مطلوب تغيير النظام الانتخابي

تابعنا على:   15:56 2019-10-03

مجدي أبو زيد

أمد/ مع اعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الأمم المتحدة أنه سيدعو لانتخابات عامة فور عودته لأرض الوطن، تبرز مرة أخرى تحديات ومعيقات اجراء الانتخابات؛ بداية بحكومة الاحتلال التي من المستبعد أن تسمح بإجراء الانتخابات في القدس تحت أي شكل، ومرورا بالانقسام وبالنظام الانتخابي ما بين النسبي الكامل في القرار بقانون الصادر في 2007 وبين المختلط الذي تم الاتفاق عليه لاحقاً في القاهرة، ناهيك عن المطالب بإجراء انتخابات للمجلس الوطني بالتزامن في الشتات الفلسطيني. وهنا أجد من المهم إعادة طرح الفكرة التي القيتها مطلع العام الجاري بعد حل المجلس التشريعي ولاقت في حينه بعض التفهم والدعم من قبل بعض المهتمين، غير انها تبخرت لاحقاً بسبب غياب أي حديث عن الانتخابات في ذلك الوقت، مع انني كنت قد طرحتها في حينه كوسيلة لتحريك المياه الراكدة ولإيجاد حل يؤدي الى اجراء الانتخابات بجميع اشكالها بما فيها المجلس الوطني.

فكرتي الأساسية تتمحور حول أهمية اختراع نظام انتخابي خاص يواكب مرحلة التحرر الوطني الفلسطيني ويساعد في إدارة الصراع وتوزيع القوة في المجتمع بشكل ديمقراطي ومتفق عليه، ذلك أن لاختيار النظام الانتخابي تبعات كبيرة على مستقبل الحياة السياسية وإنتاج نظام سياسي بمواصفات محددة.

يمكن القول، أن النظام الانتخابي المختلط ونتائجه المتطرفة كان أحد أهم الأسباب التي أدت إلى كارثة الانقسام السياسي الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2007. فبينما اكتسحت حركة حماس مقاعد المجلس التشريعي في الانتخابات العامة التشريعية التي جرت في 25/1/2006، فقد تركز فوزها الأساس في أغلبية المقاعد الفردية التي خصصت للدوائر، مقارنة بالتصويت للقائمة النسبية الموحدة الذي كان متقاربا جدا بين حركتي حماس وفتح، إذ لم تحرز كتلة حركة حماس سوى 29 مقعدا مقابل حصول كتلة حركة فتح على 28 مقعدا.

إن تحليل نتائج الانتخابات يظهر أن حركة فتح قد خسرت مقاعد بعض الدوائر الانتخابية الفردية على الرغم من أن حصيلة الأصوات التي حصدها مرشحو الحركة المتنافسين تفوق بكثير ما حصلت عليه حركة حماس، مثلما حصل في دائرة سلفيت مثلا، وذلك لأن النظام الأغلبي/ الفردي يعتمد الفوز فيه على وجود تنظيم مركزي قوي وتصويت والتزام صارم، وهو ما أخفقت فيه حركة فتح، حيث كثر مرشحوها يتنافسون في الدائرة الواحدة.

وهذا الامر أدركته فتح بعد الانتخابات وتمثل بإصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأول قرارٍ بقانون بعد الانقسام (رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة) ويقضي بإلغاء قانون الانتخابات الفلسطيني رقم (9) 2005، واعتماد مبدأ التمثيل النسبي الكامل في انتخابات المجلس التشريعي (نظام القوائم) باعتبار الأراضي الفلسطينية دائرة انتخابية واحدة، بدلاً من النظام المختلط المحدد في القانون رقم (9) لسنة 2005 والذي نظمت الانتخابات التشريعية الأخيرة لعام 2006 على أساسه وبموجبه. وعليه، يتم انتخاب جميع أعضاء المجلس التشريعي وفق نظام القوائم المغلقة على مستوى الوطن.

إن التعديلات المتكررة التي قامت بها السلطة الوطنية الفلسطينية على قوانين الانتخابات وتحديدا ما يتعلق منها بطبيعة النظام الانتخابي، تدل على إدراك "اللاعبين" السياسيين لأهمية النظم الانتخابية في تحديد توزيع خارطة القوى الحزبية ممثلة بعدد المقاعد في المجلس التشريعي، وعلاقة النظم الانتخابية في انتاج وتحديد طبيعة النظام السياسي المتوقع بعد إجراء الانتخابات وفقا للنظام الانتخابي الذي يتم اختياره وتصميمه لهذه الغاية.

وبمعنى آخر، يمكن للنظام الانتخابي أن يجعلنا نتنبأ بالفائز/ين في العملية الانتخابية، ونتوقع شكل الحكومة سواء حكومة أقلية أو ائتلافية، أو تفرد حزب أو قائمة واحدة بالسلطة. غير أنه لا بد من التنويه بأن أهم مميزات النظام الانتخابي المناسب و"الذكي" هو ذلك الذي يحافظ على جميع القوى المتنافسة "داخل اللعبة" دون إقصاء أو تجاوز، بنفس الوقت الذي لا يسمح للخاسرين بالعمل من خارج النظام ولا يتيح للقوى غير القانعة بنتائج الانتخابات من اللجوء إلى وسائل غير ديمقراطية في العمل للانقلاب على الرابحين.

