قراءة أولية في المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار

تابعنا على:   15:06 2014-07-18

عليان عليان

قبل الشروع في قراءة بنود مبادرة المخابرات المصرية المطروحة لوقف إطلاق النار بين المقاومة والكيان الصهيوني ، والتي جاءت بناءً على إلحاح من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري ، لا بد من تثبيت الحقائق التالية :

أولاً: أن هذه المبادرة جاءت بعد الانتصارات التكتيكية ذات المغزى الاستراتيجي الهائل لفصائل المقاومة الفلسطينية ،التي طالت صواريخها المتطورة 70 في المائة من الكيان الصهيوني ، وبعد نقلةً نوعية غير مسبوقة للمقاومة على أرض فلسطين في مواجهة العدوان .

ثانيا: أن هذه المبادرة جاءت بعد توسلات من نتنياهو للرئيس الأمريكي باراك أوباما ، للتدخل من أجل التوسط لوقف إطلاق النار مع المقاومة عبر قناة النظام المصري ، بعد أن تمكنت المقاومة الفلسطينية من لجم منظومة الردع الإسرائيلية على النحو الذي لجمت فيه مقاومة حزب الله هذا الردع عام 2006، عندما دكت المقاومة الفلسطينية ولا تزال تدك أعماق بعيدة في الكيان الصهيوني ، بصواريخها المتطورة من أقصاه إلى أقصاه أي من نهاريا وحيفا شمال فلسطين المحتلة ،إلى عسقلان وأسدود وسديروت وجميع مستوطنات غلاف غزة ومستوطنات النقب وديمونة جنوباً ، ومن القدس شرقا إلى تل ابيب غرباً مروراً بمطار بن غوريون \" اللد \".

ثالثاً: أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ضربت في الصميم ، بعد أن أصبح الإسرائيليون يمضون معظم الوقت في ملاجئهم وفي ما يسمى \" بمنطقة بيت الدرج \" ، بعد أن حولت المقاومة الفلسطينية مدن ومستوطنات العدو إلى مدن أشباح ، تنعدم فيها إلى حد كبير الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وبعد أن أدرك قادة العدو أن استمرار هذه الحرب سيؤدي إلى تآكل أكثر فأكثر لجبهته الداخلية ، ما قد يسرع من الهجرة اليهودية المضادة التي باتت تقلق القادة الإستراتيجيين لهذا الكيان .

وها هم المستوطنون يكررون ذات الصرخة ، التي أطلقها مستوطن صهيوني غداة الحرب على غزة في تشرين ثاني 2012 : \" أقدمنا على حرب على قطاع غزة ، لمنع وصول الصواريخ الفلسطينية إلى سديروت ، لكن بعد إشعال هذه الحرب ضربت صواريخهم قلب تل أبيب \" وكذلك الصرخة التي أطلقها مستوطن آخر والتي جاء فيها \" النار التي تشتعل من فوقنا في تل أبيب ومن تحتنا ، تجعلنا لا نطيق البقاء هنا، أنا من نيويوك وسأعود إليها \" فهاتان الصرختان اللتان تكاد تعبران عن حال المغتصبين والمستوطنين الصهاينة ، لمؤشر على ما آلت إليه الجبهة الداخلية في الكيان الصهيوني .

وهاهو عالم الصواريخ الإسرائيلي موتي شيفر ، يصرح في الثالث عشر من تموز – يوليو الجاري \"بأن القبة الحديدية التي صممتها ( إسرائيل ) لإسقاط الصواريخ الفلسطينية ، لا تعدو كونها كذبة كبرى، ولم تتمكن من إسقاط الصواريخ المنهمرة على \" المستوطنات (والمدن الإسرائيلية)\".

وهاهو الحاخام السابق للجيش الإسرائيلي أفيخاي رونتساكي يصرح في الخامس عشر من تموز – يوليو الجاري \" بأن المقاومة الفلسطينية ركعت إسرائيل بأكملها على ركبتيها ، وأن الفصائل الفلسطينية تستمد قوتها من روحها القتالية، فليس لديهم دبابات أو طائرات، ومع ذلك فقد قاموا بتركيع دولة كاملة على ركبتيها، دولة كاملة هربت للملاجئ \".

رابعاً:. أن انتصارات المقاومة أنهت شهر العسل الطويل جداً ،الذي عاشه الكيان الصهيوني منذ الربيع العربي عام 2011 ، الذي تحول إلى خريف بامتياز جراء احتوائه أمريكياً ، عبر أدوات بمسميات أيديولوجية إسلاموية مختلفة ، وعبر نهج كامب ديفيد بنسخته المنقحة الذي يسهر عليها ويرعاها السيسي.

