يهود الفلاشا عنصرية أكثر ولا مساواة

تابعنا على:   21:46 2019-07-13

ماجد الشيخ

"كل اليهود متساوون، ولكن بعض اليهود متساوون أكثر من الآخرين". تلك جملة لخصت وتلخص إرث العنصرية والتمييز الذي شب وشاب عليه المجتمع الإسرائيلي، منذ قيام الكيان الاستيطاني الكولونيالي، وقيام المؤسسة السياسية والأمنية الحاكمة بإنماء أبارتهايد موصوف، ما برح يتسع ويزداد ليشمل يهودا من طوائف معينة ومن أعراق ملونة أخرى، وذلك تأكيدا على مسألة تفوق عنصري خطير، كان قد لخص جوهره جورج أورويل في روايته "مزرعة الحيوانات"، حين افترض أن "كل الأحياء متساوون، ولكن بعض الأحياء متساوون أكثر من الآخرين".
لم يكن عبثا ذاك الرفض الذي تبنته المؤسسة الحاكمة عبر معظم رؤساء الحكومات منذ بن غوريون وصولا إلى غولدا مائير، انطلاقا من عنصرية فاقعة حكمت مواقفهم، وبحجة أنه لا ينطبق عليهم "قانون العودة/الهجرة" الصهيوني، ومزاعم أخرى لم تثبت حقيقتها أو مصداقيتها. وبدءا من العام 1975 وافق رئبس حكومة الاحتلال اسحاق رابين، على "استعادتهم" من موطنهم، لتبدأ موجات الهجرة الجماعية بدءا من العام 1979 وحتى العام 1990، إذ وصل 16 ألف يهودي أثيوبي إلى فلسطين المحتلة، لكن أغلبيتهم وصلوا في عمليتي "موسى" عام 1984 وعام 1987 وعملية "سليمان" عام 1991، حينما نقل الآلاف منهم عن طريق السودان بتنسيق سري من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
قد تكون جولة من جولات احتجاج اليهود الفلاشا انتهت، بعد يومين من عنف دام، إثر مقتل الشاب سلمون تاكا (19 عاما) برصاص الشرطة الإسرائيلية، لكن العنصرية وكافة المسببات التي تستدعي الصدام والاضطراب بين فترة وأخرى، لم تنته بعد، ولن تنتهي في ظل عنصرية معتقة ومتجذرة في مجتمع يفتقد لأي عنصر من عناصر التسامح، بقدر ما نشأ وشب وشاب على أعمال القتل والعدوانية والممارسات التمييزية، لتنتقل ملفات الهبّة قصيرة الأمد، إلى قاعات المحاكم الإسرائيلية، حيث تبين أن الشرطة التي امتنعت في يومي التظاهرات عن المواجهة الميدانية مع المتظاهرين، اعتقلت أكثر من 200 متظاهر، بعد أن تم توثيق مشاركتهم في التظاهرات وأعمال الاحتجاج، عبر كاميرات عناصر الشرطة، وكاميرات المراقبة والسرعة المنتشرة في الطرق الرئيسية.
الصحف الإسرائيلية من جهتها، ذكرت أن المحاكم الإسرائيلية، تواصل تمديد اعتقال النشطاء البارزين في هذه التظاهرات، حتى بعدما اتضح أن اعتقالهم كان منافياً للقانون، وأنه تمّ حرمانهم من الاستشارة القانونية، وانتهاك حقوقهم الأساسية. في حين زعمت صحيفة "معاريف" (الجمعة 5/7/2009)، أن مصادر في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم تستبعد تدخلاً خارجياً، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لتغذية التظاهرات وعمليات الاحتجاج، التي فاجأت الشرطة الإسرائيلية، بحسب اعتراف وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان.
وقالت "معاريف" نقلاً عن مدير قسم الأبحاث السابق في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية، "أمان"، الجنرال في الاحتياط إيلي بن مئير، إن هناك شواهد على تدخل خارجي عبر السايبر وشركات التواصل، لتغذية الاحتجاجات التي أطلقها اليهود الإثيوبيون في إسرائيل.
وفي المقابل، لم يتوان رئيس المحكمة الإسرائيلية العليا السابق، القاضي إلياكيم روبنشتاين، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، عن الاعتراف بوجود تمييز عنصري في المؤسسة الإسرائيلية ككل، ضد اليهود الإثيوبيين، وداخل الشرطة الإسرائيلية التي تلجأ إلى العنف بوتيرة أكبر في تعاملها مع شرائح دون غيرها في إسرائيل مثل تعاملها مع العرب الفلسطينيين، والحريديم (المتدينين)، والمهاجرين من بلدان الاتحاد السوفييتي سابقا.
