في فيلم "الممر"... نكسة وإنسانية وحب وانتصار

تابعنا على:   12:45 2019-07-26

كارولين بزي

لم تكن نكسة يونيو 1967 عادية في حياة المصريين والعرب، لذلك قرر شريف عرفة أن يقدم فيلماً من أفضل الأفلام المصرية وأكثرها عمقاً وإنسانية إذ يحاكي فيه مشاعر المصريين والعرب على حد سواء، هو فيلم "الممر".

لم يناقش الفيلم الذي يلعب بطولته عدد كبير من نجوم السينما المصرية وأبرزهم أحمد عز، أحمد فلوكس، محمد فرّاج واياد نصّار ومحمد الشرنوبي وهند صبري وأسماء أبو اليزيد وأحمد رزق وغيرهم. 

الفيلم لا يروي أو ينقل مرحلة عابرة أو حرباً ذكرت تفاصيلها كتب التاريخ، بل لامس وجع المواطن المصري الذي أنهكته الهزيمة، نقل مرارة الجندي المصري الذي أجبرته قيادته على التراجع والانسحاب.

وكانت عدة عوامل أتاحت للإسرائيلي أن يشن الحرب، وفق ما جاء في الفيلم وبحسب القيادات الاسرائيلية فيه، منها ضعف القوات المسلحة المصرية، إذ أُشير إلى أن "كلاً من المشير عبد الحكيم عامر ووزير الحربية شمس بدران قد أضعفوا القوات المسلحة المصرية، بالإضافة إلى وجود قوة من الجيش في اليمن"، علماً أن الولايات المتحدة كانت وعدت الرئيس المصري جمال عبد الناصر بأن اسرائيل لن تشن حرباً.

وعلى غفلة أقدمت اسرائيل على شن غارات حرقت فيها الطيران الحربي المصري وهو على أرض المطار، واستكملت هجومها على الجيش المصري وهو في مواقع التدريب. لا يمكن لمشهد الهجوم هذا أن يمر مرور الكرام عند المشاهد الذي تراوده مشاعر الغضب والوجع والبكاء معاً.

الأصعب من الموت والاستشهاد كان بالنسبة للجنود المصريين وحتى للشعب المصري كان الانسحاب، فسأل "النقيب محمود" (أحمد فلوكس) بحرقة "كيف ننسحب هل نترك أرضنا للصهاينة ليحتلوها؟"، وقد تم أسر "محمود" وكتيبته في أحد أكبر المواقع الاسرائيلية في صحراء سيناء الذي كان معسكراً مصرياً، تحت إمرة أحد الضباط الاسرائيليين "دايفيد" (اياد نصّار).

مع نشوة الانتصار والغرور وقف "دايفيد" بمواجهة صورة لجمال عبد الناصر يسأله: "لسه بدك ترمينا بالبحر يا جمال؟". لم يخطئ شريف عرفة في اختياره لفريق عمل، ولاسيما في اسناده دور "دايفيد" لنصّار الذي أتقنه بكل تفاصيله ولم ينسى اللهجة والأسلوب الاستفزازي الذي يمارسه الاسرائيلي اتجاه العرب، وقد حاول استفزاز الجنود المصريين الذين لم يقبلوا الانكسار.

عاش "نور" بعد النكسة كابوساً حوّله إلى شخص آخر، حتى أنه لم يتردد في ضرب بعض الأشخاص لأنهم سخروا منه ومن قيادته التي أجبرته على الانسحاب في يونيو 1967. تلك المعاناة أيضاً انعكست على حياة "أحمد" (محمد الشرنوبي) إذ تخلى عن خطيبته لأن مهمته اليوم أصبحت أكبر وأصعب. بينما "هلال" (محمد فرّاج) ذلك الشاب الصعيدي الذي يجمع بين حس الفكاهة والعنفوان والقوة في آن أخذ وعداً على نفسه ألا يعود إلى والده إذا يأخذ بالثأر.

بعدها أوكلت مهمة للرائد "نور" مع كتيبته بتدمير وتفجير أكبر معسكر اسرائيلي في عمق سيناء، وبالفعل بالتعاون مع "رمزي" (أحمد حسني) قائد الكتيبة البحرية، هب مع جنوده نحو المهمة، وقد رافقهم "إحسان" (أحمد رزق) الصحفي صاحب المقالات السطحية وذلك بعدما انتدبته الجريدة التي يعمل فيها لمرافقة الكتيبة في مهمتها. تميزت شخصية "إحسان" بالكوميديا والمواقف المضحكة والبريئة ولكنه لم يتوانى عن نصرة جنود بلده.

على الرغم من أن الاسرائيلي حاول أن يصوّر نفسه منتصراً إلا أن مشاعر الخوف رافقته وذلك في مواجهة بين "محمود" و "دايفيد" فواجه الأخير خوفه بإطلاق النار على قدم العسكري المصري. يعتبر "دايفيد" أنه أفضل من يتقن فن استجواب الأسرى وهذا ما حاول أن يطبقه مع "محمود" الذي اعتبر أن القوانين الدولية تحفظ له حقه وحقوق زملائه، لكن "دايفيد" أنكر معرفته بما يسمى قوانين دولية، التي  حاول الاستعانة بها لاحقاً عندما وقع في الأسر. وهي طريقة اسرائيل في التعامل إذ تستعين بالقوانين الدولية طالما أنها تحميها ولا تعترف بها عندما تأتي في غير مصلحتها.

"الممر" رحلة تحملك معها إلى العام 1967 بكل مرارتها، إلا أنها لا تخلو من الحب الذي يصادفه "هلال" القناص المحترف في طريقه لتنفيذ مهمته،  بعد أن يلتقي "فرحة" (أسماء أبو اليزيد) شقيقة أبو رقيبة الذي سُجن مع الأسرى المصريين، إذ حملت "فرحة" الطعام له ولأصدقائه وأرشدتهم إلى الطريق للوصول إلى هدفهم. من اللافت في العمل إعطاء المرأة دوراً في النضال والمقاومة من خلال شخصية "فرحة". ولم يغب عن بال عرفة المشاكل التي يعيشها المصريون بين بعضهم البعض ولكن عند الدفاع عن الوطن فهم واحد.

أخبرت "فرحة" "هلال" أن زملائهم أسرى في الموقع الاسرائيلي الذي ينوون تدميره، وكان موقف القيادة الانسحاب بعدما أخبرهم "نور" إلا أنه أصّر أن يواصل طريقه وذلك بعد إقناع قيادته، ودارت حرب دموية قام فيها المصريون بتدمير الموقع وأسر "دايفيد".

وبإرادة وشجاعة ولأن صاحب الحق سلطان يحارب بقلبه وعقله ويمتلك قوة تفوق قوة المغتصب، استطاع المصريون في طريق عودتهم أن يواجهوا قوة اسرائيلية أخرى، لترتفع بعدها الأصوات بالتكبير لتعلن الانتصار.

في زحمة الانتصار والهزيمة، لم تغب موسيقى عمر خيرت التي أتت لتكمل مسيرة نجاح فيلم تحتاج إليه السينما العربية اليوم.

عن لبنان 24

كلمات دلالية

اخر الأخبار