خامساً: أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، كشفت بما لا يدع مجالاً للشك ، بؤس قيادة السلطة الفلسطينية ، وعرتها أمام الجماهير الفلسطينية ، التي رأت بأم عينها رئيس السلطة الفلسطينية يشن حرباً نفسية على المقاومة عبر تأكيده على قدسية التنسيق الأمني مع الاحتلال ، وعلى أن يد ( إسرائيل) هي العليا ، متجاهلاً الحقائق على الأرض التي تصب في مصلحة المقاومة ، باعتراف مصادر إسرائيلية .

وفي موازاة الحقائق سالفة الذكر لا بد من تثبيت بعض الحقائق ،المتعلقة بصاحب المبادرة \" نظام السيسي وجهاز مخابراته \" وأبرزها :

أولاً: أن هذا النظام ذلك لم يتحرك مبكراً لوقف إطلاق النار ، وجاء تحركه بناءً على طلب أميركي ، واستمر في إغلاق معبر رفح في ظروف الحرب ، محكماً الحصار على قطاع غزة ، بذريعة الحفاظ على الأمن القومي المصري ، متجاهلاً حقيقة أن الأمن القومي المصري يبدأ أولاً بإلغاء معاهدة كامب ديفيد ، علماً أن إغلاق المعبر إجراء لم يقدم عليه حتى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في حرب 2008 ، رغم أنه كان في نظر الكيان الصهيوني \" كنز إستراتيجي (لإسرائيل ) .

ثانياً: أن هذا النظام أطلق العنان لوسائل إعلامه ، أو تلك التي تدور في فلكه ، في الهجوم على المقاومة متلطياً بالحرص الكاذب على أرواح المدنيين الفلسطينيين ، ومقللاً من قيمة انتصاراتها التي كشفت مؤخرة هذا النظام ومؤخرة معظم أطراف النظام العربي الرسمي ، ووصلت الأمور والانحطاط بإعلاميي كامب ديفيد أن يشتموا الشعب الفلسطيني في القطاع ، وأن يطالبوا الجيش المصري بالوقوف إلى جانب جيش العدو لتدمير المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

في ضوء ما تقدم يمكن قراءة المبادرة المصرية أو الإجابة على سؤال : هل عكست هذه المبادرة نتائج المواجهة ؟ وهل عكست مخرجات الحرب ، من زاوية الانتصارات غير المسبوقة لفصائل المقاومة ، بشهادة أوساط عديدة في الرأي العام الإسرائيلي ؟ على النحو التالي:

أولاً: المبادرة تساوي بين الكيان الصهيوني \" قوة الاحتلال \" وبين فصائل المقاومة حين تنص على وقف الاعتداءات الفلسطينية مقابل وقف الاعتداءات الإسرائيلية ، حيث تعتبر المقاومة شكلاً من أشكال العدوان وتصفها بكل وضوح وبدون خجل \" بأنها أعمالاً عدائية \" ، متجاهلة حقيقة هذا الكيان بوصفه كيان غاصب واستيطاني عدواني إجلائي ، وأن مقاومة الاحتلال عمل مشروع بموجب القانون الدولي وكفلته جميع الشرائع السماوية والأرضية .

انظر النص ( مادة 1 \" أ \" \" ب\") :

أ - تقوم إسرائيل بوقف جميع الأعمال العدائية ضد قطاع غزة براً وبجراً وجواً، مع التأكيد على عدم تنفيذ أى عمليات اجتياح برى لقطاع غزة أو استهداف المدنيين.

ب- تقوم كافة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بإيقاف جميع الأعمال العدائية (Hostilities) من قطاع غزة تجاه إسرائيل جواً، وبحراً، وبراً، وتحت الأرض ، مع التأكيد على إيقاف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها والهجمات على الحدود أو استهداف المدنيين.

ثانياً: المبادرة في ذات البند (1- أ) تستجيب للطلب الإسرائيلي بمنع تصنيع الصواريخ الفلسطينية التي يجري تصنيعها في ورش تحت الأرض ، ومنع حفر الأنفاق الخاصة بالمقاومة من خلال النص على عبارة \" وقف الأعمال العدائية تحت الأرض \".

ثالثاً: المبادرة تتحدث في المادة (1 – ج ) بشكل عام \" عن فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية ، في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض\".

وهذا النص يعني أن فتح المعابر الخاصة بالقطاع ، أمر مشروط بوقف المقاومة (هذا من جهة ) ومن جهة أخرى فإن هذه المادة لا تذكر معبر رفح \" بالاسم \" وكأن المعبر خاضع للاحتلال الإسرائيلي ، شأنه شأن معبر المنطار ومعبر كفر أبوسالم وغيرهما ما يشي بالعودة لاتفاق المعابر سيء الذكر لعام 2006 ، لذي سبق وأن وقعه محمد دحلان مع الجانب الإسرائيلي ، الذي يمنح العدو الصهيوني صلاحيات كبيرة على المعبر ، رغم أنه يقع على الحدود بين قطاع غزة ومصر.