نظريا وواقعيا، تصنف النظم الانتخابية الأساسية في العالم في ثلاث عائلات أساسية، يندرج تحتها 12 نظاما رئيسيا. وبدون الخوض بالكثير من التفاصيل الفنية حول مميزات وسلبيات كل نظام، إلا أنها تتمحور جميعها حول الموقف من العمل الحزبي وتشجيعه، وفرص تمثيل المرأة والأقليات، وعلاقة النظام بإعادة الاستقرار إلى المجتمعات المنقسمة، وتنظيم قواعد "اللعبة" السياسية تحت سقف واحد، وهو ما فشلت فيه حتى الآن جميع المحاولات والمبادرات المتعلقة بإنهاء الانقسام الداخلي وإعادة الوحدة وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، في الوقت الذي يعارض البعض الانتخابات تحسبا لأية نتائج غير متوقعة تؤدي إلى مزيد من التشرذم والانقسام.

ومع اعلان الرئيس عن نيته بإجراء الانتخابات العامة، فان هناك خطرا مستمرا يتعلق بإمكانية التوافق على عقدها بسبب المعيقات التي اشرت الى بعضها سابقاً بالإضافة إلى ضبابية توقع النتائج، وإمكانية أن تقصي تلك النتائج أطرافا أساسية أو تاريخية من القوى الفلسطينية، وتعمق حالة الانقسام أكثر بدلا من أن تكون الانتخابات حلا له.

وهنا فإنني أقترح بدء العمل على تصميم نظام انتخابي ذكي وفعّال يحظى بالإجماع سواء للانتخابات العامة أو لانتخابات المجلس الوطني أينما أمكن ذلك، ويكون خاصا بفترة التحرر الوطني، حتى نضمن سقفا جامعاً لجميع "اللاعبين" والقوى المجتمعية والسياسية؛ هذه أبرز ملامحه:

1. اعتماد نظام التمثيل النسبي الكامل، واعتبار الوطن دائرة واحدة، وهو ما يتيح إمكانية حل مشكلة تصويت المقدسيين أو أي تجمع فلسطيني آخر في حال تم منعهم من فتح المراكز والإدلاء بالأصوات، وهو النظام الأكثر استخداما وعدالة على مستوى العالم.

2. تكون القوائم مفتوحة وفقاً لنظام الصوت الواحد المتحول، حيث يأتي الاختيار وترتيب الناخبين داخل القائمة الواحدة وفقا لإرادة الناخبين، ما يضمن أن تقوم القوائم والأحزاب باختيار وترتيب المرشحين حسب معايير الكفاءة والمؤهل العلمي والنزاهة، والا فإن الناخبين أصحاب الحق الأصلي هم من سيقومون بهذه المهمة.

3. يشترط في جميع القوائم مراعاة التمثيل الجغرافي وتمثيل المرأة والشباب بحدود ونسب يتم الاتفاق عليها.

4. تخصص مقاعد مضمونة "للأقليات"، بالإضافة الى تخصيص نسبة للمرأة لا تقل عن 30%، كما ويراعى أيضا تمثيل الشباب ومشاركتهم لضمان تفاعلهم وإعادة الأمل إليهم وعدم عزوفهم عن الانتخابات.

5. تخفيض نسبة الحسم إلى أدنى حد ومحاولة ألا تتجاوز ألـ 1%.

6.ضمان مقعد واحد كحد أدنى للفصائل التاريخية في منظمة التحرير.

7. لا يحصل أي من المتنافسين على أكثر من 35 أو 40% كحد أعلى من المقاعد المخصصة للمجلس التشريعي، حتى ولو حصل على أعلى من هذه النسب بكثير.

8. تجري الانتخابات الرئاسية على جولتين في حال لم يحصل أحد المرشحين على أكثر من 50% من أصوات الناخبين من الجولة الأولى، حيث يتنافس الحاصل على أعلى الأصوات مع الحاصل على ثاني أعلى نسبة أو عدد للأصوات.

9. عدم تغيير النظام الانتخابي الا بعد تفاهم وتوافق بين مختلف القوى المجتمعية والسياسية الفلسطينية.

ومع أن هناك صعوبات كبيرة وتحديات فنية ولوجستية ستواجه تصميم وتنفيذ هذا النظام الانتخابي المعقد، إلا أن النظام قابل للإعداد وللتنفيذ، وينشئ قواعد جديدة للعمل السياسي الفلسطيني تُبنى على الشراكة وعدم الإقصاء، ويسمح بوجود الجميع تحت قبة واحدة، ويمنع تفرد أي حزب أو قائمة بمقاليد الحياة السياسية خلال مرحلة التحرر الوطني.

أما انتخابات المجلس الوطني في الشتات، فيمكن تنفيذها من خلال البدء بتحديد خمسة أو ستة دوائر انتخابية رئيسية كبرى بالاعتماد على عدد الفلسطينيين المتواجدين في كل دائرة انتخابية، مع العلم أن اجراء الانتخابات في الشتات هو قرار يحتاج الى عمل سياسي ودبلوماسي وفني مضني وطويل لعقد اتفاقيات دولية مع الدول المستضيفة للاجئين أو التي يقطنها الفلسطينيين أينما وجدوا من اجل السماح بإجراء الانتخابات على اراضيها، وهو بذلك ليس قرارا سياديا فلسطينياً خالصاً يوضع ضمن الشروط المتداولة لإنهاء الانقسام. ويمكن في حال إزالة جميع العثرات أن يجري تنفيذها وفقا للمعاير نفسها الواردة في النقاط 2، 3، 4، 6، 7 أعلاه، وفي الأماكن التي يمكن إجراء الانتخابات فيها، وليس بالضرورة وفقاً لمبدأ التزامن، على أن يتم التوافق على توزيع المقاعد في المناطق التي لا يمكن اجراء الانتخابات فيا بالتوافق مع ضمان أكبر قدر ممكن من التمثيل.

اخر الأخبار