في الذكرى الـ 26 لاتفاقات أوسلو: الاتفاقات شكلت غطاءً للاستيطان والتهويد

تابعنا على:   09:09 2019-09-15

عليان عليان

الحديث عن اتفاقات أوسلو أشبع بحثاً وتمحيصاً عبر آلاف الدراسات والمقالات وعشرات الندوات والمؤتمرات ، منذ توقيعها في الثالث عشر من أيلول عام 1993 وبالتالي مهمة هذا المقال هو استعراض أم بنودها والأخطار الناجمة عنها ، وكذلك التداعيات اللاحقة ، ما جعلها تشكل محطة لتصفية القضية الفلسطينية ، وليس محطة للنهوض الوطني الفلسطيني تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة .
وبهذا الصدد أشير إلى ما يلي :
أولاً : أن رسائل الاعتراف المتبادل بين رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات ورئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك إسحق رابين ، ضمنت للكيان الصهيوني اعتراف المنظمة بحقه في الوجود ، دون أن تحصل المنظمة باعتراف ( إسرائيل) بالدولة الفلسطينية ، فقط حصلت المنظمة على اعتراف الكيان الصهيوني بأنها ممثل للشعب الفلسطيني – وليس الممثل الشرعي الوحيد-.
واعتراف قيادة المنظمة في حينه (بإسرائيل) لم يقتصر على السياق الدبلوماسي ، بل تجاوزه إلى الاعتراف بحقها في الوجود ، ما يخدم الرواية الصهيونية التاريخية الزائفة في فلسطين بأثر رجعي ، وما أدى إلى التنازل عن 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية .
وكان بإمكان المفاوض الفلسطيني أن يثير موضوع قرار التقسيم لعام 1947 – على سوءته كمرجعية للمفاوضات- الذي نص في حينه على قيام دولة فلسطينية على مساحة 46 في المائة من فلسطين التاريخية ، وقيام دولة ( إسرائيل)على 48 في المائة منها ، وعلى أن تكون القدس دولية بمساحة (2) في المائة ، لكن هذا المفاوض استند للقرار 242 الذي تعامل مع نتائج حرب 1967 وليس مع قرار التقسيم عام 1947 ، وليس مع قرار حق العودة في كانون أول 1948.
وبدلاً من أن تشترط قيادة المنظمة في حينه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مقابل اعترافها (بإسرائيل ) قبلت بإرجاء موضوع الدولة لمدة خمس سنوات، وكان الرد الإسرائيلي في حينها عام 1999 " أن لا مواعيد مقدسة ".

اتفاقات أوسلو في خدمة الأمن الإسرائيلي

ثانياً : لو دققنا في اتفاقات أوسلو (1) ( وأوسلو(2) والاتفاقات المشتقة منها أو الناجمة عنها مثل اتفاق الخليل (15ديسمبر - كانون أول 1997) واتفاق واي ريفر (5 يناير – كانون ثاني 1996) ، وخارطة الطريق(15 أكتوبر- تشرين أول 2002) ، وتفاهمات أنابوليس (27 نوفمبر – تشرين ثاني 2007) وصولاً لخطة كيري (2013-2014) والمبادرة الفرنسية (2015-2016) ، كلها تؤكد على ضمان أمن ( إسرائيل) من قبل السلطة الفلسطينية عبر نهج التنسيق الأمني مع الاحتلال.
وفي السياق التطبيقي لنهج التنسيق الأمني ، فقد طاردت أجهزة أمن السلطة ، خاصةً تلك التي شكلها الجنرال الأمريكي كيت دايتون ، خلايا المقاومة لمختلف الفصائل الفلسطينية، وعملت على تصفيتها في الضفة الغربية ، وعملت على إفشال مئات العمليات الفدائية ضد الاحتلال الصهيوني ، وفي الذاكرة التي لا تمحي كيف التزمت السلطة بشكل صارم وفق خطة خارطة الطريق بمحاربة كتائب المقاومة في الوقت الذي لم تلتزم به ( إسرائيل) بما هو مطلوب منها ممثلاً بوقف الاستيطان .
اتفاقات أوسلو غطاء للتهويد والاستيطان
ثالثاً: ومهزلة المهازل أن القيادة المتنفذة في منظمة التحرير ، بعد أن قبلت بمبدأ الحكم الذاتي على السكان دون الأرض ، وبعد أن قبلت بتقسيم الضفة في اتفاق أوسلو (2) عام 1995 إلى مناطق (أ) و(ب) و(ج).
مناطق (أ) تسيطر فيها السلطة الفلسطينية مدنياُ وأمنيا بشكل كامل على 3 في المائة من الضفة الغربية، حيث تم تعديل النسبة عام2011 لتصبح سيطرة السلطة على 11 في المائة من الضفة الغربية .
ومناطق (ب) تكون فيها السيطرة المدنية للسلطة والسيطرة الأمنية للكيان الصهيوني وتشمل 25 في المائة من مساحة الضفة ، وقد جرى تعديل مساحة هذه المنطقة عام 2011 لتصبح 22 في المائة المنطقة .
ومناطق (ج)التي تشمل حوالي 60 في المائة من الضفة الغربية، وتتضمن الكتل الاستيطانية الرئيسية، تكون السيطرة الكاملة فيها للكيان الصهيوني .
لكن معطيات الواقع تجاوزت هذه التقسيمات ، بحيث باتت السيطرة الأمنية فيها للكيان الصهيوني على كل المناطق ، في حين نابت السلطة عن الاحتلال في تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية .
لقد قبلت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية في اتفاقات أوسلو ، بترحيل القضايا الأساسية التي تشكل جوهر الصراع ( القدس ، اللاجئون ، والمستوطنات ) إلى مفاوضات الحل النهائي دون أن تشترط مرجعية قرارات مجلس الأمن بشأنها ، التي تؤكد عدم شرعية ضم القدس الشرقية وعدم شرعية الاستيطان ، والتي تؤكد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم ، ما يعني أن مرجعية المفاوضات أصبح ميزان القوى والكيان الصهيوني نفسه..هذا ( أولاً) ( وثانياً) أن قيادة المنظمة التي قبلت بترحيل قضايا الصراع الأساسية إلى مفاوضات الحل النهائي ، لم تحصل على أي ضمانات بعدم لجوء ( إسرائيل) إلى فرض وقائع جديدة فيما يتعلق بالاستيطان وتهويد القدس.
وترتب على ما تقدم أن اتفاقات أوسلو منذ توقيعها عام 1993 وكذلك الاتفاقات اللاحقة وفرت الغطاء السياسي، للعدو الصهيوني، في مصادرته للأرض والاستيطان، من خلال اشاعة الوهم ،أمام المجتمع الدولي، بوجود امكانية عبر المفاوضات، التي تمت وتتم، لحل القضية الفلسطينية، بشكل عادل، وبما يضمن الانسحاب من الأراضي المحتلة، مما سهل مهمة العدو الصهيوني، في فرض الوقائع الجديدة على الارض، من استيطان وجدار وتهويد للقدس، وتحويل الضفة الغربية، الى مجرد كانتونات معزولة، بحيث أصبحت أشبه ما تكون بالجبنة السويسرية، التي تملأها الثقوب.
وبلغة الأرقام، فقد تضاعفت أعداد المستوطنين منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وحتى مطلع عام 2018من 105 آلاف إلى 435 ألفا في الضفة الغربية ، إضافة إلى 215 ألفا داخل القدس المحتلة، أي ما مجموعه 750 ألفا في الضفة والقدس معا.( الجزيرة نت 24-1- 2018) ( وكالة وفا الفلسطينية 23-1- 2018) يتوزعون على 130 مستوطنة و (103) بؤرة استيطانية و(29) مستوطنة في القدس ومحيطها ، حيث أصبح حوالي85 في المائة، من فلسطين التاريخية، تحت السيطرة الإسرائيلية.

