الجزائر تهدي للعرب والمسلمين تجربتها الناجحة

تابعنا على:   08:25 2020-01-20

صالح عوض

أمد/ هناك عدة ملاحظات ينبغي تدبرها في دور القيادة العسكرية الجزائرية في مرحلة من اخطر المراحل-مرحلة الحراك- حيث استطاعت تجنيب البلاد من الانزلاق في مسار الحراكات العربية التي بشر بها أويحيى رئيس الوزراء السابق عندما حذر الجزائريين من أي تصرف وأي تظاهر واحتجاج قد يوصل البلاد الى ما تعيشه سورية..
الملاحظة الأولى عندما تمترس المرحوم أحمد قايد صالح رئيس الأركان ونائب وزير الدفاع في ثكنته العسكرية حيث سكنه الدائم ومن هناك رافق حراك الشعب ووجه رسائله المتتالية للطبقة السياسية والاقتصادية والإعلامية في البلاد أن لا أحد يعلو فوق مصلحة الوطن وان بلدا ضحى من اجله ملايين الشهداء لا يمكن أن تعبث به عصابة من الأنانيين.. لم يخرج دباباته ولم يحوط قصر المرادية بعسكره ولم يصدر بيانات عسكرية وأصر على صون دماء الجزائريين وحماية حراكهم من بعيد حتى وان تطاول عليه بعض المارقين بالسب والطعن ونبه الى ضرورة ان يتحرك كل شيء وفق الدستور فسقط الرئيس الذي قدم استقالته بوافر حريته وفي مشهد حضاري وسقط رئيس الوزراء وسقط رئيس المجلس الدستوري وهذه رموز النظام السابق وساق الى السجن شخصيات كان في الخيال يتوقع احد ان يطالها من جنرالات امن ووزراء خاصين ورجال مال بتهم واضحة اثبت القضاء واعترافاتهم انه لم يفتعلها ولم يحملها رغبة ما تتعلق بإهدار مئات مليارات الدولارات والارتهان للاقتصاد الفرنسي.. وانتهى بالعملية المعقدة الى الانتخابات حيث شهدت الجزائر أفضل انتخابات على الإطلاق منذ استقلالها بعيدا عن التهريج والشحن الأهوج.. حقا حدثت ثورة بكل المقاييس الثقافية والسياسية ولكن دون إراقة قطرة دم رغم عنفوان الشعب الجزائري وسقف مطالبه العالي ..كانت عملية معقدة تماما أدارتها المؤسسة العسكرية الجزائرية بلياقة عالية..
الملاحظة الثانية: لأول مرة يحدث تغيير في الوطن العربي دون علم او نصيحة او توجيه او استعانة بدولة غربية بالعكس تماما تم التغيير العميق في كل المجالات في ظل جو مشحون مع فرنسا العدو الاستعماري التقليدي الذي أقلقه مسار الأحداث حيث الصفقات التجارية المشينة والنهب الجنوني لثروة البلاد والذي تم تكييف قوانين المالية والأوضاع الاقتصادية لخدمته.. كانت المؤسسة العسكرية الجزائرية بالتطورات الحاصلة فيها وتجذر العقيدة الأمنية الوطنية فيها قد أفلتت من لزومية ان يستمد حراكها مشروعيته من إحدى عواصم الغرب .. ولقد دفع كثير من الانقلابيين العرب كما بعض من عملوا على اختراق القانون والدستور الأموال الطائلة والثروات الهائلة لإرضاء عواصم الغرب.. وهذه نقطة حساسة وحاسمة ينبغي ان تذكر للقايد صالح وللمؤسسة العسكرية الجزائرية التي في مرحلته استمر تحركها الدستوري القوي المتين بوطنية نظيفة لا يختلف عليها عاقلان في مواجهة كل مراكز القوى المستندة لعلاقات خارجية او قوى اجتماعية و الرد على تطاول الاستعماريين بحزم وان البلاد لن تسمح للاستعماريين ولا لأولادهم وامتداداتهم ان يكون لهم وجود في الجزائر.. وهذه نقطة أخرى يجب تسجيلها للعسكرية الجزائرية المعاصرة.. إنها ليست فقط مؤسسة وظيفية بل مؤسسة سياسية تحفظ ارث جيش التحرير.
