دحلان في دائرة الاستهداف: شُبهات وألغاز وتساؤلات أخرى!!

تابعنا على:   18:19 2019-11-09

د. جهاد يوسف

تبدو الساحة الفلسطينية اليوم مشغولة بالحديث عن الانتخابات القادمة، وفرص التنافس القائمة بين الفصائل على عضوية المجلس التشريعي. وفيما نحن وسط هذه الأجواء التي تبعث على الارتياح والتفاؤل، أخذتنا بعض وسائل الإعلام العربية بعيداً عبر توجيه الاتهامات والانتقادات المختلفة للنائب محمد دحلان!! السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي دوافع ودواعي هذه الحملة من جهة توقيتها، وهل هناك تخوف أن يشكل دحلان وتياره الإصلاحي حضوراً غير مرغوب فيه لدى بعض الأطراف السياسية في المنطقة، ولذلك تبدو هذه الحملة كخطوة استباقية لإلباس الرجل عباءة الشيطان، وحرمانه من أخذ موقعه في مشهد الحكم والسياسة الفلسطيني القائم؟ في الحقيقة، إن ما يثير الاستغراب والتساؤل هو حجم المبالغة والتهويل في قوة الرجل وقدراته!!

والسؤال الذي يفرض نفسه كشوكة في الحلق: هل فعلاً أن محمد دحلان يمتلك كل هذا التأثير والنفوذ لتصل سطوته لتشكيل خطر أو تهديد لبعض أنظمة وحكومات دول المنطقة؟! وهذا يسوقنا للتساؤل الاستفهامي: ما هي أوراق القوة التي يلعب بها النائب دحلان لتبعث بكل هذا القلق والمخاوف لدى جهات عربية وإسلامية بعينها؟! وبغض النظر عن كل ما يقال اليوم عن الرجل في سياق الشيطنة، فإن حضوره في الشارع الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة وبين الشباب واضح للعيان، من حيث المساعدات التي تقدمها المؤسسات التابعة له في القطاع، والتي ترعى اهتمامات الشباب وحاجاتهم، وسجَّلت مواقف لا يمكن تجاهلها في إطار العمل الإغاثي والصحي والاجتماعي والإنساني، وهي تستحق الشكر والتقدير للرجل الذي سخَّر علاقاته ومناشداته من أجل توفيرها.

لا شك أن الساحة السياسية والأمنية في المنطقة مليئة بالتوتر والتحالفات، ولكلٍّ أدواته وسيوفه الإعلامية للتشهير والتحريض والتشويه، ولا أحد يُقدم لنا الدليل والبرهان على ما يوزعه من اتهامات أو ادعاءات تجعلنا نرد عليهم بالقول: إن "البيّنة على من ادَّعى"، فنحن كشعب مهيض الجناح جرَّاء الاحتلال والحصار والانقسام لا نقبل التسليم بكل ما يقال على عواهنه. ففي سياق حملات التشهير الإعلامي بين الجهات المتصارعة في المنطقة، أصبح اليوم دحلان (ابن مخيم الأمل بخانيونس) وبقدرة قادر طرزان الغابة العربية، وسوبرمان الزمان الذي لا يُشق له غبار، والرجل الوطواط (Batman)، ولورانس العرب، والسندباد البحري...الخ!! لا شك أن دحلان هو شخص ذكي وله كاريزما شعبية بين الشباب، ولكنه بالتأكيد ليس كل ما ذكرناه؛ لأن واقعه أشبه بحالة اللاجئ السياسي، الذي يعيش في مكان جغرافي منحه الإقامة والمثابة الأمانة، بعد أن سدَّت السلطة الفلسطينية في وجهه مساحات التحرك البرلماني والعمل السياسي لخلافاته مع الرئيس محمود عباس. قد لا نحتاج إلى كثير من الذكاء والفطانة السياسية والتحليل للقول بأن تواجد دحلان في الإمارات؛ الخصم اللدود لقطر وتركيا، هو أحد الأسباب وراء هذه الحملة الإعلامية الشعواء، وربما كانت أيضاً حدة العداء بينه وبين الرئيس (أبو مازن) سبباً آخر، ولكن ما ذنب الفلسطيني المسحوق معيشياً والمرهق سياسياً من تعكير مزاجه بمثل هذه الحملات المغرضة أو ما يتناقض معها في فضاءات إعلامية أخرى!! 