وهكذا مرة أخرى جديدة، يجد يهود الفلاشا في إسرائيل أنفسهم في مواجهة مباشرة مع المؤسسة السياسية – الأمنية الحاكمة، ضحايا عنصريتها القاسية والاستخفاف بهم؛ بسبب لون بشرتهم وأصولهم الإثيوبية، بعد مقتل أحد شبابهم دون مبرر من قبل رجل شرطة في منطقة حيفا. وجاءت حادثة قتل الشاب الإثيوبي حلقة في مسلسل جرائم قتل ارتكبتها الشرطة الإسرائيلية في الماضي، من بينها اعتداءات حتى على شباب فلاشا يرتدون الزي العسكري ويخدمون في جيش الاحتلال.
ومثلما في كل مرة يسقط فيها ضحايا عنصرية المتعصبين اليهود الغربيين، أثار مقتل الشاب الإثيوبي الأصل ضجة واسعة وحالة غضب، حيث قام مئات من يهود الفلاشا بإغلاق شوارع مركزية وإشعال حرائق في مفارق مركزية، مما تسبب باختناقات مرورية كبيرة. في وقت وجه قادة الفلاشا الاتهامات للشرطة الإسرائيلية بالضغط السريع على زناد السلاح، عندما يكون الهدف من غير اليهود الغربيين، خاصة من المهاجرين الجدد من إفريقيا بسبب لون بشرتهم. وزاد غضب يهود الفلاشا بعدما قامت محكمة إسرائيلية بإطلاق سراح الشرطي القاتل وإرساله لحبس منزلي داخل فندق.
وكانت مدينة تل أبيب شهدت في العام 2015، اضطرابات لعدة أيام في عدة جولات، بعدما تظاهر اليهود المهاجرون من إثيوبيا (الفلاشا) احتجاجا على التمييز العنصري اللاحق بهم، وذلك وسط محاولات إسرائيلية رسمية لامتصاص غضبهم. وشارك وقتها آلاف من يهود الفلاشا في مظاهرة سلمية بمركز تل أبيب، وهتفوا ضد عدوانية الشرطة تجاههم وتفشي العنصرية الرسمية والشعبية ضدهم، بسبب لون بشرتهم السوداء، وطالبوا إسرائيل برؤية أفعال تنبذ العنصرية وعدم الاكتفاء بالأقوال.
وتعيد هذه الجريمة الجديدة الأنظار لوضع يهود الفلاشا في إسرائيل، البالغ عددهم نحو 150 ألفا موزعين على 19 بلدة، ويعيشون في أحياء فقيرة ومهملة ومدن صفيح على أطراف المدن القائمة، كما هو الحال في مدينتي الخضيرة والعفولة، حيث تتزايد نسبة المعتقلين الجنائيين بينهم وتبلغ نحو 40% خصوصا من الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة.
ويقول يهودي منهم يقيم في العفولة، إنه يبحث عن عمل منذ عامين دون جدوى، وإن عائلته المكونة من تسعة أفراد تكابد فقرا صعبا، مضيفا: "أرباب العمل يفضلون العمال البيض، أما السود فلا يحظون برعاية الدولة". كما يشكو تفشي العنصرية في مختلف مناحي الحياة، داعيا للتنبه للبنى التحتية المتآكلة في حي "عفولة عليت" الذي يعيش فيه.
وتتكرر الشكوى على لسان آخر يقيم في حي "الغفعاه" في العفولة الذي يعاني أيضا من الإهمال وفقدان مصادر العمل وخدمات الرفاه والصحة، ويقول ألاما إن أكثر ما يضايقه هو "الإهانة التي يتعرض لها أبناؤه في المدرسة من زملائهم الإسرائيليين الذين يعاملونهم باستعلائية وازدراء. ويشير متحدثا بلغة عبرية سليمة إنه كان طفلا حينما شارك ذووه بالسير على الأقدام من إثيوبيا حتى السودان طيلة أسبوعين، وناموا على الطرقات حتى نقلتهم خلسة طائرات إسرائيلية للبلاد". ويضيف: "كنا نعتقد أننا في الطريق إلى جنة عدن، ولم نتخيل مواجهة هذه العنصرية والاستخفاف، ولذا أحن اليوم إلى موطني الأول، رغم قسوة المعيشة هناك".
هل هي الصدفة التي تجعل من بعض البشر ضحايا عنصرية وتمييز فاقعين، خاصة في كيان كولونيالي يمتلك داخل مجتمعه، وفي مؤسسات سلطاته العسكرية والأمنية والسياسية، رؤية متجذرة في التعصب والعنصرية والتمييز ومعاداة الآخر، حتى بين مكوناته التي تعاني اغترابا مزدوجا ومضافا، بين الانتماء وعدم الانتماء، وتشظي هويات غير منسجمة، قد لا ولن تستطيع أن تبلور هوية متكاملة لجهة الحفاظ على انتماء هوياتي وعادات وتقاليد وثقافة ولغة موحدة، ليس شرطا أن تكون مكتوبة أو منطوقة.
