الحرب المفتوحة ضد «الوكالة»

تابعنا على:   11:34 2019-10-19

معتصم حمادة

أمد/ (الحرب مازالت مفتوحة ضد «وكالة الغوث» من جبهات متعددة على يد الولايات المتحدة واليمين الأوروبي)

■ «حقوق الإنسان»، عنوان من خلاله تتيح بعض الدول الغربية، في مقدمها الولايات المتحدة، وبعض الأوروبية، لنفسها التدخل في شؤون الغير.

فتحت هذا العنوان تنظر إلى هونغ كونغ وما يدور فيها، وإلى الصين، وروسيا، وفنزويلا وكوبا، وسوريا، وإيران، أي إلى منظومة الدول التي لا تماشي السياستين الأميركية والأوروبية المتواطئة معها.

وفي الوقت نفسه، تغض النظر عن حقوق الإنسان الفلسطيني، في مناطق الـ 48، والضفة الفلسطينية، وقطاع غزة، ومخيمات اللجوء المختلفة. بل وتذهب أحياناً أبعد من ذلك، لتجعل في فبركات إعلامية، هذه المخيمات حاضنة للإرهاب، وفقاً لتعريف هذه الدول للإرهاب. إذ تجعل من كل مقاومة للسياستين الأميركية والأوروبية الإمبريالية إرهاباً، وتجعلان من كل ارتباط بهذه السياسة، «قتالاً من أجل الحرية». ولعل تجربة العالم مع الولايات المتحدة، حين أشرفت على تشكيل «القاعدة» في أفغانستان، لتكون أداة أميركية ضد الدولة الأفغانية أطلقت على عناصرها، بقيادة أسامة بن لادن لقب «مقاتلين من أجل الحرية».

وفي إطار هذه السياسة، من موقع الانحياز لدولة الاحتلال، وتحت مسمى البحث عن «حل سياسي عادل ومتوازن وشامل» تدرج العواصم الغربية قضية اللاجئين، وحق العودة، في سياق يدعو إلى إبعاد هذه القضية من التداول، بذريعة أن «العودة» تعني إلغاء «إسرائيل اليهودية والديمقراطية» وإغراقها بالفلسطينيين العرب، وتحويلها إما إلى دولة ثنائية القومية، أو دولة ذات غالبية فلسطينية عربية.

هنا يبدو واضحاً أن المعيار الأساس لأي حل «سياسي عادل» هو الحفاظ على إسرائيل دولة يهودية صهيونية، عنصرية، تتخفى تحت عبارة «ديمقراطية»، علماً أن قوانينها كافة مبنية على أسس مخالفة للديمقراطية ومعادية لها.

* * *

لا تقوى الدوائر الغربية على الدخول إلى قضية اللاجئين من البوابة القانونية لشطب حق العودة. فهذا الحق يكفله القرار 194 والقانون الدولي. وبالتالي لا تملك هذه الأطراف الجرأة على المس بهذا القانون، لإدراكها صعوبة ذلك، لذا تراها تحاول أن تتلاعب بالقانون وتفسيره، كالقول إنه يدعو إلى أحد حلين، العودة أو التعويض. فتقدم التعويض بديلاً لحق العودة. والخطير في هذا أن بعض الأطراف العربية، وأن السلطة الفلسطينية وقيادتها، كثيراً ما انجرت إلى هذا التفسير، وشددت على «التمسك» بالقرار 194 «لأنه يكفل لنا حق التعويض»، ونسقط في السياق حق العودة.

الدوائر الغربية تدخل إلى قضية اللاجئين من بوابة أخرى لا تقل خطورة عن المس بالقرار 194، وهو المس بالقرار 302 أي بوكالة الغوث.

فالإدارات الأميركية، وآخرها إدارة ترامب، تحاول أن تلتف على القرار 302، من خلال الدعوة لإعادة تعريف اللاجئ، بحيث يقتصر على مواليد فلسطين، وإسقاطه عن مواليد الهجرة، بحيث تتحول القضية من قضية 6 ملايين لاجئ أو أكثر، إلى قضية بضعة آلاف من كبار السن، سوف يتكفل الزمن بحل قضيتهم، وبالتالي تنتهي قضية اللاجئين ومعها حق العودة.

