الطائفية خراب الأوطان ...!

تابعنا على:   22:59 2019-10-21

مصطفى إنشاصي

أمد/ سأكتب عن الطائفية دون الخوض في التفاصيل الداخلية التي تحدث في بعض أقطار وطننا منذ سنوات، سواء تلك الأقطار المؤسسة دستورياً على الطائفية ونظام الحكم فيها يقوم على المحاصصة الطائفية، أو تلك التي غلب عليها الطابع الطائفي في المرحلة الحالية، أو تلك التي بدأت تتسلل إليها الطائفية عبر نمو نزعات مذهبية قديمة خلطت المذهب بالسياسة، أو نتيجة حدوث تحولات مذهبية لدى بعض أبنائها لأسباب متعددة، غالبها تأثيرات تنظيمية سياسية ارتزاقية وخاصة في فلسطين! فالطائفية أصبحت مرض خطير ينخر بنائنا الاجتماعي ووحدته المجتمعية المتماسكة طوال قرون، وتؤذن في بعض أقطارنا بتغيرات اجتماعية سلبية تهدد علاقاتنا ونسيجنا الاجتماعي، في وقت يفرض على جميع طوائف الأمة أن تجمد تناقضاتها الداخلية وتتوحد في وجه عدوها الخارجي!

الطائفية تنمو برعاية خارجية
لا يخلو مجتمع من اختلاف ديني أو مذهبي أو عرقي أو سياسي أو فروق طبقية اجتماعية أو اقتصادية ... لكن تحويل أياً من تلك الاختلافات إلى حالة طائفية تحكم علاقة الطائفة بغيرها من الطوائف، ويستغل فيها كبراء وسادة وزعماء الطوائف عامة أبناء الطائفة لتحقيق مصالحهم العائلية أو الشخصية، ويجعلوا من اتفاقهم على تقاسم المصالح ونهب ثروات الوطن أساساً لاستقرار الوطن على صفيح ساخن يمكن أن يشتعل في أي لحظة، ويكون وقوده عامة أبناء الطوائف المشتركون في الفقر والمعاناة والحرمان والشقاء، والذين على أكتافهم يقوم الوطن، ويثقل كاهلهم زعماء طوائفهم بمزيد من الضرائب ليتنعموا بها وبثروات الوطن! تحويل الطائفة إلى حالة طائفية أبناء الطائفة المسحوقين هم الذين يصنعونها بأيديهم وهم أول من يدفع ثمنها، بإعلاء مصلحة كبراء وسادة الطائفة على مصلحة اﻷمة والوطن!
ومن مساوئ الطائفية أن الطائفة في وطنها قد يستغلها زعمائها المتعصبين الانتهازيين الطامحين لمزيد من السيادة والمال والشرف إلى أداة لتحقيق مصالح امتدادات الطائفة الخارجية، ويحولونها إلى أقلية غريبة في وطنها تعيش حالة عداء وتناحر وصراع قد يتحول إلى دموي لصالح مصالح الامتداد الخارجي للطائفة، وغالباً لا يكون لهم فيه ناقة ولا جمل فقط تلاعب بمشاعرهم وعواطفهم واستثارة حماستهم الطائفية لتخريب أوطانهم لصالح تلك الجهة!
والأخطر أن تتحول الطائفة إلى أداة في يد الغرب والعدو الصهيوني ليخترق بها مجتمعنا خدمة لمصالحه وتحقيقاً لأمنه، كما يحدث في كثير من أقطار وطننا اليوم، فالغرب عمل على تكريس الطائفية في وطننا والاستفادة منها سياسياً لاختراق وطننا وتحقيق أحدافه منذ قرون مضت وليس حديثاً فقط، فمحاولات الاختراق لديننا ومجتمعنا بدأت منذ عهد رسول الله صلَ اله عليه وعلى آله وسلم، بمحاولة اتصال قيصر الروم بأحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ورفض ذلك الصحابي عرض قيصر الروم. وحاول الروم استغلال الخلاف بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان، وأرسل لكل منهما رسالة خاصة يعرض عليه دعمه ضد الآخر، ورفض كلاهما العرض.
ولكن أثناء الحروب الصليبية للأسف تطوعت بعض الطوائف في وطننا لمساعدة بعض الحملات الصليبية ضد وطننا، وسخرت من نفسها خادمة له ضد شركائها في الوطن، فسهلوا لتلك الحملات النزول على شواطئهم، وأراضيها لتقيم عليه، وكانوا أدلاء لجيوشهم في أرضنا التي يجهلونها ...
ولم تتوقف محاولات الغرب استغلال بعض الطوائف في وطننا لتحقيق اختراق فيه، فقد قام بتحريض ودعم تمرد بعض الأقليات الطائفية في وطننا لزعزعة استقرار الوضع الداخلي في الدولة الإسلامية العثمانية منذ القرن السابع عشر، فقد دعم حركة (فخر الدين المعني والشهابي) في لبنان للاستقلال، ولكنها فشلت لقوة الدولة العثمانية آنذاك! واستمر الغرب بالتأسيس لاستغلال الطائفية في وطننا لتدمير وحدته واحتلاله، فسعى إلى استغلال الامتيازات الأجنبية التي منحتها الدولة العثمانية أيام قوتها لبعض الدول الغربية، وكانت امتيازات تجارية واقتصادية وسياحية في بدايتها، وبدأت تستغل تلك الامتيازات مع ضعف الدولة العثمانية وتحولها إلى امتيازات سياسية، وحقوق لرعاية بعض الطوائف في وطننا تحت ذرائع كثيرة تمهيداً لتحريضها ودعمها للاستقلال عن الدولة العثمانية وتفكيك وحدة الأمة والوطن!
ولم تتوقف محاولات استغلال الطائفية في وطننا أو بعض الطامحين في الملك والسلطة والسيادة، فبعد فشل حملة نابليون على الشرق الإسلامي استغلت فرنسا من خلال أحد ضباطها الذي ساعد محمد علي في تأسيس جيش عصري وأشرف على تدريبه وسهل له شراء الأسلحة من فرنسا، إلى استغلال طموح محمد علي باشا ضد الخلافة الإسلامية والقيام بحملته على بلاد الشام والحجاز، التي انتهت بفتح باب التدخل الغربي في الدولة العثمانية واسعاً مقابل دعمها ضد محمد علي، وهكذا تحولت بعض طوائف وطننا رعايا محليين لبعض دول الغرب الطامع في وطننا، وانتهَ الأمر إلى ما أصبح معلوماً للجميع ... لذلك لا أمان لوطننا إلا باجتثاث الطائفية!

