في العراق ولبنان.. البيت الشيعي أكبر من زوبعة وأقل من ثورة

تابعنا على:   17:07 2019-10-20

صالح عوض

أمد/ هل يشهد البيت الشيعي ربيعا جديدا كما حل بالمجتمعات العربية الأخرى.. الى أين يتجه هذا الحراك داخل البيت الشيعي.. من الضروري التأكيد قبل بداية الحديث أننا لا نؤمن بالتوزع الطائفي وإننا نرفض التجزئة بكل ألوانها وان استخدامنا للألفاظ الطائفية إنما لوصف ما هو قائم حالا مع استنكارنا له..

اختلط السياسي بالطائفي والعرقي بالمذهب فتعقدت المسألة وأصبحت محاولة تفكيكها أقرب في تخيلها إلى تفكيك عبوات ناسفة موقوتة يخشى المرء ان تنفجر فيه قبل السيطرة عليها.. وزاد التعقيد عندما دخل الأجنبي بدهائه وخططه لترتيب أولويات مجتمعاتنا من خلال أدواته في بلادنا وذلك لتحقيق التنازع المستمر والذي قد  يتطور ليصبح الوصفة السحرية للتدمير الذاتي.. ومع أن المسلمين يعتنقون دينا يرفض العنصرية العرقية والتعالي على عباد الله ولذا عاش اليهود والمسيحيون بين ظهراني الأمة بسلام وتعاون قرونا طويلة.. فما بال الأمة وقد أصابتها الشحناء في شروخ الاختلاف المنطقي والموضوعي في اجتهاد علمائها وتنوع أفهامهم  فإذا بها تتبعثر وترتفع شعارات طائفية يستخدمها العدو ويطورها ويجعلها خناجر قاتلة في أواصر الأمة ونسيجها الاجتماعي.. ولقد حملت العقود السابقة حضور للشيعة في المشهد السياسي الإقليمي و ساعدتهم ظروف على الظهور الى السطح في ظل تحرك نحو توحيد الشيعة في مشروع سياسي واحد.. وهنا حصل الاحتكاك والتوتر في الأمة ومن هنا انفجرت المشكلات عنيفة ليس اقلها ان يرفع شيعة رايات يكتب عليها يا لثارات الحسين فيما هم يقتحمون مدينة الموصل الحضارية ويدمرونها.. فهل يمكن الخروج من الورطة؟

العراق يهزم المشروع الطائفي:

حلت بالعراق موجة من أخطر موجات  الاستبدال السياسي وأعنفها بما عرف اجتثاث البعث وحل الجيش الوطني وفي عملية مكارثية تمت تصفية مئات الضباط والقيادات العراقية بحجة الانتماء لحزب البعث في محاكمات صورية و أحكام مسبقة واعتقال مئات الآلاف على فترات متلاحقة في ظروف أشبه ما تكون بأساليب النازية وتمت فيها اختراقات لكل الأعراف الدولية وانتهاك للقيم الإنسانية وتم تهجير ما لا يقل عن 5 مليون عراقي من عرب العراق وتم تدمير مدن سنية بالكامل كان الموصل أشهر تلك المدن وتم قتل مئات العلماء في الفيزياء والكيمياء وسوا ذلك واشترك في القتل عدة أطراف بروح ثأرية.. وفي ظل هذه العملية القسرية الرهيبة تم استبدال الحكام والطبقة السياسية حيث شكلت الأحزاب الدينية المعادية للنظام العراقي والتي كانت تتخذ قياداتها من لندن او واشنطن او باريس او طهران مقرا لها..

فكانت واحدة من أخطر عمليات استبدال النخبة وتم ذلك بإشراف مباشر من قبل الأمريكان الذين وضعوا دستورا "دستور بريمر" الذي كرس الطائفية السياسية وفي ظل تخرصات وادعاءات بدأ الحديث عن نسب الطوائف في العراق وهنا دخلت الطائفية السياسية الوافدة لعبة في منتهى الخطورة عندما عزلت الأكراد وهم سنة في شبه دولة ولم تعد تحسب حجمهم من ضمن سنة العراق ورحلت ملايين السنة فأسقطت حساباتهم من القوة الانتخابية في العراق واستجلبت من غير العراقيين اعدادا كبيرة تجنسهم لتحتمي بهم طائفيا ثم قدمت معلومات مغرضة عن نسب الطوائف لتكرس في الذهن كلمات "بريمر" الذي أشار إلى ان غالبية سكان العراق شيعة و مع ان هذا محض افتراء إلا انه أيضا كان يخدم توجها محددا ذلك بان تصبح الدولة العميقة مكونة من العملاء والموالين للأجانب الذين تلقوا تربية خاصة في العواصم الأجنبية.

