الحركة الإسلامية والوعي الوطني في الداخل الفلسطيني …

تابعنا على:   20:08 2019-11-25

د. رائف حسين

أمد/ الكلام عن الحركة الإسلامية والوعي الوطني في بلد  ما لا يمكن ان يكون موضوعي وواقعي دون الأخذ بعين الاعتبار ان هذا الحركات الإسلامية جزء من الإسلام السياسي الشرق أوسطي وبغالبيتها تكون شعبة من شُعَب حركة الإخوان المسلمين بالعالم… أي ان هذه الحركة الموقعيه ليست مطلقة اليد بالعمل ولا تنعم بحرية التفكير والتخطيط السياسي المطلقيين.

اخذين بهذه المعطيات ومستفيدين من الحقيقة ان الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، بشقيها الشمالي والجنوبي، هي جزء من حركة الإخوان المسلمين في فلسطين التاريخية والتي تتبع لها حركات أخرى في فلسطين المحتلة عام 67 …دون ان يعني هذا ان هناك ارتباط عضوي بين هذه الأجزاء الحركية… الارتباط روحي وايدلوجي والقاسم المشترك هو الارتباط التنظيمي في حركة الإخوان المسلمين العالميه…نقول بان الحركة الإسلامية بالداخل الفلسطيني جزء أساسي من المكون السياسي للاقلية الفلسطينية في اسرائيل وعامل فاعل مؤثر في اثارة الوعي الوطني وبناءه وصقله وتطويره بين الفلسطينيين.

أنا اعرف ان هذه الكلمات لا تلقى استحسان كم هائل من الوطنيين العلمانيين بالمجتمع الفلسطيني الداخلي وفي العالم العربي … لا بل اكثر من ذلك، الأغلبية من الوطنيين اليساريين تعتبر هذه الكلمات متناقضة… الديني لا يتساوى مع الوطني… وبفكر هؤلاء، وهو صحيح في اغلب الأحيان والمواقع،  الايدولوجية الإسلامية الإخوانية لا يمكن ان تكون عامل مؤثر بالوعي الوطني وصاقل له.

في الداخل الفلسطيني الامر مختلف ومختلف تماما … الحركة الإسلامية هي عنصر أساسي في اعادة اكتشاف وإنعاش الانتماء الوطني الفلسطيني لقطاع كبير من ابناء الشعب الفلسطيني في اسرائيل. هذا الانتعاش للحس الوطني والانتماء نتابعه في المدن المختلطة وعلى رأسهم مدينتي  عكا ويافا كما ونتابعه بوضوح في النقب وفي القرى البدوية في الشمال الفلسطيني.  في هذه المواقع بالتحديد فشلت، وعلى مرار عقود طويلة، الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل من ان تضرب جذورها هناك وتحافظ على الهوية الفلسطينية كما هو الحال في قرى الجليل والمثلث والناصره وغيرها … ووصل الامر في بعض الأحيان الى استسلام النخبة السياسية هناك لضياع الهوية الوطنية الفلسطينية لهؤلاء… هذه الحقيقة ممكن قراءتها في التعامل مع البدو في الماضي وحتى بداية الألفيةالجديدة.

الوضع الان مختلف تماماً … الوعي الوطني تشعر به وتراه بوضوح ان زرت النقب او عكا او يافا … نعم هنالك حركة دينية نشطة في هذه المواقع ومنها ومن داخلها ومن محيطها بزغ حس وطني ونمى إعادة لاكتشاف الهوية الفلسطينية .

البداية في اعادة الاعتبار للانتماء الوطني لم تأت عن تطور مباشر للوعي السياسي والعمل السياسي المنظم للقوى السياسية التقليدية بل أتى كنتيجة لاحقة لما يسمى "بالصحوة الدينية" هناك.  هذه الحقيقة جديرة حقاً بالدراسة من قبل علماء الاجتماع ومن قبل المنظرون السياسيون لندارتها في العالم الإسلامي وبين حركات الإسلام السياسي المختلفة.

الاستفادة الوطنية من الحس الديني لم تأتي برأيي عن طيبة خاطر للحركة الإسلامية وقياداتها… ولم تكن نتيجة مدروسة لخطة تعبوية وطنية أيدولوجية لمفكري الحركة ومهندسي سياساتها … وهي، أي الوطنية، بعيده عن الغايات وعن ألاولويات التي تنادي بها الحركة الأم، حركة الإخوان المسلمين.

الصحوة الوطنية التي نبتت من جذور دينيه  في بعض مواقع الداخل الفلسطيني تعود كما قلنا لفشل الاستراتيجية التعبوية التقليدية للحركات السياسية العلمانية وايضاً لوجود قيادات كارزماتية بحس وطني واضح داخل الحركة الإسلامية وخصوصاً في شقها الشمالي.

وهنا لا اقصد أبداً أشخاص جسدوا الكراهية بامتياز لكل ما هو غير سلفي مثل الحاقد العابث بالوحدة وألسلم الاجتماعي كمال خطيب الذي بشرنا قبل أيام ببداية اعادة بناء الخلافة الإسلامية من القدس  وامثاله من المصابين بالعمى الايدلوجي السلفي الذين يركزون بخطابهم على لباس المرأة وعذاب القبور وتارك الصلاة  بدل الإشارة الى حب الوطن والأرض كجزء من الايمان الحقيقي والدفاع عنهما…  انا اقصد اولا هؤلاء الذين بتصرفاتهم النابعة عن قناعة دينيه، كالشيخ رائد صلاح، هو وامثاله الطيبون فجروا بأعمالهم وتصديهم لتصرفات المؤسسة الصهيونية شعور بالوطنية وزادوا الاهتمام بالهوية الفلسطينيه عند قطاعات واسعة من ابناء الأقلية الفلسطينية في اسرائيل… وثانياً اقصد هؤلاء القادة الكرزماتيين من الحركة الإسلامية من أمثال الأستاذ مسعود غنايم الذي وضع انتماءه الوطني الفلسطيني فوق ايدلوجيتة الإسلامية وساعد بهذا في زيادة الوعي الوطني وبداية اكتشاف الهوية الفلسطينيه عند قطاعات واسعة.

ان الأوان ان نأخذ العبرة من هذا الواقع المفرح لنستنسخه في بلدان إسلامية أخرى وان الأوان ان ندفع اخواننا في فلسطين المحتلة عام 67 بإعادة نظرتهم وتقييمهم للعمل الوطني بين المكونات السياسية العلمانية والدينية هناك لما هو في مصلحة للوطن وأهل الوطن اجمعين.

اخر الأخبار