القائد خالد...سرايا القدس والخطوة القادمة

تابعنا على:   17:07 2019-11-28

علاء محمد منصور

أمد/ لقد شكل اغتيال القائد العسكري بهاء ابو العطا منعطفاً في وضعية وطبيعة الردود الفلسطينية على عملية الاغتيال, من حيث طبيعة ومدى صوابية اتخاذ القرار الموضوعي الهادف لتحقيق شعار أو مبدأ ما اصطلح على تسميته ( الردع بالردع والقصف بالقصف).
فعندما يتم رفع الشعار يجب تسخير كل الطاقات لتحقيقه, ليس حزبياً أو حركياً, بل وطنياً قبل كل شيء, بمعنى أن جميع حركات الجهاد والمقاومة التي حملت ورددت عبر وسائل الاعلام صباح مساء ذاك الشعار, عليها العمل بكل ما أوتيت من قوة لتجسيد تطبيقه, بعيداً عن صوغ المبررات والأعذار, لأن القاعدة التي يعرفها القاصي والداني تقول أُكلتُ يوم أكل الثور الأبيض. ولا أجد ردأً اكثر واقعية من شعار رفعه الأسير القائد أحمد سعدات " العين بالعين والرأس بالرأس".
ويساورني الشك بأني قد أكون متطفل قليلاً حين أطرق أبواب حركة اسلامية مجاهدة عريقة استشهد مؤسسها رفيق الزنزانة " فتحي الشقاقي" اغتيالاً ايضاً, عسى أن أجد صاغياً ينهض ويطور ظروفه الموضوعية والذاتية, ليخلق شكلاً نضالياً جهادياً مقاوماً يصبح نموذجاً يُحتذى به لكافة حركات وأحزاب العمل الوطني الفلسطيني.
ولعلي أجد من الضروري بمكان, أن نُخضع جولة القتال الاخيرة التي عقبت اغتيال ابو العطا لمزيد من الدراسة والتحليل الهادف, لإسناد الكفاح الوطني الفلسطيني بمزيد من الرؤى التي قد تكون مغيبة, ولتجنب الأخطاء مستقبلاً, وعليه ستكون محاولة التحليل متواضعة ومقتصرة على ناحيتين أو ثلاث على أبعد تقدير.
أولاً: من ناحية ميدانية عسكرية... حيث شهدت جولة القتال الأخيرة مجموعة ملاحظات يجب تداركها ودراستها ضمن الهياكل التنظيمية المعنية, وهي :
- سرعة الرد على عملية الاغتيال, بإطلاق رشقات صاروخية, رغم صوابية استباق الزمن بالرد السريع, الا أن طوباوية مكان وقوع صواريخ المقاومة وبُعدها الجغرافي تجلى بشكل عشوائي, والأكثر نجاعة هو التدرج في البعد الجغرافي لوقوع القذائف مرهون بتطور الحالة الميدانية.
- عدم الانتقائية للأهداف العسكرية الصهيونية, أو وجود أهداف محددة ومختارة تتوفر القدرة على اصابتها.
- اقتصار الرد على اطلاق الصواريخ العشوائية, في حين تغيبت القطاعات أو الهياكل العسكرية الأخرى, كالمشاة ووحدات القنص, والتي كنا نشاهدها عبر وسائل الاعلام تصور قادة الاحتلال في بؤرة ومرمى نيرانها, أما القذائف المدفعية المتواضعة فلم تأخذ دورها المنوط بها, ان لم يكن لها دور قط.
ولقد استدللنا وعولنا على العقيدة القتالية لحركة الجهاد الاسلامي, وفرسان سرايا القدس, بأنهم سيخوضون جولة قتالية ناجعة, عبر استنزاف طاقات وقدرات العدو, من خلال استمرارية اطلاق الصواريخ على جنوب الوطن المحتل, بغض النظر عن عددها, مما يُبقي تلك الجبهة مصابة بالشلل ومعدومة الحياة بكافة المجالات الحيوية, مما يؤدي الى اضعاف جبهة العدو السياسية, واتخاذه قرارات ربما لم تكن في سلم أولوياته.
