النوع الاجتماعي: في الطريق لشراكة فاعلة بين الفكر والتربية

تابعنا على:   17:49 2019-08-10

تحسين يقين

بعد عقدين من التناول الاجتماعي والثقافي للمواثيق والأدبيات والمفاهيم التي تخص المرأة في مجتمعنا الفلسطيني، نستطيع أن نقول إن مجتمعنا تجاوز الجدل حول الموضوع فيما يتعلق بتعددية الآراء، إلى ما نزعم من وجود إجماع فكري حوله، يتجلى بالمطالبة بتطبيق تلك المواثيق والتربية على الأدبيات والمفاهيم.

فلسطينيا، نحن نتحرك ضمن ثلاث دوائر، هي النوع الاجتماعي، والمرأة، ومناهضة العنف ضد النساء؛ حيث هناك فرق بين النوع الاجتماعي الذي يخص كلا من الرجل والمرأة والأدوار في المجتمع، وبين قضايا المرأة التي تتمحور حول الانطلاق من وجهات نظر نسوية وغيرها. أما مناهضة العنف ضد النساء، فمن الواضح أن المجتمع ينظر إليه في سياق مناهضة العنف بشكل عام، علما أنه يقع أيضا ضمن العنف المبني على النوع الاجتماعي.

لخبراء النوع الاجتماعي أن يواصلوا إبداعاتهم، وللعمل النسوي أن يستمر، ولنشيطي مناهضة العنف ضد النساء أن يستمروا في رسالتهم النبيلة؛ حيث لا تعارض بين العمل ضمن هذه الدوائر الاجتماعية.

ننظر بعين الرضا لتنظيم وزارتي التربية والتعليم وشؤون المرأة لقاء طاولة مستديرة لمناقشة المناهج الدراسية من منظور النوع الاجتماعي، مع عدد من الأكاديميين وممثلي مؤسسات المجتمع المعنية بقضايا التعليم والنوع الاجتماعي والمرأة، في إطار توجهات الحكومة التنويرية "نحو التفاعل الحقيقي مع قضايا المجتمع، وفي سياق الانفتاح على الخبرات المتنوعة وإعطاء المجال للاستماع إلى ملاحظات وتطلعات الفاعلين التربويين وأهل الخبرة في المجتمع".

لقد جاء تناول وزير التربية والتعليم البروفيسور مروان عورتاني الموضوع ضمن إطار تطويري عام ثقافيا وتربويا، فيما يخص التكوين الإنساني والمعرفي للنشء، حيث كان مقتنعا ومقنعا للمشاركين/ات "بأن المسعى التربوي لا يمكن أن يتأتى بعيداً عن دور المجتمع ومؤسساته، ولا بد من تجذير ثقافة العمل الجمعي التشاركي، وضرورة مأسسة هذا الدور في إطار من الشراكة الجدية المستدامة التي تضمن تكامل الجهود، وخلق فضاء تشاركي للنتاجات المعرفية والفكرية يسهم في تحقيق شمولية التطوير التربوي واستجابته لحاجات المجتمع ومواجهة التحديات التي يفرضها مجتمع المعرفة".

 وعكس اللقاء تعاونا حقيقيا، تجلى من خلال اللغة المشتركة لدى الوزير عورتاني، ولدى وزيرة شؤون المرأة د. آمال حمد، التي أكدت على "أهمية التنسيق والتكامل في جهود وزارتي التربية والمرأة في ترسيخ مفاهيم العدالة والمساواة والقيم الوطنية والتربوية وحقوق الإنسان، منوهةً إلى أن هذه الجهود تعكس الطموحات الرامية إلى تطوير المنهاج الفلسطيني بما ينسجم مع التوجهات الفلسطينية والمنظومة القيمية الوطنية"

وحتى أنطلق كتربوي ومواطن بشكل إبداعي، فإنني بحاجة أن أربط بين تجليات تطبيق مفاهيم النوع الاجتماعي قانونيا وثقافيا، وهو يأتي ضمن سياقات سياسية وفكرية ذات اتجاهات حقوقية، بهدف تطبيق العدالة، في حين أرى أن العنف غير منزوع عن سياق المجتمع العام، كمجتمع يعيش تحت الاحتلال، وكمجتمع تقليدي يتمأسس حداثويا، انسجاما مع طموح قيادات الفكر في المجتمع، وتوقعات المجتمع الدولي الذي ننتمي إليه قانونيا ودوليا وإنسانيا في المقام الأول.

أي أن الناشطين والمسؤولين في هذه المجالات الاجتماعية الحيوية، مدعوون للنظر والتدبر والتفكير في مجالات المجتمع المختلفة، دون إغفال البعد الاستراتيجي في التأسيس المعاصر، والذي نعني به التربية والتعليم، كمكان وفضاء تتم فيه التربية على بناء هذه المفاهيم وترسيخها لدى المتعلمين الصغار والكبار.