كانت هذه هي الطبقة السياسية التي بدأت تتشكل مع غزو أمريكا للعراق وانتشرت كالسرطان في مؤسسات البلد وقامت بما يحقق لها التمكن التام.. وضمن السياقات المرسومة لها قامت بتدمير قوى البلد واستنزاف ثرواته وهدر أمواله والتضييق على الشعب لاستخفافه وإهانته وجعله مهمشا وتمكنت هذه القوى بالتعاون مع الأطراف الأجنبية من اختطاف نصر العراقيين على الغزو الأمريكي حيث كانت الفلوجة والانبار عاصمة المقاومة العراقية ومعها كل المحافظات العراقية شمالا ووسطا وجنوبا.. لم يستطع العراقيون الثوار ان يشكلوا إطارا سياسيا لمقاومتهم العظيمة حيث فقدوا أي إسناد خارجي فكانت فرصة الحكام الجدد في حرف المسيرة والزج بالمدن العراقية التي معظم أهلها من السنة في لعبة اختراق الدواعش وذلك للقضاء المبرم على حضور العراقيين العرب السنة نهائيا فكانت لعبة الدواعش في العراق والتي انتهت بتدمير مدنا تاريخية عريقة كالموصل.

لم يكن العراقيون العرب الشيعة في منأى عن الحراك القسري  بل اظهروا في اكثر من مرة رفضهم وإنهم يصرون على الوطنية العراقية وإنهم وإخوانهم السنة شعب واحد عرب مسلمون وتعددت مظاهر الاحتجاجات ولكن القمع الرهيب كان هو جواب الحكومات المتلاحقة كما حصل في البصرة والنجف وكربلاء..

و في اللحظة التي اطمأن فيها الحكام الجدد ان مناطق السنة قد خمد فيها أوار المقاومة انبعثت الثورة قوية في مناطق العرب الشيعة مطالبة بخروج كل الأجانب وإسقاط الحكم الطائفي ومحاكمة اللصوص الذين أهدروا 1500 مليار دولار ودمروا الجيش ومكنوا للأجانب من رقاب العراقيين.. ولا زالت هذه الانتفاضة قوية تتحرك نحو أهدافها.

في لبنان سطوة الأحزاب الشيعية:

في هذا البلد الفيسيفسائي تظهر أمراض الطائفية بشكل أكثر شراسة حيث ان الطائفة في لبنان هي الوطن وحركة كل حزب قائم في لبنان لا تتعدى خطوط طائفيته ومن هنا كان تكريس الطائفية السياسية وأدوارها ورقة بيد القوى الخارجية فأيها يتلقى دعما أكثر وإمكانات أكثر يفرض نفسه على الساحة أكثر وفي هذا الإطار كان الاختراق الصهيوني والأمريكي والفرنسي والسعودي والإيراني ليصبح البلد شذرا مذرا.. ومن هنا بالضبط يقع اللبنانيون السياسيون وفي إطار الحسابات المؤقتة الخاطئة في مطبات الاستقواء الطائفي المدعوم من الخارج..