ثانياً: اسرائيلياً... استطيع القول بأن اسرائيل حققت مكاسب استراتيجية سياسية وعسكرية, في تعاملها مع واقع رمال غزة الملتهبة, وتجسد ذلك بقدرتها على تحييد كافة حركات الكفاح الفلسطيني, وأبرزها الجهة التي تدير غزة عملياتياً (حركة حماس), حيث نجحت الأولى بمنع دخول الثانية في المواجهة الأخيرة, واقتصارها على حركة الجهاد الاسلامي, فالمبدأ الاستعماري القديم " فرق تسد" حققه الاحتلال الاستيطاني الجديد, باستهداف حركة الجهاد وتجنب الفصائل الأخرى, لينئى بها بعيدا, وهذا الانجاز الاسرائيلي لم يكن ليتحقق, الا عندما خلقت اسرائيل وحلفائها ومساعديها ذوي اللسان العربي, البيئة والعوامل الملائمة لتدفع لسان حال الحركات السياسية الفلسطينية يقول في التأني السلامة وفي العجلة الندامة, بمعنى تقزيم القضايا الوطنية, وتعميق وتعظيم الشئون الحزبية, أي تفضيل مصالحها الذاتية والحفاظ على مكاسبها الراهنة بدلاً من الدخول فيما لا يحمد عقباه, تنفيذا للقاعدة الفقهية التي تقول "درء المفاسد خير من جلب المنافع" ان جاز التعبير.
المكاسب الاسرائيلية المُنجزة لم تكن بهذا القدر, فيما لو كان هناك عهد وطني فلسطيني بين كافة القوى الفلسطينية, محور هذا العهد الوطني مبدأ واحد لا غير, فحواه, أن اقدام الكيان الصهيوني على اغتيال أي شخصية فلسطينية يستوجب الرد الفوري بكامل الطاقات المتوفرة لدى الكل الفلسطيني, وعلى كافة الجبهات الميدانية والسياسية, وهذا قد يكون لبنة ضرورية على طريق استنهاض وبناء الوحدة الوطنية المفقودة.
أما لأصحاب الياقات البيضاء, أقول أن اليهود عبر تاريخهم, والاحتلال الاسرائيلي منذ وطأة قدمه الأرض العربية لم يتوانى في مرحلة من المراحل عن سياسة الاغتيالات, منذ زمن الرسول صل الله علية وسلم وحتى الوقت الراهن, فقديماً قدمت المرأة اليهودية زينب بنت الحارث بناء على طلب قومها الشاة المسمومة للرسول الكريم, ومروراً باغتيال القادة الفلسطينيين في لبنان بالقرن المنصرم, وصولاً للقائد ياسر عرفات, وأبو علي مصطفى, وأحمد ياسين, فلا تغرنكم التفاهمات والتعهدات والمطبلين أو الموقعين عليها, ولعل تداعيات الجولة الأخيرة التي عقبت اغتيال بهاء أبو العطا, سيمنح اسرائيل قدرأ أكبر من الجرأة والاقدام على تكرار الفعل في الأجل القريب على الأقل, ولا يغيب عن ذهن البعض أن المستوى السياسي له دور بذلك ,ولكن اليد الطولى تبقى لأجهزة الأمن الاسرائيلية وتقديراتها.
ثالثاً: البعد الشخصي.. حيث بات لزاماً علي أولاً.. ككاتب سياسي, ومتابع لتطورات الصراع الصهيوني العربي, وثانياً وما دار في خُلدي, أن أوجه رسالتي الى قائد سرايا القدس (خالد منصور" أبو منصور"), والذي تربطني به أواصر الدم والأخوة والعائلة, والذي استهدفته اسرائيل عدة مرات سابقاً ولم تنال من عزيمته على مواصلة درب رفاقه وفرسانه, والذي لم يكن يسقط سهواً أو اعتباطاً قيام أجهزة الأمن الاسرائيلية, بعرض صورته ممتشقاً سلاحه, على أنه قائد في المنطقة الوسطى بغزة الذي تم اغتياله في الجولة الاخيرة(بدلاًعن صورة الشهيد رسمي أبو ملحوس).
لقد تذكرت سنيين طويلة عبرت أمام ناظري وأنا أتداول الحديث معه, وهو في مقتبل عمله الجهادي, وأحاوره لعله يسلك طريقاً أقل وعورة, تلبيةً لنداء عمي لي, فأجابني بكلمات سقطت في أذني ولم تُقلع حتى بعد عقود, بقوله "وهل سأحيا وأعيش وأكبر لأحمل بطاقة الضغط والسكر متوجهاً لعيادة الوكالة لصرف علاجي".
عزيزي القائد خالد "أبو منصور" بعد الجولة الأخيرة وأسبابها وتداعياتها, أذكرك بقول الله العزيز القدير " هم العدو فاحذرهم, قاتلهم الله أنى يؤفكون"(المنافقون: 4).

اخر الأخبار