الانتخابات الفلسطينية القادمة من دون ميثاق شرف وطني هي الفصل الأخير من فصول الانفصال السياسي والجغرافي

تابعنا على:   07:17 2019-10-17

د. مجاهد الحاج

أمد/ تعد الانتخابات في الأنظمة السياسية المستقرة، والتي تتبع الديمقراطية الحديثة، حقاً أساسياً من حقوق الأفراد في الدولة، ومن أهم الممارسات السياسية التي تؤهلهم للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم، كما وتعتبر الوسيلة الديمقراطية الأساسية لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر، أو مجموعة إلى أُخرى بهدف ملء المواقع سواء في "السلطة التنفيذية" "الرئاسة ورئاسة الحكومة والحكم المحلي" أم "السلطة التشريعية" ومل مقاعد البرلمان، أم السلطة القضائية، فالديمقراطية كنظام سياسي وعبر أداتها الانتخابية تسعى في النهاية لتحديد علاقة الحاكمين بالمحكومين في الدولة.

وبالنظر للكلمة التي وجهها الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبأنه سيدعو لعقد الانتخابات العامة في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، ودون الخوض في إن كانت تشريعية أم تشريعية ورئاسية معاً، وما يكتنف ذلك التفريق من إشكاليات ووجهات نظر وآراء، فإننا سنتناول الانتخابات الفلسطينية بعموميتها وخصوصيتها واستحقاقاتها، كونها تختلف عن تلك الأنظمة السياسية التي تطرقنا اليها في المقدمة، ولكي لا يفهم من سياق المقال بأن الكاتب يعيش حالة من التشاؤم والاستعصاء ورافضا للديمقراطية والانتخابات، إلا أنه على العكس من ذلك فالانتخابات التي ستتم الدعوة إليها هي مطلب كل حر للخلاص من التشرذم والضياع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وقضيته، ولكن إن لم يتم الترتيب لهذه الانتخابات وإزالة المعضلات والعقبات من أمامها فلا مناص من أنها ستزيد من تأزم الحالة السياسية الفلسطينية والوصول لنهاية المشروع الوطني الفلسطيني وقضيته برمتها.

قلا بد أولا: من تجاوز الخلل الذي جرى في الانتخابات التشريعية الثانية 2006م، خلل تتحمله قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، والذي كان نقطة البدء في الانقسام الحادث على الساحة الفلسطينية، حيث كان من المفترض قبل مشاركة أي من القوى السياسية الفلسطينية في الانتخابات وعلى جميع أشكالها ومقاصدها أن تسبقها موافقة على ثوابت ومرجعيات تشكل القاسم المشترك بينها، وخصوصاً الالتزام بالنظام السياسي والدستور وهو ما يعني وضع حد لتعدد المرجعيات والاستراتيجيات وتعدد الجيوش والميليشيات، حيث شاركت حركة "حماس" في تلك الانتخابات، دون أن تعترف بالسلطة والاتفاقيات الحاكمة لعملهما، ولم تعترف "بمنظمة التحرير الفلسطينية"، باعتبار أن المجلس التشريعي الفلسطيني من مؤسسات سلطة مرجعيتها" المنظمة المحكومة باتفاقيات دولية.

فالنظام السياسي الفلسطيني بعدما جرى من انتخابات تشريعية في العام 2006م، وما لحق بهه من انقلاب ومناكفات سياسية وصلت لحد القطيعة ما بين السلطة الوطنية في الضفة وحكم حركة "حماس" في غزة، هو نظام سياسي غير مستقر، كونه له خصوصيته، التي تميزه عن باقي الأنظمة السياسية في العالم، فهو الوحيد الذي يخضع للاحتلال الذي يسعى جاهدا لإضعافه وتقويضه من خلال استهداف وتدمير مؤسساته السياسية، وتعرض نخبته السياسية للاعتقال أو الاغتيال، وبناه العسكرية والاقتصادية للتدمير، وهو النظام السياسي الوحيد الغير متواصل جغرافياً، فالاحتلال فاصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، زيادة على حدوث الانقسام السياسي والمجتمعي الذي تولد بعد الانتخابات التشريعية الثانية السابقة 2006، والذي رسخه انقلاب 2007م، بانفصال شبه كامل، وهو النظام السياسي الوحيد مثار اهتمام جميع القوى الإقليمية والدولية وتدخلاتها نظراُ لأهمية ومحورية القضية الفلسطينية.

وفي ظل تلك الخصوصية وبالأخص حالة الانقسام بل وشبه الانفصال القائمة، وتعذر إمكانية تحقيق المصالحة التي باتت جزء أساسي من النظام السياسي المنقسم والغير مستقر، فإن أي انتخابات من دون توافق وميثاق شرف وطني قد تؤدي من جديد لانقسامات أعمق على الساحة الفلسطينية، كونها أصبحت فرصة للفصائل والأحزاب الفلسطينية لحيازة مكانة وثقل على الساحة الفلسطينية تخضع من خلالها الشعب الفلسطيني للرضوخ لبرامجها وسياستها سواء أتت في صالحه أم دون ذلك، وليبقى حلمه في التحرر والانعتاق وصولاً لدولته المنشودة حلم مضاف لأحلام الواقع الحالي المرير للانعتاق من الجوع والحاجة والموت هرباً من الحصار والعوز على شواطئ وفي أدغال العالم، فالمهم والأهم لتلك الفصائل والأحزاب هو حيازة تلك المكانة المتقدمة في المشهد السياسي، بل والوصول إلى قمة الهرم فيه، ولتتضارب البرامج الفصائلية من جديد مع بعضها البعض بل وتصل لحالة من التصارع، قد تؤدي لتكريس وتأكيد وتعميق الانقسام السياسي والإيديولوجي، وحالة شبه الفصل بين غزة والضفة وصولاً للفصل التام.

فالدعوة للانتخابات دون الرجوع من جديد لصياغة ميثاق شرف وطني فلسطيني يكون الهدف منه مصالح الشعب الفلسطيني وليس فصائله وأحزابه وبما يتناسب مع متطلبات التحولات الجارية في الساحة الفلسطينية والمحيطين الاقليمي والدولي، ستكون بدون شك انتخابات ديكة وبرميل من البارود سينفجر في أي لحظة، وبدون الدخول في هذا المقال لأتون الإشكاليات السياسية والتشريعية والقانونية التي من الممكن أن تحكم تلك الانتخابات، والتي هي بمجملها عبارة عن معضلات صعبة في طريق إنجاز هدف الانتخابات والعملية الديمقراطية، ناهيك عن أن كل فصيل يسعى لقيادة الشعب الفلسطيني والتحكم به دون أن يكون الهدف إنعامه بالحرية والاستقلال، بقدر ما يحقق برامجه الخاصة ومتطلبات التدخلات الخارجية.

رابط صورة الكاتب         

اخر الأخبار