اتفاقات أوسلو تفريط ضمني بحق العودة

لقد شكلت اتفاقات أوسلو خطراً كبيراً على قضية حق العودة من خلال ترحيل قضية اللاجئين الى مفاوضات الحل النهائي دون إسنادها بالقرار 194، وقد بات واضحاً ومعلناً أن المرجعية القانونية لاتفاق أوسلو الموقع بين الكيان الصهيوني وبين منظمة التحرير هو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 وقرار رقم 338 وذلك انسجاماً مع إطار مؤتمر مدريد التفاوضي، كما ورد صراحة في ديباجة" الاتفاقية الفلسطينية- الإسرائيلية المرحلية حول الضفة والقطاع الموقعة في واشنطن في 28- 9- 1995.
لقد انطوى القرار 242 على خطورة كبيرة فيما يتعلق بقضية فلسطين، حيث خلا من أي عنصر من عناصر التسوية العادلة وتعامل مع نتائج حرب 1967، على حساب القضية الأساسية ووضع حداً لاستمرارية قرار التقسيم رقم 181، وهو القرار الذي يجري الاستناد إليه في مطالبة الكيان الصهيوني للعودة إلى الحدود التي أقرتها الأمم المتحدة، ولا يعترف قرار 242 إلا بخطوط الهدنة التي رسمت عام 1949، وهذا ما تصر عليه أميركا باعتباره أساساً وحيداً للتسوية.
لقد فتحت اتفاقية أوسلو الباب أمام مشاريع تفريطية متعددة بحق العودة، وتطرح بدائل التوطين والتأهيل مثل: وثيقة جنيف، خطة خارطة الطريق، وسري نسيبة- أيلون، والفقرة المتعلقة باللاجئين في مبادرة السلام العربية التي تخضع حق العودة للمساومة..ألخ .

أوسلو أنهت العزلة الدبلوماسية للكيان الصهيوني

وأخيراً هنالك مسألة هامة لا بد من الإشارة إليها ، وهي أن اتفاقات أوسلو قدمت خدمة جليلة للكيان الصهيوني من زاويتين هما :
1-أن (إسرائيل )تمكنت من خلالها من تحقيق اختراق دبلوماسي وإنهاء العزلة عنها، إذ تمكنت من إقامة علاقات دبلوماسية مع عشرات الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بعد أن كانت هذه الدول ترفض إقامة علاقات معها.
2- أنها سهلت مهمة العديد من مفاصل النظام العربي الرسمي في إقامة علاقات دبلوماسية وتطبيعيه كاملة مع الكيان الصهيوني ، دون اشتراط انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وفقاُ لمبادرة السلام العربية (2002 م ) ووصلت الأمور ببعض مفاصل هذا النظام بقيادة الحكم السعودي إلى قطع شوط كبير باتجاه إقامة تحالف مع (إسرائيل) والولايات المتحدة ضد عدو وهمي ( إيران)
في ضوء ما تقدم بكل ما تضمن من تفاصيل ، وخاصةً فيما يتعلق بقضية الاستيطان والقدس واللاجئين ، يمكننا القول بأن اتفاقات أوسلو سهلت مهمة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في طرح خطة صفقة القرن بتفاصيلها المتعلقة بالقدس وقانون القومية اليهودي العنصري ، وسعيها لشطب حق العودة عبر تجفيف مصادر الدعم للأونروا.

كلمات دلالية

اخر الأخبار