 لم ينس البيروتيون كيف احتلتهم مليشيا حزب الله بالسلاح ولا ينسوا كيف ان آمل احتلت بيروت الغربية وقمعت الأحزاب اللبنانية في الحركة الوطنية.. ويسجل اللبنانيون الآن كيف امتدت سطوة حزب الله وحركة أمل على مقاليد البلاد الأمنية ويسجل اللبنانيون السنة انه ممنوع عليهم التواجد بالسلاح كفصائل مقاومة حصرت في طائفة معينة بما لها من علاقات إقليمية.. ويعرف اللبنانيون ان إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان افقد الساحة اللبنانية عنصر التوحيد الحقيقي والناظم لحركة معظم مكونات المجتمع اللبناني فلقد كانت المقاومة الفلسطينية بما تحمل من رمزية وقضية جامعة تضم اليها القوى اللبنانية السنية والشيعية والدرزية وتفتح للجميع أبواب المواجهات مع العدو في غرفة عمليات مشتركة وفي معركة مفتوحة لا تنتظر إذنا من الممول الأجنبي والإقليمي.. فكان وجود المقاومة الفلسطينية عنصر الاستنهاض الوطني والقومي والإنساني بعيدا عن التقوقع الطائفي كما هو حاصلا الان..

منذ تكريس اتفاقية الطائف أصبحت طوائف لبنان دولا في البلد تتوزع المواقع والمناصب والجغرافيا وأصبحت الدولة خاضعة لميزان القوى بين الطوائف المتقلب.. وكان للمقاومة اللبنانية الشيعية في حرب 2006 وما بذلته من بطولة في مواجهة الغزو الإسرائيلي دورا كبيرا في كسر الجمود الطائفي حيث اعتبر اللبنانيون جميعا ان المقاومة تعبر عنهم وهذا بالفعل ما كان قائما ولكن المقاومة لم تصمد كثيرا فانهمكت في اللعبة السياسية الداخلية والانتخابات داخل الوعاء الطائفي فأصبحت احد ألوانه وكان للازمة السورية دور كبير في امتعاض اللبنانيين من الأدوار الإقليمية لحزب الله الذي بدا للبعض ان له وظائف أخرى لا تخضع للإجماع اللبناني عندما بدأت منابره الإعلامية منهمكة بقضايا الشيعة في الإقليم في اليمن والبحرين والعراق والأفغان والباكستانيين بمعنى انه تحول الى عنوان لتجميع الشيعة العرب والعجم.. ومن هنا منذ 2006 أي بعد عشرين سنة بلا مواجهات مع العدو الصهيوني رغم ان الشعب الفلسطيني يخوض معارك يومية ضد الاحتلال الصهيوني والعدو الصهيوني يصعد عدوانه ضد فلسطين وسورية الا ان الحزب يبدو عليه انصرافه الى قضايا سياسية داخلية وإقليمية أخرى.. انخرطت القوى السياسية اللبنانية جميعا في المناكفات الطائفية لتغطي اخطر عملية نهب لثروات البلد و الضغط على المواطن وقهره ودفع ملايين اللبنانيين والفلسطينيين الى الهجرة الى خارج لبنان ويكفي ان مزبلة بيروت منذ عدة سنوات هي الوحيدة التي تشهد نموا مضطردا.

انتبه الشعب اللبناني لاسيما الشيعة لخطورة ما يحصل وانتفضت قرى ومدن لبنان ضد الطائفية السياسية وضد زعاماتها مسلطة الضوء على هيمنتها وفسادها.. فكانت بحق واحدة من أعظم المظاهرات والحراك الذي قد يصل الى لحظة القطيعة مع الطائفية السياسية.

الاستنتاج:

أي مواجهة لتغول الطائفيين السياسيين في العراق او لبنان لم يكن مكتوبا لها النجاح ان هي انطلقت من أي موقع آخر.. ذلك لان هؤلاء الطائفيون يتدثرون بغطاء الطائف ويرفعون شعارات الحسين وزينب في كل مؤامرة يقومون بها.. فكان لابد من حراك في داخل طوائفهم يعريهم ويسقطهم من جهة ويقوم بتجسير العلاقة مع مكونات المجتمع الأخرى من جهة ثانية..

ما حصل في العراق ولبنان هو حراك كبير ولكن يبدو انه لايزال في بداية الطريق لان تكسير قوانين الطائفة التي تتغذى على التخلف والجهل والعمالة تحتاج دفقات جديدة أكثر نضجا وتحتاج تعاونا حقيقيا مع مكونات المجتمع للقضاء نهائيا على الطائفية العدو الحالي الداخلي في الأمة.. وإن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون.

اخر الأخبار