"عون" الشعب اللبناني

تابعنا على:   10:56 2019-11-16

د. محمود خليل

أمد/ تتبُّع خرائط تفكير بعض المسئولين العرب وانعكاساتها على الأداء أمر يثير العجب. وللمرء أن يسأل هل يؤدى المسئول العربي-وهو يؤدى- بوعي أو توقُّع لردود فعل الشارع.. أم أنه يفكر ويتحدث ويتصرف من وراء أبنية زجاجية تبالغ في عزله عن صوت الناس وفكرهم وتصوراتهم للأمور؟. حقيقة الأمر أن هذا النمط من المسئولين لا يستوعب التحولات السياسية التي شهدتها المجتمعات العربية مؤخراً والتي أصبحت الشعوب معها رقماً مهماً في المعادلة السياسية، وتراجع فيها دور الأحزاب والكتل والتيارات السياسية. هذه الحقيقة تنطق بها الأحداث التي تتفاعل داخل العالم العربي من الخليج إلى المحيط.

أقول ذلك بمناسبة اللقاء التليفزيوني الذي قدم فيه العماد ميشال عون رئيس جمهورية لبنان تصوره لما يشهده الشارع اللبناني من مظاهرات منذ بضعة أسابيع. كلام كثير تردد على لسان «عون» تحدث فيه عن الشارع الثائر الذى أصبح خنجراً فى ظهر الدولة، ومساهمة المظاهرات فى إضعاف مؤسساتها عبر ما يقوم به من مظاهرات، ثم سخّن لسانه أكثر فدعا المتظاهرين الذين لا يعجبهم أداء رئاسته إلى الهجرة إلى خارج لبنان. ردّ الشعب اللبناني على «عون» كان سريعاً فقد نزل إلى الشوارع ليعرب عن غضبه مما جاء على لسانه، وساد المشهدَ نوع من العصبية أدت إلى سقوط قتيل من بين المتظاهرين، ولاذ الكثيرون إلى مواقع التواصل ودشَّنوا وسماً على تويتر تحت عنوان «ما بدّى أهاجر» رد فيه بعض اللبنانيين الدعوة بمثلها فطالبوا الحكومة والمسئولين بترك لبنان!.

«عون» دعا المعارضين اللبنانيين إلى الهجرة ما داموا لا يرضون عن أداء الحكومة والرئاسة، ومن قبله خرج حسن نصرالله زعيم حزب الله مهدداً ومتوعداً، ومن قبله ظهر جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني عازفاً على النغمة نفسها، ما يعنى أن التهديد أصبح خطاً متصلاً بين العديد من المسئولين اللبنانيين. وهو خط يصلهم بالعديد من المسئولين المشابهين داخل دول عربية أخرى. فكلما غضب مسئول عربي على معارضيه أو منتقديه سواء من المعارضين أو المواطنين العاديين نادى فيهم بالهجرة وترك البلاد ما دام لا يعجبهم الوضع فيها!. ولست بحاجة إلى تذكيرك بما يؤشر إليه هذا الكلام من وجود شعور لدى هذا النوع من المسئولين بأنهم أصحاب البلد ومالكوها والمتصرفون في أمور أهليها، وما يحمله من عدم وعى بالتحولات السياسية الآخذة فى التفاعل داخل الشوارع العربية والتي تؤكد الحضور الملحوظ للبشر العاديين وإصرارهم على المشاركة فى صناعة القرارات التي تمس معيشتهم.

ومما يزيد العجب أن التجربة تقول إن العديد من المسئولين الذين تتردد على ألسنتهم «أحاديث الهجرة» لا يجيدون في مواقع مسئوليتهم. جبران باسيل على سبيل المثال كان وزيراً للكهرباء وفشل فى حل أزمة الكهرباء التي يعانى منها الشعب اللبناني، ناهيك عن عجز الحكومة ككل عن معالجة مشكلة البطالة وضعف مستوى الخدمات بشكل عام وارتفاع أسعارها بصورة دفعت المواطن إلى الخروج. وإن تعجب فعجبٌ دعوة أمثال هؤلاء المسئولين الذين يدعون الموجوعين بأدائهم الضعيف إلى الهجرة من أوطانهم!.

عن الوطن المصرية

كلمات دلالية

اخر الأخبار