خمس حقائق تكشفها الحرب على غزة

تابعنا على:   14:22 2014-07-12

محمد أبو مهادي

من الطبيعي أن تكون العلاقة مع أي قوة إحتلال قائمة على المواجهة المستمرة، تتبع فيها تكتيكات مختلفة إرتباطاً بجدوى وتأثير هذا الأسلوب من غيره في خدمة الهدف العام لحركات التحرر، الأمر الشاذ هو غياب أشكال التصدي للإحتلال والخضوع لشروطه تحت طائلة التهديد والإبتزاز وإدعاء \"العقلنة\" التي وصلت في الحالة الفلسطينية إلى حد لا يمكن القبول به، إلّا إذا كانت القيادة الرسمية ذاهبة للتوقيع على وثيقة إستسلام بعد تهيئة الظرف الملائم لهذا الإستسلام.

الحرب القذرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة وتمارس فيها أبشع أشكال الإبادة الجماعية بحق الأطفال والنساء والشيوخ، تهدم فيها المنازل على رؤوس قاطنيها وتدمر المنشآت العامة والخاصة تحت سمع وبصر العالم وبتأييد أمريكي كامل ومواقف منحازة لكثير من دول الإتحاد الأوروبي، كشفت مجموعة من الحقائق التي لا يمكن القفز عنها وتجاهلها تحت وقع طبول الحرب وضجيج المعركة:

الحقيقة الأولى/ أن الشعب الفلسطيني الآن يخضع بالكامل للإحتلال حيث إستباح مختلف مدن الضفة الغربية براً ومارس عمليات قتل وإعتقال وتنكيل وتقطيع لكل مناطق الضفة الغربية، وفي قطاع غزة يمارس حرباً جوية وبحرية وبرية بشكل محدود قابل للتوسع، ومع هذه الحقيقة غاب أي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية حتى في المناطق التي يجري الإدعاء بأنها خاضعة للسلطة الفلسطينية، وأن ما تبقى من هذه السلطة هو إسمها ورئيسها الذي يعيش أكثر مراحل ضعفه، ولا يقوى على ممارسة أي شكل من أشكال الدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني حتى في الحدود الدنيا.

الحقيقة الثانية/ أن محصلة أكثر من عشرين عاماً من المفاوضات لم تنتج حلّاً سياسياً يقبل به الشعب الفلسطيني، وقد إستفادت منها إسرائيل بشكل كبير حيث فرضت وقائع على الأرض تعطل فكرة الحل السياسي على أساس دولتين لشعبين، وسعت أثنائها إسرائيل ونجحت إلى حد ما في ترسيخ فكرة الأمن والإلتزامات المتعلقة به وكأنه جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وليس سبباً مباشراً ناتج عن وجود الإحتلال

الحقيقة الثالثة/ أن الخطاب السياسي الفلسطيني بعد أوسلو والخلاف الفلسطيني على أوسلو كان ضعيفاً يرتكز إلى حق الشعب الفلسطيني، أصبح مبهماً غير مفهوم للعالم ولا حتى لأبناء الشعب الفلسطيني ويرتكز على تصور شخصي لعباس، ولم يعد هناك موقف سياسي إجماعي واضح يلتف حوله الفلسطينيين وتخاض على أساسه معركة كفاحية ودبلوماسية تعزز من مواقف الفلسطينيين وتشكل لهم حصانة من بطش الإحتلال، وهذا بفعل سياسات التفرد التي يمارسها \"أبو مازن\" وهشاشة وتغييب مؤسسات صناعة القرار الوطني وفي المقدمة منها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي تحولت إلى غطاء على هذا التفرد الرئاسي، حتى المواقف الشخصية التي يتبناها محمود عباس متناقضة ولا يوجد لها معالم بإستثناء المواقف المتعلقة بتقديس التنسيق الأمني والمفاوضات.