لذلك فإنني أطمح كمواطن مسؤول باعتبار أن كل مواطن/ة مسؤول/ة أن أشهد نقاشا حول هذه الدوائر، بحيث أرى دوما ربط كل جزئية بما حولها من جزئيات، وصولا إلى المجتمع.

وهذا يقتضي أن يلم الباحثون/ات والناشطون في الفكر الاجتماعي المعاصر، بما فيه من مسائل حقوق النساء، بالمجتمع، والتاريخ والفكر، حيث إن التفكير عميقا في قضايا المرأة لن يكون كذلك إلا تعمقنا في المجتمع. وتلك عملية فكرية وليست عملية حقوقية أو إعلامية فقط.

من جهة أخرى، وبالنسبة للبعد التربوي كبعد استراتيجي تأسيسي، فإن التعامل معه لن يعطي ثماره ما لم تحصل هناك مشاركة بين التربويين/ات وبين مؤسسات المرأة والنوع الاجتماعي..

أي أنه كتربوي، كما أقوم بتثقيف نفسي في مجالات الفكر الاجتماعي، فإنني أرى أنه من الضروري للناشطين الاجتماعيين أن يثقفوا أنفسهم تربويا، وأن يتعرفوا عن قرب على حيثيات وتفاصيل العمل التربوي والتعليمي، حتى يكونوا مؤهلين لطرح اقتراحات قابلة للتطبيق، لتكون التربية على هذه المواثيق والأدبيات والأفكار فعالة.

كلانا مدعوون للتعاون والشراكة، فيد واحدة يصعب عليها التصفيق..!

إن الاتفاق بين وزير التربية ووزيرة شؤون المرأة، بتشكيل لجنة خاصة لمتابعة شؤون النوع الاجتماعي في القطاع التربوي، تضم أعضاء من المجلس الاستشاري ووحدتي النوع الاجتماعي في الوزارتين، إنما يعبر عن هذه الشراكة الحكومية، فيما بينها، وبينها وبين المجتمع بشكل عام.

إن الخطط والاستراتيجيات الدولية والعربية تؤكد على أهمية دمج توجهات الفكر الاجتماعي والثقافي في التعليم. ولما كانت مفاهيم النوع الاجتماعي على رأس تلك التوجهات في العقد الأخير، فإننا ومن خلال هذا الفضاء، يمكننا التعاون تربويا وفكريا، حيث يكون هذا المنطلق اهتماما مشتركا. وبالتالي، نأمل من خلال هذا التعاون خدمة مجتمعنا التربوي، وتقديم مبادرة فاعلة على المستويين القومي والعالمي، نجذب المهتمين به، ومن خلاله نخدم قضيتنا الوطنية.

من هنا، وفي سياق إيمان وزارة التربية والتعليم ووزارة شؤون المرأة بدورهما المتكامل، وفي سياق الإيمان بضرورة التدخل الرسمي لوقف النزيف الثقافي والوطني، والتحلي بمسؤولية الاهتمام بالفكر الاجتماعي للطلبة بشكل خاص، الذين يشكلون الجزء الأكبر عدديا في المجتمع، وبالتالي مستقبله؛ فإننا نثمن عاليا تطوير رعاية تكوين الطلبة وتنشئتهم وطنيا وإنسانيا، حتى لا يكونا نهبا لأي عابث بهم، حيث يتم تعميق وجود المدرسة كحاضنة وطنية وإنسانية، تقود التغيير الاجتماعي، بعيدا عن الاغتراب والتغريب.

وعليه، وضمن التأكيد على التغيير الاجتماعي المؤسس للتغيير الثقافي والسياسي، اللازم للتحرر، فإننا نقدر اختيار منصة النوع الاجتماعي لإطلاق التعاون، لضمان تحقيق أهدافنا في التغيير الاجتماعي والثقافي العادل.

وبالطبع هناك روافع وأدوات، منها تنمية التفكير الناقد بشكل خاص؛ إنه نتيجة وتأسيس، هو نتيجة رحلة التعلم في المشاركة بالفهم، لا بد من الفهم والاستيعاب من خلال التفكير، ثم يأتي التفكير الناقد ثمرة لما جرى، ووقتها فان ذلك يؤسس للنقد الواعي المقترن بالفلسفة من جهة والمسؤولية من جهة اخرى، وها يصبح التغيير استحقاقا.

 على ضوء ذلك نتأمل من يقاوم التغيير ..وهل يرضيه التفكير الناقد فعلا؟ الحكم والاقتصاد من طراز خاص مقترن بالخلاص الفردي..من غيرهما من يحتاجان الفكر المعلب!

 ويمكن تطوير هذا قليلا لنرى مثلا من يقوم بذلك ليقتدي به الاخرون؟ وصولا للطلبة..ان نفخنا انت وانا وهو وهما وهم وهن في كربة مثقوبة علينا ضمان سد الثقوب فيها أولا.

وفي أروع ما كتب افلاطون يقول: ان الفضيلة بمعناها الفلسفي تقوم على العقل، وتفهم المبدأ الذي تعمل على أساسه. انها الفعل الذي تحكمه مبادئ عقلية.

اخر الأخبار