إحصائيات جديدة صادمة .. "الانتحار" يلاحق الغزيين وسط تفاقم الأزمات "الاقتصادية والاجتماعية"

تابعنا على:   00:00 2019-10-19

أمد/ غزة- صافيناز اللوح: غادروا الدنيا بلا عودة، وبقيت أسماءهم محفورة في سجل المأساة التي يعيشها الفلسطينيون نتيجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي السيئ، والاحتلال المفروض عليهم منذ عشرات العقود، فبين الفينة والأخرى تتعالى الأصوات عن انتحار شاب أو فتاة في قطاع غزة، بالشنق أو جرعات متزايدة من الأدوية، أو حرقاً بألسنة اللهب، وإلقاء النفس من علوٍّ مرتفع، والنتيجة واحدة "الموت".

ازدياد حالات الانتحار في الآونة الأخيرة بقطاع غزة، أجبرت الحقوقيين على دق ناقوس الخطر، وارسال رسائل شديدة اللهجة، علّها تكون ورقة ضغط بالوقوف مسئولين ورؤساء وفصائل وهيئات ومؤسسات، أمام هذه الظاهر التي تفشت بين أوساط الغزيين.

تمثل حالات الانتحار أحد المشاكل الاجتماعية، التي تتطلب وجوب تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية للوقوف أمام أسبابها وتداعياتها، ووضع التدخلات التي من شأنها تقديم معالجات منهجية وقانونية، تهدف إلى الحد من ازدياد ومنع تفاقمها وتحولها لظاهرة اجتماعية.

أولاً: الانتحار من منظور القانون:

لم يعالج القانون الفلسطيني الانتحار كونه فعلاً خطيراً يقوض الحق في الحياة، باعتباره حقاً من أساسيات حقوق الانسان، وقيمة انسانية تنطلق منها كافة الحقوق الأخرى.

المادة (225) من قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936 الساري في قطاع غزة، تنص على: "كل من حاول الانتحار يعتبر أنّه اتركب جنحة، وكل من حمّل شخصاً على الانتحار أو أغرى شخصاً فحمله بذلك على أن سينتحر، أو ساعد آخر على الانتحار، يعتبر ارتكب حناية ويعاقب بالسجن المؤبد".

إحصائيات وأرقام

(17) حالة انتحار سجلت في قطاع غزة، خلال النصف الثاني من عام 2018، فيما وصلت إلى 80 محاولة في العام 2017، وقرابة 35 محاولة في عام 2015 انتهت 5 منها بالوفاة، أمّا في عام 2019 سجلت حالات عدة لمحاولة الانتحار، وأخرى أودت بحياة المُقدمين عليه، ولكن لم يتم تحديد احصائية دقيقة من قبل مؤسسات حقوق الانسان، أو غيرها.

أمّا في الضفة الغربية، كشفت صحة رام الله، في تقرير لها، أن عدد حالات الانتحار ارتفع خلال عام 2018 بنسبة 14%، مقارنة بالعام الذي سبقه بسبب الأمراض النفسية التي تصيب الأشخاص خاصة الاكتئاب.

هيئة حقوق الانسان رصدت خلال العام الماضي، وقوع (32) حالة وفاة نتيجة الانتحار، 12 حالة في عام 2018، و7 حالات في عام 2017، و13 حالة بعام 2016، و5 حالات بعام 2015.

حازم هينة أحد العاملين في مجال حقوق الانسان قال في حديثٍ مع "أمد للإعلام"، إنّ "مشكلة الانتحار وفقاً للحالات المرصدة من قبل هيئة حقوق الانسان، توزعت على جميع محافظات قطاع غزة، مما يؤكد عمومية المشكلة الاجتماعية، وانتشارها وعدم انحسارها على منطقة دون أخرى.

وأضاف هنية، أنّ حالات الانتحار شملت "الجنسين" ولكن ارتفعت عند الذكور، والتي ارتفعت خلال الأعوام الماضية (2016،2017،2018)، مقارنة بالأعوام التي سبقتها حيثُ كانت بنسب أقل، وشملت فئات عمرية جديدة منهم نساء وأطفال وجرحى .

تفاصيل حالات الانتحار خلال العام الماضي، بحسب ما أفادنا به الحقوقي "هنية" خلال حديثه مع "أمد للإعلام"، أنّ (12) حالة انتحار سجلت بقطاع غزة، منها 5 أطفال و5 نساء بينهن طفلتين، موزعين على جميع مناطق قطاع غزة، والتي جاءت على النحو التالي:

4 حالات انتحار جنوب ووسط القطاع

3 حالات في مدينة غزة

5 حالات في مناطق شمال القطاع

وأغلب الحالات التي سجلت بعام 2019، تمت عن طريق الشنق وربط الحبل في الرقبة.

