في الذكرى السنوية العاشرة لوفاة المناضل عبدالله أبو العطا

تابعنا على:   20:27 2019-11-26

رمضان عيسى

أمد/ في السابع والعشرين من شهر نوفمبر لسنة ألفين وتسعة عشر تحل الذكرى السنوية العاشرة لوفاة عبدالله حامد أبو العطا . فكلما اقترب هذا التاريخ , تشدني الذكرى لأبو عماد الانسان ، أبو عماد الفلسطيني حتى النخاع , أبو عماد الوطني بكل معنى الكلمة ، أبو عماد الاخلاص، الصدق، التفاني ، أبو عماد الثائر دوما على كل ظلم، أبو عماد المنتصر دوما للحقيقة، أبو عماد الواضح، الصريح ذو المواقف الثابتة ضد التزييف والتجهيل وضد الترهل الوطني داخل المعتقل وخارجه .
مرت عشرة أعوام على وفاة أبو عماد ، فلا يسعني الا أن أقول أنك يا أبا عماد لا زلت في الذاكرة .
ألف تحية الى روحك ياعبدالله أبو العطا ، يا مشعلا دائم الاٍنارة .

من عرف أبو عماد ، يعرف النضال عن قرب ، يعرف الثورة ، يعرف الاخلاص ، يعرف العزيمة ، يعرف الوضوح في الرؤيا ، اٍنه " عبدالله أبو العطا " .
في سبعينيات القرن الماضي ,عرفته في داخل معتقل بئر السبع، ذو السبعة أبواب ، حيث لا تستطيع الخروج منه اٍلا بعد فتح السبعة أبواب وبأمر مختلف ، سجن بئر السبع ذو الأسوار الاٍسمنتية اللوحية – كما اللوح - المنتصبة رأسيا ، والتي تعلوها لفائف من الأسلاك الشائكة على الجانبين الداخلي والخارجي ، وتنتشرعلى أسواره العديد من القُلب المسلحة على مدى الرؤيا ، على طول أسواره .
في داخل احدى غرف هذا المعتقل، عرفت عبدالله أبو العطا ، أبو عماد ، ذو الجسم البعيد عن الامتلاء ، والوجه الأقرب الى الربعية منه الى الطول ، يتوسطه شارب عريض ، ستاليني المظهر، صامت ، الى أن يسمعك ، واذا سمعك ، ووجد عندك بعضا من الأفكار ما يستوجب التعليق ، ينطلق كالسيل في تعليقه الذي يدل على عمق التجربة ، وعمق المعاناة ، وعمق الانتماء ، الذي قد لا يروق للبعض أحيانا ممن يحملون وجهة نظر مختلفة ، تنبع من انتماءات سياسية لها مواقف مغلفة بالعواطف ، أكثر منها بالتفكير العقلاني التسلسلي .
كان أسيف المظهر ، وبين ضلوعه الأسد الهصور ، الذي لا تلين له قناة في الصدام مع شرطة السجون طيلة فترة الاعتقال .
كان يرفض أى سيطرة على الشعب الفلسطيني ، ويؤمن باستقلالية القرار ، وعدم الخضوع أو التبعية لأى جهة خارجية عربية أو دولية ، لأن هذا من شأنه التأثير سلبا على القرار الوطني .
كان يؤمن أن الاحتلال يجب أن يُقاوم بثورة شعبية ، بقيادة بؤرة ثورية تسترشد بفكر سياسي ذو توجه ثوري استمراري ، يؤمن بأن للثورة أشكالا متعددة ، جماهيرية وعسكرية وسياسية واجتماعية ، أي لا تتوقف الثورة بعد ازالة الشكل العسكري للاٍستعمار .
كانت آراء المناضل أبو عماد هادفة الى التحرر الاجتماعي بكل أشكاله الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وصولا الى إزالة ظلم الانسان لأخيه الانسان .
كان مخلصا لاٍنتمائه الوطني والفكري ، ولا تثنيه الاغراءات أو التهديدات عن قول ما يعتقد أنه الصواب . حتى حينما كان مُدرسا قبل الاعتقال ، كانت له احتكاكات صدامية مع بعض الشخصيات البيروقراطية ذوي الآراء الجامدة اداريا وتربويا ، وكان لا يأبه بتوعداتهم له بالضرر استنادا الى السلطة القائمة آنذاك .