النائب محمد دحلان في المشهد الفلسطيني هو فاعل سياسي وإنساني وقيادي لجناحٍ من حركة فتح، والرجل له مشواره النضالي الطويل داخل الحركة، وقد يحظى بنفس النسبة من الأصوات التي قد يحصل عليها الرئيس (أبو مازن) داخل حركة فتح، بحسب استطلاعات للرأي جرت مؤخراً. نعم؛ في سياق الخصومات السياسية لا يمكن إنكار أن الرجل له وعليه، فهو شخص مشاكس ومتنمر في أوساط لا تتقبل الصوت المعارض، وسياسة الإقصاء والعقاب هي ديدنها، حيث لا مكانة في حضرة الفرعون إلا للسحرة والمسحجين!! إنّ الذي يدفعنا للاستغراب وطرح التساؤلات هو توقيت هذا الاستهداف الإعلامي، حيث نقف على أبواب استحقاق انتخابي تحتاج فيه كل الأطراف المتنافسة لتوظيف كل ما لديها من إمكانيات مالية وإعلامية لضمان نجاح مرشحيها في الانتخابات. إن هناك شبهات تضعف الرواية الإعلامية لتلك القنوات التي طالت النائب محمد دحلان؛ لأنها جاءت من أماكن وشخصيات بعينها، ولم تتناولها وسائل الإعلام الفلسطينية غير الرسمية، ولم تأت على ذكر شيءٍ منها، وهي الأكثر دراية بمكة وشعابها. أرجو أن يتركنا الآخرون لتسوية أوضاعنا السياسية بأنفسنا دون تدخلات قد تُفسد ما نطمع في تحقيقه من استقرار سياسي، عبر بوابة الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. دحلان والمشهد الانتخابي!! في اللقاء الذي أجراه النائب محمد دحلان مع عمرو أديب على قناة (مصر- (MBC ، بتاريخ 3 نوفمبر 2019، والذي تحدَّث فيه حول رؤيته للانتخابات، وقال كلمة في السياق الوطني تجمع ولا تُفرق، باعتباره على رأس قيادة التيار الإصلاحي لحركة فتح، والذي أشار فيها إلى عدة نقاط وجدت من المفيد عرضها والتعليق عليها، وهي كالتالي: - إذا جرت الانتخابات فإن من حقي الترشح في المكان الذي أريده، ولكنَّ ممارستي لهذا الحق مسألة أخرى.