الحقيقة الرابعة/ هشاشة البناء والموقف عند كل أطراف الحركة الوطنية التي وقفت ببلاهة أمام حالة إنتفاضة شعبية ضد الإحتلال، غير قادرة على تبني موقف محدد منها، نفس البلاهة والضعف الذي أصابها عندما توجه عباس لعملية مفاوضة منفرداً رغم موقفها الرافض منه، وما تبع هذه الخطوة من مواقف سياسية خطيرة أطلقها ويمارسها مثل موضوع التنسيق الأمني وقمع المظاهرات الشعبية في الضفة الغربية عقب عملية خطف المستوطنين ورداً على جريمة قتل الفتى محمد أبو خضير، وصولاً إلى موقفه الهزيل من الحرب الدائرة على غزة، هذه القوى إكتفت فقط بتسجيل المواقف دون فعل حقيقي يضع حد لحالة التفرد الخطيرة التي يقوم بها عباس والتي ألحقت ضرراً بالغاً في الموقف السياسي الفلسطيني وزادته ضعفاً أسس لهزيمة دبلوماسية كالتي نعيشها الآن في ظل الحرب، لقد أصبح مطلوباً من الشعب الفلسطيني توفير الأمن والحماية للإحتلال ومستوطنيه !

الحقيقة الخامسة/ هذه الحرب الدموية التي تمارسها إسرائيل على الشعب الفلسطيني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفضي إلى نفس النتائج السابقة، وأن تنتهي على أساس أمنى و\"الهدوء مقابل الهدوء\"، بعد هذا الدمار وسيل الدماء سيكون من العار على كل الحركة السياسية الفلسطينية بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي القبول بفكرة \"الأمن \" التي سعت إلى ترسيخها وفرضها على قيادة الشعب الفلسطيني، هذا الحل لا يستقيم مع المنطق والعقل، والتعاطي معه لا يحل المشكلة بل سيزيدها تعقيد ويبقى على عناصر التفجير قائمة في أي وقت، بل بالعكس تماماً فجميع الحركة السياسية الفلسطينية مطالبة الآن أكثر لتأكيد حق الفلسطينيين المشروع في مقاومة الإحتلال وأن هذا الحق لا يسقط حتى في ظل المفاوضات السياسية،.

هذه الحقائق الخمس يجب أن تدفع كل الفلسطينيين للتفاكر الجدّي بعيداً عن الحسابات الحزبية، والخروج بموقف سياسي جماعي يمثل كل الشعب الفلسطيني يستقبله العالم ويتعاطى معه كأساس لطبيعة الصراع مع إسرائيل، التباطؤ في بلورة موقف فلسطيني يعني أن تستفرد إسرائيل بحربها ضد الشعب الفلسطيني لتفعل ما تشاء من جرائم وتفرض شروطها من جديد.

يسجّل على القيادة الرسمية الفلسطينية أنها لم تذهب حتى الآن للتوقيع على \"ميثاق روما\" رغم قدرتها على فعل ذلك، ولم تتوجه إلى مجلس الأمن لطلب توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ولم تطلب تحقيقياً دولياً في جرائم إسرائيل المتصاعدة بحق الفلسطينيين، وتتعامل ببرود مخجل مع كل ما يجري لدرجة الإعتقاد أنها ترضى عن جريمة ذبح الشعب في قطاع غزة- حاجة غزة أكثر من قوافل الدواء والمساعدات الإنسانية وكثير من دول العالم تتضامن مع الفلسطينيين بهذه الطريقة.

لأبناء الشعب الفلسطيني القول الفصل في كل ما يجري، ضعف وغياب المؤسسة الرسمية لا يعدم خيارات الشعب، وتصاعد النضال الجماهيري في الضفة الغربية وفي داخل فلسطين \"48\" والشتات، وتفعيل المبادرات الشعبية وحركات التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني لفضح إسرائيل، يساهم بشكل كبير في الحد من جرائمها، غزة بحاجة كل الفلسطينيين والعرب والمؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية في كل مكان، مستقبل الفلسطينيين جميعاً بين أيادي جيل قادر أن يفعل الكثير رغم وهن القيادة وقساوة التجربة .

- من غزة سادس أيام الحرب

اخر الأخبار