هذه هي روح أبو عماد ، دائما ، متمرد ، يرفض الخطأ ، متفاني في الدعوة الى التحرر من كل قيود الظلم الوطني والسياسي والاجتماعي والفكري .
أبو عماد كان منهجيا في التفكير، ويسترشد بالفكر الديالكتيكي الثوري ، لقد كان كتلة ثورية ديناميكية، له بصمات في كل المواقف التي تواجهه ، سواء بشكل فردي ، أو بشكل جماعي .

لقد كان أبو عماد ظاهرة نوعية أفرزتها المعاناة ، والتي تولدت من طبيعة الصراع الطويل الذي عاشه الشعب الفلسطيني ، وعاشه أبو عماد ، فكان دوماً متفاعلا مع الأحداث ، بصورة شخصية أو من خلال الحراك الحزبي الذي لم يفارقه طوال سنين حياته .

كان أبو عماد بعيداً كل البعد عن العشوائية ، كان أسير المنهاجية العلمية في التفكير ، كانت بوصلته التي لا يفارقها ، كان هاجسه الاٍنتماء دوما ، للحقيقة ، للوطن ، للطبقة الكادحة ، لفكر الطبقة الكادحة ، للعمال والفلاحين ، منتجي الثروة ، ودم الثورة الوطنية .

كان مشعلا دائم الانارة ، وكان يمزج الدعاية الثورية مع النكتة الهادفة ، كان جليسا لا يُمل ، عرفته في المعتقل ، وتمنيت أن أرافقه دوما ، بعد تحرره من داخل الجدران الرطبة ، كان يترك أثره دوما على كل من اقترب منه ، ولو لفترة قصيرة .
لقد رحلت يا أبا عماد ، ولم تتحقق طموحاتنا في التحرر والاستقلال ، وكم يحتاج الشعب الفلسطيني الى أمثالك ، لقد كنت ابن هذا الزمن ، وابن دوافع ونوازع شعب هذه الأرض ، ابن الهم الفلسطيني ، وفوق هذا عشت في غزة التي يقع عليها العبء الثقيل ، غزة التي تعيش كل يوم بيومه، ولا تعرف ماذا يخبىء لها الغد ، فكل الاحتمالات واردة ، والغيب لنا شبه حاضر ، وكل الاحتمالات أقرب الى المصيبة منها الى اللا مصيبة في ظل هذا الوضع التعيس ،بكل معنى الكلمة ، فالطوق على غزة ناري ويعيش أهلها على الوعود بتخفيف الحصار بعد سلسلة من الحروب المتقاربة والمتداخلة، والتي وصلت فيها صواريخ المقاومة الى العمق الاسرائيلي ، الى تل أبيب والقدس .
عشت في غزة التي تعيش حالة انتظار ضبابي قاتل بارد كالجثة ، ولكنه مليء بعذابات الحياة من كل نوع , مشحون بالأنانية الحزبية والتنظيمية القاتلة التي ترخي بسدولها على شعبنا ، كما ليل اٍمرؤ القيس . في انتظار انتهاء الانقسام بشكل فعلي ودون مهاترات اعلامية جانبية ، وفي انتظار انتهاء الحصار ، واعمار ما دمرته آلة الحرب الاسرائيلية الغاشمة .

أبو عماد الذي هاجمه المرض الذي ليس لجسمه السبعيني القدرة على احتماله ، ظل رغم ذلك حاضر النكتة , واضح الفكر ، متزن الكلمة , له عيون تقدح اٍصرارا على الحياة , وتمترسا بالمبدأ الذي تلاحم زمانه به حتى آخر خطوة وآخر نفس له على هذه الأرض .
لقد هزني رحيلك يا أبا عماد ،والآن , ومع اطلالة السنة العاشرة على رحيلك أحس بندرة أمثالك ، ولا أملك الا أن أقول :
أبا عماد ، أنت الغائب الحاضر ، دوما في الذاكرة الحية ، لن ننساك ....
"سيبقى مكانك شاغرا ".
لقد رحلت يا أبا عماد ، وتبعك في الرحيل رفيقنا ، ورفيقك ، شريكك في المبدأ ، شريكك في المعتقل ، رفيقك في النضال وشعلتها " الرفيق رمضان العصار – أبو الفهد " ... الذي هزنا رحيله في الخامس من نوفمبر لسنة ألفين وتسعة عشر ...
دامت ذكراكما على مر العصور .
 

اخر الأخبار