الملاحظة الثالثة في مرحلة القائد أحمد قايد صالح اكتسبت المؤسسة العسكرية الجزائرية احتراما بالغا لدى الجميع والتحمت بالشعب ولم تظهر عضلاتها ولم تكشر عن أنيابها أمام عنفوان الشارع حتى لو خرجت منه أصوات نشاز في الحين الذي أثبتت تصديها الواضح لأي اعتداء على الشعب وأي تجاوز للقانون.. ولم ير لها أي تواجد في شوارع مدن الجزائر وبقيت في ثكناتها تراقب عن كثب وبهذا كرست مهمة المؤسسة العسكرية أنها مؤسسة لحماية الدولة وحماية الشعب وحماية القانون.
الملاحظة الرابعة وفي مرحلة القايد صالح كانت المؤسسة العسكرية الجزائرية على يقظة تامة من المخاطر المحيطة بها وكان هذا الرجل الأسد لا يهدأ ولا يستقر متنقلا من موقع عسكري الى أخر ومن ناحية عسكرية الى أخرى يجوب البلاد عرضها بطولها يستعرض قواتها ويطلق لها العنان لمزيد من اليقظة والتدريب والمناورات والتجهيز لمواجهة المخاطر المحيطة بالبلاد ولتكون على أتم الجاهزية للتصدي للأشرار من أي موقع جاءوا..
الملاحظة الخامسة وهنا تجلى الإخلاص كقيمة حضارية ومسلكية للمؤسسة العسكرية فلقد غاب ذكر الألقاب الكبيرة ولكن حضرت المهمات الإستراتيجية بتجاوز للذات فكما انه أمن الجبهة الداخلية بالحب والتفهم والثقة والحماية مع الشعب فأمنه الشعب على الداخل باستمرار الحراك سلميا الأمر الذي وفر على المؤسسة العسكرية النزول إلى الشارع رغم خطورة الوضع واحتمال الانزلاق.. وبقيت المؤسسة العسكرية حامية للوطن من المخاطر الخارجية بكل نباهة ويقظة وحزم.. وبهذا استطاع القايد صالح وقيادة الأركان إنقاذ المؤسسة العسكرية من أي مهمة جانبية قد تستنزفها وترهقها بمهمات تصرفها عن المهمات الأساسية في حماية الوطن والبلاد.
لن نغفل القيمة الإستراتيجية لقرارات المؤسسة العسكرية التي واكبت الحراك خطوة بعد خطوة وشاركته الإستراتيجية الملائمة وفرضت خياراته على الجميع وكانت بلاشك يد الشعب وإرادته و لا يمكن إن نغفل قيمة الحضور الإعلامي المستمر للمؤسسة العسكرية الذي كشف عن المستوى الراقي في الوعي واللغة والوضوح والنباهة من خلال بيانات متينة البناء والمعاني.
بلا شك أضاف القايد صالح إلى سجل المجد الجزائري صفحة بارزة ومشرقة هي استثناء في تاريخ العسكرتاريا العربية وبذلك يكون الجيش الجزائري بجدارة جيش الشعب وحاميه وصانع مجده.. فلئن حقق الله به في خمسينيات القرن المنصرم مجدا يتيه به على الدنيا بنصر قل نظيره على الحلف الأطلسي فهو بكل جدارة واستحقاق أنجز اخطر مهمة على الصعيد الداخلي.
يتذوق حلاوة هذا النصر كل من أدرك المأساة في بلداننا العربية في العراق وسورية و ليبيا واليمن وسواها كثير حيث لم تم إخراج الجيش عن حدود مهماته فتورط ليتحول إلى طرف في الصراع منهمك في معركة الاقتتال وتدمير المدن والقرى فأصبح عن غير قصد منه احد أدوات التخريب الداخلي.
مجد كبير للعسكرية العربية تسجله المؤسسة العسكرية الجزائرية بقيادة سي احمد قايد صالح عليه رضوان الله ورحماته منفردة بأسلوب وطريقة حضارية عظيمة.. ولو لم يتحقق إلا السلم الاجتماعي والاستقرار بعد أشهر عديدة من الحراك عالي الوتيرة لكان مجدا للعسكرية الجزائرية.. فحق للأمة ان تفتخر بالجزائر وان تهبها مهجة الفؤاد ومحض الحب والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.

اخر الأخبار