- سأقاتل من أجل أن يكون هناك نظاماً فلسطينياً قائماً على الشراكة السياسية، وسأدفع بهذا الاتجاه باسم التيار الإصلاحي في فتح. - نحن في التيار نرفض الخروج من حركة فتح؛ لأنها ليست حكراً لأحد؛ لا لفرد ولا لعضو لجنة مركزية ولا لرئيس ولا لحركة، فهذا الانتماء هو حق اكتسبناه بنضالاتنا، ولا أحد يملك انتزاع هذا الحق منا. - نحن طرحنا فكرة وحدة حركة فتح من جديد على قاعدة الشراكة أولاً، وأن نُعطي الكوادر الشبابية الحق في اختيار من سيترشح من القادة في القوائم الانتخابية، وهذا سيكون شرط لنا حتى لا تتم مساواة "الحرامي والفدائي" بنفس المستوى. - شخصياً؛ ليس لدي أي مطمح شخصي لا في قوائم ولا في انتخابات، ولكن هدفي أن تستعيد حركة فتح كرامتها. - أنا اليوم جزء من تيار إصلاحي له جمهوره العريض، وله آلاف المشاركين في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان والخارج، وبالتالي لم يعد القرار خلاف بيني وبين الرئيس (أبو مازن)، الآن هناك تيار لديه مؤسسات هو سيأخذ القرار. - أنا لا أريد أن أترشح، ولكن أريد أن أرى جسماً سياسياً متماسكاً له تأثيره في الحياة السياسية الفلسطينية، وأن يكون رافعة للنظام السياسي الفلسطيني وليس عبئاً عليه كما هو الواقع الآن، وبالتالي كل هذه الإجراءات والقرارات ستؤخذ مع قيادة هذا التيار، وبمساهمة من كل أعضائه، فلن يكون القرار فردياً، حيث عانينا من الفردية، وبالتالي لا أستطيع أن أكرر هذه الفردية في التيار. هذه النقاط استدعى ذكرها أبعاد الحالة السياسية المترهلة، والتي تتطلب خطاباً وطنياً بامتياز، يتجاوز الفردية والفصيل إلى السياق الجامع الذي ينسجم مع فلسفة الثائر الجزائري الشيخ عبد الحميد بن باديس بتعبيره الخالد: "الحقُ فوقَ كلُّ أحدٍ، والوطنُ قبلَ كلُّ شيء".

نعم؛ قد يتقف الشارع أو يختلف من النائب محمد دحلان لمواقف من الماضي شكلت لغة المدافعة والتلاحي بين الخصوم السياسيين، والتي سمحت للبعض توجيه اتهامات للآخر بالعمل خارج السياق الوطني!! وحيث إننا لم نتعود المعارضة السياسية إلا بطعنات العمالة والخيانة، فإن التنافس السياسي تحول إلى عدوات ومفردات إقصائية جارحة "إما أنا أو أنت!!". ولهذا تعكرت علاقاتنا السياسية بالتعبيرات الإعلامية التي لا تُبقي ولا تذر، حتى فقد المشهد الفلسطيني علامات وطنية مسجلة؛ لأن الاتهامات التي تبادلناها - بحماقة وتهور - أخذت طريقها لمشهدنا الفلسطيني والعربي والإسلامي، وهذا - للأسف - كان إساءة لحالة شعب الجبارين وتضحيات رموزه النضالية منذ أوسلو وتداعياتها الكارثية على الشعب والقضية.

ختاماً.. أرجو أن تتركوا للشارع الفلسطيني أن يقرر من يمثله ومن يقوده، ولا تفسدوا علينا عرساً انتظرناه طويلاً لإصلاح ذات البين داخل بيتنا الفلسطيني، ولا تجعلوا من دحلان شماعة لتصفية صراعات إقليمية ليس لنا فيها كفلسطينيين ناقة ولا جمل. نحن الفلسطينيين قلنا لإخواننا العرب والمسلمين لا تحرفوا بوصلتنا وتدفعونا إلى معسكرات وأحلاف لن تخدم قضيتنا الوطنية، وإننا نرغب أن نكون على مسافة متساوية من عمقنا العربي والإسلامي، فالقضية الفلسطينية هي قضية الأمة المركزية، ولا يجدينا نفعاً أن تتقاسمنا الأطراف الإقليمية لنكون أذرعاً لها؛ لأن ذلك معناه أن نهدم كل ما رسخناه دينياً وسياسياً وأمنياً في أذهان أجيال من أمتنا بأن فلسطين هي أم القضايا، وهي أية في القرآن، ويتحمل مسؤولية تحريرها كل أبناء هذه الأمة، وما نحن إلا رأس النفيضة وسهم البوصلة، حتى لا تفقد شعوب الأمة حماسها وتضل عن القدس السبيل.

كلمات دلالية

اخر الأخبار