رابعاً: المبادرة لا تنص على انسحاب قوات العدو الصهيوني من الشريط الفاصل بين القطاع ومناطق 1948 ، بمسافة معقولة تسمح للمزارعين الفلسطينيين بمزاولة عملهم بحرية في أراضيهم في الشريط الشرقي للقطاع ، ما يعني أنها تشكل خطوة للوراء عن اتفاق التهدئة لعام 2012 ، الذي نص في حينه \"على عدم تهديد حرية الحركة والعمل في المناطق الحدودية \" ، ما يعنى حرية الحركة والعمل للمزارعين الفلسطينيين ، في الشريط الشرقي للقطاع– الذي تم تجريفه بحدود نصف كيلو متر - حيث تم منع المزارعين الفلسطينيين في العمل في أراضيهم ودفع العديد منهم حياتهم ثمناً لإصرارهم على مزاولة الزراعة على أرضهم.

خامساً: لم تأت المبادرة على موضوع حرية الحركة للصيادين الفلسطينيين ، ما يعني تركه للمفاوضات اللاحقة ما يسهل مهمة العدو الصهيوني في تجاوز هذه المسالة ، كما حصل في اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2012 ، وفي الذاكرة كيف قبل العدو آنذاك حرية حركة الصيادين في البحر ، بمسافة ستة أميال بدلاً من 12 ميل ، لكنه في التطبيق لم يسمح سوى بأقل من خمسة أميال فقط.

سادساً: المبادرة تجاهلت تماماً إجراءات العدو الفاشية في الضفة الغربية إبان الحرب ، ممثلة بالاغتيالات والتصفيات الجسدية ، وبالاعتقالات التي طالت أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني ، وطالت أيضاً عدداً لا بأس به من الأسرى المحررين وفق صفقة شاليط ، ولم تطالب بالإفراج عنهم .

من خلال ما تقدم يمكن الجزم أن المبادرة المصرية ، تلبي المصالح والشروط الإسرائيلية وتضع العدو الصهيوني في وضعية المنتصر الذي يفرض شروطه ، ولا تلبي الشروط والمصالح الفلسطينية رغم أن الحقائق على الأرض ووقائع الميدان ، تستدعيان أن تكون شروط وبنود المبادرة ، لمصلحة قطاع غزة وفصائل المقاومة وبالتالي فإن المبادرة المصرية تسعى لتمكين العدو من تحقيق الأهداف التي عجز عن تحقيقها بالحرب.

واللافت للنظر أن المبادرة المصرية ، طبخت في المطبخ المشترك للمخابرات المصرية والإسرائيلية ، من وراء ظهر المقاومة ، بدليل أن مسئولي المخابرات الإسرائيلية ، طاروا إلى تل أبيب من أجل وضع حكومة العدو الصهيوني في صورتها ، ولإجراء ما يلزم من تعديلات تصب في مصلحة ( إسرائيل ) ، ولم يذهبوا إلى غزة للتشاور مع فصائل المقاومة بشأنها ، ولا نبالغ إذ نقول أن للأمريكان والصهاينة دور أساسي في صياغتها .

لقد جاءت المبادرة المصرية لتنقذ ( إسرائيل ) من ورطتها وأزمتها ، ولتقدم خدمة مجانية لها بعد أن لجمت المقاومة قوة الردع الإسرائيلية ، وبعد أن ضربت العمق الإسرائيلي على نحو غير مسبوق مزعزعةً الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني ، وبعد أن فشلت حكومة العدو في تحقيق أهداف العدوان على قطاع غزة ، وفي اصطياد منصة صاروخية واحدة للمقاومة.

لقد أصابت فصائل المقاومة برفضها الصيغة الراهنة للمبادرة المصرية ، وبرفضها أن تفرض عليها فرضاً قبل التشاور معها ، وهي بهذا الرفض تثبت ولاءها لشعبها وتقديسها لدماء الشهداء ، لكنها ستكون أكثر صوابية حين ترفع الشعار الرئيسي \" لا لوقف إطلاق النار قبل إلغاء الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة ، وبدون إطلاق سراح المعتقلين في الضفة منذ بدء العدوان على قطاع غزة \".

وأخيراً أعتقد بضرورة اشتراك أكثر من وسيط ضامن للمبادرة ، في حال تعديلها وفقاً للحقائق الفلسطينية ، وعلى أن يكون الوسطاء الآخرين الضامنين للمبادرة ، من خارج حلف قطر – تركيا ، لأن إشراكهما يسيء للمقاومة ولدماء الشهداء ، بحكم تحالفهما المعلن مع الكيان الصهيوني ، علماً أن القبول بمبادرة المخابرات المصرية في حال تعديلها تفرضه فقط الجغرافيا السياسية وليس أكثر.

اخر الأخبار