التعقيدات لا تؤجل تنفيذ القرار

تابعنا على:   16:18 2019-07-30

عمر حلمي الغول

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من أعقد اشكال الصراع في العالم، لإن الإشتباك قائم ومتواصل بين الشعب العربي الفلسطيني وأتباع الديانة اليهودية من الإثنايات المختلفة في كل تفاصيل ومجالات الحياة، بدءا من الرواية وإنتهاءا بآخر معلم من معالم الكينونة السياسية والإجتماعية والقانونية والدينية والثقافية التراثية. وتلك الجماعات المتعددة الإنتماءات القومية والعرقية أصر الغرب الرأسمالي والحركة الصهيوني على الإدعاء، انهم "شعب"، مع ان هذا الإدعاء مخالف لكل الشرائع والقوانين وصيرورة التطور الإجتماعي والإقتصادي الكوني، ولا يقبل القسمة إلآ على وعند غلاة المستعمرين الرأسماليين واتباعهم الصهاينة، ومن والاهم في روسيا ودول أوروبا الشرقية، ولهذا اسبابه النفعية، وخلفياته الجيوسياسية. 

دون الخوض كثيرا في مركبات المجتمع الإسرائيلي الإستعماري. فإن واقع الصراع، والتداخل العميق بين مكونات المجتمع الفلسطيني والمجتمع آنف الذكر ، ومحتوى وركائز الإتفاقيات المبرمة بين الجانبين بدءا من إتفاقية اوسلو 1993 حتى خطة خارطة الطريق 2002، وحتى مؤتمر انابولس 2007، وإستشراء الإستيطان الإستعماري الإسرائيلي، ورفض حكومات إسرائيل المتعاقبة لصناعة السلام على اساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، ومع صعود اليمين الإفنجليكاني الأميركي إلى سدة الرئاسة مطلع 2017، وغياب إرادة دولية حتى الآن لإلزام إسرائيل بدفع إستحقاقات السلام الممكن والمقبول، وتراجع مكانة النظام الرسمي العربي، وحدوث الإنقلاب الإخواني في أواسط 2007 على الشرعية الوطنية، وفصل الضفة عن غزة، كل ذلك ضاعف من تعقيد الصراع، ووضع الف عصا في دواليب عربة السلام. 

الهدف هنا التوقف أمام قرار القيادة مساء ال25 من تموز / يوليو الحالي (2019) بوقف العمل بالإتفاقات المبرمة مع الدولة الإستعمارية الإسرائيلية، وتحديد موقعه في عملية المواجهة، هل هو بمثابة جرس إنذار مبكر لوقف الإتفاقات، أم هو تجميد، أوإلغاء لها؟ وكيف يمكن تقليص الخسائر الفلسطينية أثناء عملية التطبيق للقرار؟ ولماذا صدر القرار الآن؟ هناك عاملين وراء إصدار القرار، الأول ردا على جرائم الحروب المتوالية، التي ترتكبها حكومة نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية، وآخرها مجزرة تدمير 70 شقة في عشرة مباني في وادي الحمص في قرية صور باهر، وردا على الحرب المفتوحة من قبل أميركا ترامب على الشعب الفلسطيني، وثانيا هز العصا في وجه إسرائيل وأميركا وأضرابهم، أن القيادة والشعب الفلسطيني لديهم أوراق قوة ويمكن استخدامها مباشرة في حال لم تتراجع إسرائيل عن خيارها الإستعماري والمعادي للسلام. وفي ذات الوقت، إستجابة لنبض الشارع الفلسطيني ونخبه وفصائله. 

وعليه فإن القرار جاء يحمل الدلالتين، الأولى رفع درجة التحذير، والثانية الشروع التدريجي في تنفيذ سياسة الإنفكاك. لإنه لا يكفي أن ترفع شعارا، أو تتخذ قرارا في هذة اللحظة أو تلك، انما الضرورة تملي التوقف الجدي والمسؤول أمام كل نقطة وفاصلة لبحث الآليات الواجب إنتهاجها لفك الإرتباط مع دولة الإستعمار الإسرائيلية. لا سيما وان قيادة منظمة التحرير منذ اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل مطلع كانون الأول / ديسمبر 2017 شكلت العديد من اللجان لبحث التفاصيل والأولويات، وطبقت بعض القرارات المتعلقة بأميركا، لكن مع دولة الإستعمار الإسرائيلي واجهت إشكالية في عملية الترجمة للقرارات نتيجة التشابك المعقد بين شعبنا ودولة الإستعمار. لذا لا يجوز الخضوع للخطاب الشعبوي العاطفي أثناء ترجمة عملية الإنفكاك عن إسرائيل، بل العمل الواعي والهادىء والهادف لبلوغ غايات وأهداف الشعب بالإنفصال التدريجي عن الإستعمار وبأقل الخسائر الممكنة. 

وعليه المطلوب الآن من اللجنة الأخيرة، وآمل ان تكون الأخيرة، وضع تدرج واقعي للشروع في الإنفكاك عن الإقتصاد والسوق والعملة والغلاف الجمركي الإسرائيلي، والتجفيف المتدحرج للتنسق الأمني، وإختراق معاكس لتصنيف الأرض الفلسطينية A و B وC وعدم الرضوخ لها، وفرض الوقائع خطوة خطوة، وتعزيز السيادة على الأرض وإلغاء جذري لكل التسميات الإسرائيلية للطرق والمدن والقرى، وتكريس ذلك بوضع اللافتات الفلسطينية العربية حتى آخر قرية وخربة فلسطينية، وتشكيل لجان شعبية لحماية الأرض في كل قرية وأحياء المدن دون إستثناء، لإن كل المدن والقرى محاطة بالمستعمرات، وإصدار جواز السفر الفلسطيني باسم دولة فلسطين، وضرورة العمل مع دول العالم وخاصة الأقطاب الدولية المؤثرة في صناعة القرار الأممي على إلزام إسرائيل بدفع التعويضات للسكان، الذين هدمت منازلهم، ووقف الإستيطان الإستعماري عموما وفي القدس خصوصا، وفرض العقوبات عليها لإخضاعها للقانون الدولي وتكريس عملية السلام على ارض الواقع وفق مرجعياتها الأممية. لبلوغ ذلك لابد من حسم قضية الإنقلاب الحمساوي، وتعزيز المقاومة الشعبية المتصاعدة، وايضا رفع الصوت المسؤول والحازم في وجه كل نظام عربي يتجاوز محددات مبادرة السلام العربية وأولوياتها.

كلمات دلالية

اخر الأخبار