حكومة الجملي، فقدت جانباً من شرعيتها الانتخابية، بما أن الدستور يمنح رئيس الجمهورية الحق في تكليف الشخصية التي يراها الأقدر على قيادة مرحلة «ما بعد نتائج الصندوق». وطبعاً كان خيار الرئيس غير ما انتظرته الحركة التي قدمت مرشحين، لم ينالوا رضى الرئيس، وعلقت الحركة أن الفخفاخ لم يكن مرشحها، ثم صعّد قادتها الخطاب بالإشارة إلى أن ما يحدث هو «انقلاب دستوري ناعم» على نتائج انتخابات تشرين الأول الماضي، والتي أعطتها الأسبقية في عدد المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب. و يبدو أن الحركة تستشعر المتغيرات الداخلية و الإقليمية التي تجري في المنطقة، ولذلك سارع رئيسها بالسفر المستعجل إلى إسطنبول لسويعات فقط بعد إسقاط حكومة الجملي، وكأن الغنوشي كان يتلقى الأوامر حول ما يجب فعله في ما لو تم تشكيل حكومة جديدة لا تعطي للنهضة المكانة والوزن السياسي الذي تريده. ويعتبر المراقبون أن زيارة أردوغان المريبة إلى تونس، والتي تحدث فيها عن اتفاق مع قيس سعيّد لدعم حكومة السراج، وما تبعه من بلاغ للرئاسة التونسية، تنفي فيه نفياً قطعياً تصريحات أردوغان، قد عزز الشكوك لدى النهضة في توجهات سعيّد، وفي علاقات الحركة المستقبلية معه، ويبدو أن الحركة بلغت مرحلة اليقين عندما رفض سعيّد اختيار أحد مرشحيها لتشكيل الحكومة الجديدة.

ومن هنا فإن حسابات الحركة قد تبعثرت من جديد، فالرئيس يريد تغيير النظام السياسي برمّته. أولاً لأن قيس سعيّد يمتلك شرعية انتخابية وازنة، وله حلفاء يتمتعون بوزن نيابي وبمصداقية لدى الشارع التونسي، وثانياً فإن النهضة لا تتجرأ على إعلان صراع صريح مع الرئيس المنتخب، لأنه يرأس مجلس الأمن القومي الذي يمتلك كافة المعطيات حول بعض القضايا التي تتهم فيها الحركة، ومن بينها قضية الاغتيالات السياسية وملف الجهاز السري، فضلاً عن ملف تسفير المقاتلين إلى بؤر الإرهاب.

من هذا المنطلق، فإن النهضة تدرك أن الرئيس لو نجح في تمرير حكومة إلياس الفخفاخ، فإنه سيكون قادراً على جعلها أقلية داخل مجلس النواب، وستكون في عزلة حقيقية، وهذا ما قد يدفعها إلى قلب الطاولة على الجميع، واستباق ذلك بالإعلان عن تقديم مشروع قانون جديد لتنقيح القانون الانتخابي الذي عجزت عن تمريره في عهد الرئيس الراحل السبسي، والإعلان عن عدم خشيتها من الذهاب إلى انتخابات جديدة.

يقرأ قادة النهضة الانتخابات البلدية الجزئية التي وقعت يوم الأحد الماضي، والتي فازت فيها النهضة بأغلبية المقاعد، قراءة دالة على أن النهضة لم تفقد شعبيتها على الرغم من كل ما يقال عنها، وأنها قد تحوز الأغلبية المطلقة في أي انتخابات قادمة، وهو ما سيعطيها شرعية انتخابية منافسة لشرعية الرئيس. وحماسة نتائج الانتخابات البلدية الجزئية، قد تدفع الأغلبية في هذا الحزب إلى التصويت بعدم المشاركة في الحكومة، ومن ثم عدم التصويت لها، والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، تراها الحركة الحل الجذري لحالة عدم الاستقرار السياسي.

وقد يكون هذا الأمر تمت مناقشته مع الرئيس أردوغان خلال الزيارة المرتجلة التي أجراها الغنوشي على عجل إلى تركيا. ولكن هل نتائج الانتخابات فيما لو وقعت ستكون في مصلحة حركة النهضة وهي التي عرفت تراجعاً مذهلاً في خزانها الانتخابي، من مليون ونصف ناخب في 2011، إلى 400 ألف ناخب في 2019؟ قد تغامر النهضة بالدعوة إلى انتخابات جديدة، ولكنّ هناك قوى أخرى صاعدة قادرة على اكتساح المشهد، وهناك قوى دستورية ووسطية، استوعبت الدرس، وهي تنتظر فرصة إعادة الانتخابات لإعادة الأوضاع إلى نصابها، واستعادة الوطن والدولة من حالة الضياع والترهل التي دمرته خلال السنوات الماضية.

عن الغد الأردنية

اخر الأخبار