أما الأطراف اليمينية في الاتحاد الأوروبي، فقد وجدت في الحديث عن الفساد في «الوكالة» ضالتها، فقدمت كتلها في برلمان الاتحاد الأوروبي، مشروع قرار يدعو إلى وقف المساهمة في تمويل «الوكالة»، عقاباً لها على فسادها. وهي تدرك في قرارة نفسها، أن اللاجئ الفلسطيني هو الضحية الأولى للفساد، لأنه يحرمه من الكثير من حقوقه المشروعة في خدمات الوكالة، وهي تدرك جيداً أن اللاجئ سيكون أيضاً هو الضحية إذا ما حرمت «الوكالة» من التمويل وجرى تجفيف مصادرها، وأن إفراغ «الوكالة» من وظائفها، سيعني تجميدها، وهو أقرب إلى حلها، وإحالة خدماتها إلى الدول المضيفة، وبالتالي تحويل قضية اللاجئين من قضية سياسية ملقاة على عاتق المجتمع الدولي لحلها وفقاً للقرار 194 وحق العودة، إلى قضية إنسانية، على عاتق الدول المضيفة، عندها لن يتردد الاتحاد الأوروبي في «دعم» هذه الدول لتقوم بما عليها من خدمات لمخيمات اللاجئين. المهم هنا استبعاد القضية من ملفات «الحل السياسي»، وضمان عدم عودة اللاجئين، ودوام لجوئهم وتشردهم.

* * *

فشلت لعبة النفاذ إلى «إعدام» الوكالة من خلال ملف الفساد، فلجأ اليمين إلى لعبة جديدة، هي الربط بين تقديم المال للوكالة وبين فرض الرقابة على برامجها التعليمية، بذريعة أن بعض هذه البرامج تساهم في بناء إنسان معادٍ للسلام، وينزع نحو الإرهاب، وأن وظيفة وكالة الغوث هي التبشير بالسلام والتسامح والمحبة.

طبعاً أطفال غزة ليسوا ضد السلام، خاصة إذا كان يحميهم من القصف الإسرائيلي، وليسوا ضد التسامح، خاصة إذا كان يفك الحصار عنهم، وليسوا ضد المحبة خاصة إذا كان يعيدهم إلى منازلهم وديارهم في فلسطين وينزع عن كاهلهم عبء اللجوء والتشرد، والبطالة والجوع وأضرار البيئة وغيرها.

مع العلم، في السياق نفسه، أن وكالة الغوث لا تنتج برامج تعليمية خاصة بها، بل هي تعتمد برامج الدول المضيفة، ما يفترض أن تتوجه أوروبا إلى هذه الدول، على فرض – جدلاً – أن برامج تعليم الوكالة تنتج إرهابيين، وأن منظمة اليونسكو تتغاضى عن هذه البرامج، وأن «خبراء» الوكالة، الذين تعنيهم الأمانة العامة للأمم المتحدة، يتغاضون هم أيضاً عن هذه البرامج.

ما يهدف إليه بعض أطراف الاتحاد الأوروبي هو التدخل في برامج التعليم، لتخدم السياسة الداعية إلى إعادة إنتاج الشخصية الفلسطينية، ثقافياً، لتكون شخصية مشوهة، مفصولة عن جذورها وقضاياها الوطنية، كتلك الشخصية التي يحاول الاحتلال بناءها من خلال اتفاق أوسلو، وبروتوكول باريس، عبر «إقناع» المواطن الفلسطيني أن «مصالحه» باتت مرتبطة بالاحتلال، وأن أي انفكاك عن هذا الاحتلال معناه المس بهذه المصالح وإلحاق الضرر بها.

الحرب مازالت مفتوحة ضد قضية اللاجئين.

الحرب مازالت مفتوحة ضد حق العودة.

ومازالت مفتوحة وعلى جبهات متعددة ضد الشخصية الوطنية الفلسطينية

كلمات دلالية

اخر الأخبار