لقد ذهب إيال غاتو (هآرتس 3/7/2019) للتعليق على ما جرى في الجولة الأخيرة من مسلسل المواجهة التي لن تختفي، للقول: يستدعي الاغتراب وعدم الانتماء؛ المواجهة مع مكونات الهوية الأساسية جدًا بالنسبة للإنسان. يظهر من ذلك أن الفرد مطلوب منه التنكر لهويته وعاداته وثقافته ولغته.
في الحقيقة، العنف والعنصرية مفهومان واضحان ليسا بحاجة إلى تفسير. لا حاجة إلى أن تكون خبيرًا في علم الاجتماع لتلاحظ وجود العنصرية المتفشية في المجتمع، (وبالتأكيد ليس في إسرائيل فحسب، بل وفي مجتمعات عديدة تتسمى وطنية، ينخر بنياتها غول الطائفية والفئويات السلطوية المتخلفة على أنواعها) سواء تجاه المهاجرين من إثيوبيا أو تجاه جماعات أخرى. مع ذلك، حالة الإثيوبيين حالة استثنائية، بسبب عنصر اللون الذي يمنع اندماجهم الكامل في المجتمع الإسرائيلي الفاتح في معظمه".
أكثر من سبعين عاما، والاحتلال الكولونيالي يشهد على سقوط قيم الديمقراطية والتعددية والعدالة والمساواة، داخل كيان يدعي أصحابه وحماته وداعميه وحراسه المدججون بالأسلحة، كما بالأفكار العنصرية، إنهم منارة هذا العالم، لا سيما هذا الشرق الملطخة سمعته بكل موبقات الفصام ومتلازمات أمراض التعصب والاستعلاء، وعنصرية التسلط الفاشي والارهابي والطوائفي المتمذهب، داخل يانات تتشرنق فيها السلطة، داخل مكونات ذواتها الباحثة عن الأنا المصلحية، وسط أناوات زبائنية انحطت وتنحط معها كل القيم والأخلاقيات والمبادىء والأيديولوجيات السلطوية، وهي تعادي كل قيم الانسانية المتحضرة، ولا تترك مجالا لعيش الإنسان، كما تريد طبائعه وطبيعته الفطرية كما القيمية.
إسرائيل في هذا المجال، وفي كل المجالات ومنذ البدء، لا تحمل في جيناتها سوى المزيد من الغلالات غير الشفافة من العنصرية، وتدلل سنوات عمرها منذ نشأتها الأولى وحتى أيامنا هذه، على وجود المزيد من الطبقات المتراكمة من التعصب والعنصرية، وضد كل الاتجاهات السياسية والدينية والطائفية والفكرية والأيديولوجية؛ وأخيرا ضد ذوات أهل السلطة وهم يتناطحون على رقعتها الانتخابية، من دون أن تحسم لصالح أحد منهم، فلم يعد لجنرالات الحرب بريقه الذي يصعد به إلى السلطة بأي أغلبية مريحة.
في مجتمع عنصري كهذا، كان ويكون من الطبيعي أن تفشل صيغ الانتخاب المباشر، كما كان ويكون من الطبيعي أن تتفشى العنصرية لتطفو بين الحين والآخر على السطح، كما تغور في الأعماق؛ مولدة موجات من التعصب بتكويناته التراكمية التي تتم بصمت وهدوء، كما عبر هيجان عنصرية تتلظى فجأة، لكنها قد تبقى تراكم في الأعماق لظى ثورة مظلومين يقاسون ظلم ذوو قربى يفوق ظلمهم الأبعدون، والأبعدون أكثر. وما تردد في الهبة الأخيرة للفلاشا الأثيوبيين من رفعهم للأعلام الفلسطينية، وترديد شعارات ومواقف ضد إسرائيل والمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، وليس ضد الحكومة أو القائمين بأعمالها فحسب، مؤشر واضح على عداء معظم اليهود الشرقيين ويهود الفلاشا خصوصا، ليهود المؤسسة الاشكنازية الكولونيالية الحاكمة. ما يؤكد أن إسرائيل سيأتيها يوم يمكن أن تذوب وتضمحل فيه، إنطلاقا من محشرها العنصري التعصبي، هذا الذي صنعه ويساهم اليوم في صنعه إسرائيليون كثر، كما "متأسرلون" يزدادون يوما بعد يوم، وهم ينضجون بوعيهم الزائف معاداتهم الفظة للحقيقة وللرواية الفلسطينية، كما وللوقائع التاريخية، وذلك على الضد من إيمان أصحاب الأرض والوطن التاريخي الفلسطيني، وتلك عنصرية مضافة (قوموية) تناتجت بفعل التسلط والاستبداد السلطوي، فأصبحت تتوالد من عنصريات راكمتها المصالح الكولونيالية، والرؤى العدمية، والعلاقات الزبائنية، وترجيح عقلية النهب والزيف والنقل، ضد عقلية تحبيذ العقل والحقائق التاريخية وترجيحات الفعل.

كلمات دلالية

اخر الأخبار