الطائفية قرين الاستبداد
قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ) (القصص:3)! نفهم من الآية الكريمة أن الطغاة والمستبدين هم الذين يقسمون ويفرقون وحدة الشعب إلى شيع وطوائف ليسهل عليهم السيطرة عليهم وقمعهم وحكمهم واستعبادهم، ونظرية (فرق تسُد) الرومانية مشهورة، فالطائفية قرين الطغيان والاستبداد ونتيجتها الظلم والفساد، والطائفية تهدد وحدة المجتمع بل هي ضد وحدته، حتى لا يواجه اسبداد المستبد ويقاوم ظلمه متوحداً!
كما أن المقاومة والطائفية لا يجتمعا معاً، لأن الطائفية أياً كان سببها عدو للمقاومة، فالخلافات بين طوائف المجتمع الذي تفرض عليه ظروف خارجية في مرحلة ما المقاومة تنعكس أثارها على موقف المجتمع منها، ويختلف بين مؤيد ومعارض ومتآمر مما يضعف تلك المقاومة! حتى وإن اتفقت الطوائف في مرحلة معينة على شرعية المقاومة إلا أنه سيأتي وقت تتقدم فيه المصلحة الطائفية على مصلحة الوطن، وتهدم وتخرب كل ما بنته وحدة الطوائف في مرحلة ما، لأن مصلحة الوطن تتعارض مع مصلحة زعماء الطائفة، وليس عموم أبناء الطائفة الذين تشترك مصلحتهم مع عموم مصلحة أبناء الوطن من الطوائف الأخرى!
كما أن قيام مصاصي الدماء سواء الحكومات الطائفية أو زعماء الطوائف والأحزاب المشاركة في الحكومة بإرهاب المتظاهرين ضد فسادها باتهامهم أن مَنْ يحركهم الجهة أو الحزب كذا (أعداء) طوائفهم، وذاك الحزب متهماً في الثقافة المجتمعية الطائفية والحزبية في مرحلة التظاهر بأنه عدو للوطن، ذلك يعني أن الحكومة القائمة على المحاصصة وزعماء تلك الطوائف وأحزابها يُصرون على تكريس الطائفية، وشرذمة الوطن، لحماية أنفسهم من المحاسبة ومواصلة فسادهم وامتصاص دماء أبنائه وتجويعهم، ولمزيد من نهب ممتلكاته وثرواته التي هي ملك لجميع أبناء الوطن، لأنهم يدركون أن انتفاضة الشعب بكل طوائفه وإن غلب على المتظاهرين طائفة بعينها، تعني وحدة الشعب ووحدة أهدافه ووحدة مطالبه لا تتحقق إلا بسقوط الطائفية!!!
 

اخر الأخبار