وأكد هنية: أنّ حالات الانتحار المرصدة بقطاع غزة "لا تعبر عن الحجم الحقيقي لمشكلة الانتحار حيثُ لم يتم رصد الحالات التي أدت إلى الوفاة في الاحصائية، وذلك لصعوبة الوصول إليها، وعدم وجود جهة رسمية أو مجتمعية تعني برصد وتوثيق حالات الشروع بالانتحار ونشر البيانات عنها.

وتابع، أنّ أسباب ودوافع الانتحار لم تقتصر على أشكال أو أنواع محددة يمكن من خلال تحليلها أو تصنيفها تحديد أوجه الضعف والقصور التي أدت إلى زيادتها، وذلك لمعالجة التدابير المناسبة بشأنها بل تداخلت العديد من  الأسباب والدوافع "الاقتصادية، الاجتماعية، النفسية، المرضية"، في انتشارها وزيادتها.

وفي السياق ذاته، قال درداح الشاعر أخصائي نفسي خلال حديثه مع "أمد للإعلام"، إنّ محاولة الانتحار تختلف للفت الانتباه لحل مشكلات اقتصادية ونفسية واجتماعية وبين الرغبة في الانتحار، مؤكداً أنّ الانتحار يدور بين فكرتين وهما:

*- هناك من لديه معاناة

*-وهناك من يريد  التخلص من الحياة

وشدد، على أنّ الانتحار له أساب عامة وخاصة، مفسراً إياهم حول:

الأسباب العامة: الواقع الاقتصادي المرير وانسداد الأفق والطموح لدى الشباب، وانعدام الأمل في المستقبل، بسبب الواقع الفلسطيني، وواقع الاحتلال، فكل المجالات التي يتحرك عليها الانسان الفلسطيني عليها درجة من السواد، لأنه مهيأ لأسباب نفسية كالقلق، والتوتر، والاضطرابات، والرغبة في الهجرة، والأوضاع الاجتماعية السيئة، هذه الآثار جميعها تؤدى إلى الانتحار

الأسباب الخاصة: كل حالة انتحار لها أسبابها الخاصة، فقد ينتحر الانسان على خلفية اقتصادية "ديون"، أو خلفية متعلقة بالحبس والشرطة، أو متعلقة بالشرف.. إلخ، فالأرضية العامة ليست مريحة وتأتي الأسباب الخاصة كعوامل مفجرة للانتحار منها:

عامل أول: غير مرضي وغير مريح وغير مستقر للإنسان الفلسطيني

عامل ثاني: متعلق بالإنسان ومستوى البيئة وثقافته وعلمه، ومستوى علاقاته وشخصيته ونظرته إلى الذات، لكنا لأرضية ليست مريحة، وربما يلجأ الكثير من الشباب في هذا الوضع الفلسطيني إلى الانتحار، فالشباب يعيشون أزمة حقيقية بكل معنى الكلمة، وهي فكرة خاطئة ولكن لها ما يبررها في المجتمع الفلسطيني.

حالات وقصص واقعية

وقالت شقيقة الجريح "بلال محمد مسعود" 29 عاماً، خلال حديثها مع "أمد للإعلام"، إنّ "بلال" أصيب برصاصة في اليد والقدمين خلال مشاركته في مسيرات كسر الحصار، بتاريخ16/4/2018 ، قرب موقع "أبو صفية"، شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة.

وأضافت "مسعود" لـ "أمد"، أنّ شقيقها أجرى عدة عمليات، حيثُ كان آخرها زراعة عظام  دون أن تكلل بالنجاح، مشيرةً أنّه سافر للعلاج لكن الجانب المصري أعادوه إلى غزة- حسب اقوالها.

وتابعت، حاولنا كثيراً لمساعدته من أجل إجراء عمليات جراحية له، والخروج للسفر لاستكمال علاجه دون جدوى، فضاقت عليه الحياة حتي قام بحرق نفسه وسكب البنزين وأشعل النار، وأدخل قسم العناية المركزة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة لخطورة وضعه الصحي.

ونوّهت، أصيب أخي بحروق من الدرجة الثالثة، ناهيك عن الإصابات التي بجسده، والتنفس أصبح ضيق لديه بعد الحرق، ذهب شقيقي لكافة المسئولين ولم يساعده أحد، قائلةً: لو ابن مسئول كان طلع وسافر يتعالج زمان.

وأشارت، إلى أنّ شقيقها توفي متأثراً بعد عدة أيام من حرقه.

المتحدث باسم شرطة قطاع غزة أيمن البطنيجي بعد عدة محاولات للاتصال وارسال رسائل للحديث عن موضوع الانتحار من جهة قانونية، إلا أنه أرسل رساله بانشغاله وعدم استطاعته للرد، وكذلك محافظ ومدير شرطة رفح، حاول "أمد" الاتصال بهم مراراً للحديث عن حالات الانتحار في المدينة والتي وصلت إلى 3 حالات خلال الشهر الماضي، دون رد على أسئلتنا التي أرسلناها إليهم، أو اتصالاتنا.

اخر الأخبار