الإعلام الفلسطيني .. فشل التنوير والتثوير

تابعنا على:   15:31 2019-07-08

ماجد هديب

منذ ان شاع مصطلح صفقة القرن ،وما واكب هذا المصطلح من بيانات رسمية صادرة عن البيت الأبيض حول هذه الصفقة بما فيها من مضامين ذات دلالات على تفرُّد الخطاب الأمريكي بتمرير المعلومات لجميع وكالات وصحف العالم بما يخدم رؤية دونالد ترامب والحكومة الأمريكية ،فان الخطاب الاعلامي الأمريكي لتلك الحكومة قد اعتمد على استراتيجية الغموض في الحديث عن الصفقة وتفاصيلها ،مع ممارستها ومن خلال ادواتها في المنطقة على اسلوبي الترغيب والترهيب لدفع الفلسطيني قبول الصفقة بالشروط المطروحة ،وعليه كان لا بد من  توجيه سؤال لوزارة الإعلام الفلسطينية ،مع توجيه السؤال نفسه الى المشرف العام على الإعلام الرسمي ،وخاصة بعد مؤتمر البحرين، الا وهو ما هي الاستراتيجية الإعلامية ،او برامج العمل ،واليات تحقيق اهداف هذه البرامج التي اتبعها الإعلام الرسمي لتنوير الجماهير الفلسطينية والعربية بأخطار الخطاب الاعلامي الامريكي ، مع تثويرهما معا لمواجهة صفقة القرن ومؤتمر البحرين الذي انعقد كأحد اهم قواعد الارتكاز لهذه الصفقة ؟.

إن نظرة سريعة الى ما صدر عن كافة وسائل الإعلام الرسمية ،المرئية ،والمسموعة ،و المقروءة حول صفقة القرن ،بالإضافة الى غياب  تفاعل الجماهير مع دعوات الاحتجاج على مؤتمر البحرين الصادرة عن تلك الوسائل يجعل مشهد فشل هذه الوسائل واضحا في مواجهة صفقة القرن اعلاميا ، وذلك إما لجهل وتخبط القائمين عليها ،وإما لعدم خبرة العاملين فيها لعدم قدرتهم على تعرية جميع ما صدر عن البيت الأبيض  وبعض الأنظمة العربية من مواقف وبيانات وتصريحات ،حيث كان على الاخ نبيل أبو ردينة وهو وزير الإعلام ،وكذلك الاخ احمد عساف وهو المشرف العام على الاعلام الرسمي مبادرة الاجتماع مع ممثلي تلك الوسائل الرسمية لوضع الاستراتيجية الإعلامية ،وبرامج العمل ،وآليات تحقيق اهداف هذه البرامج لمواجهة صفقة القرن ،وذلك أجدى من افتتاح مكاتب لتلفزيون فلسطين في دول عدة لم نشاهد من خلالها الا  برامج ،اما قد تجاوزتها الوقائع والأحداث ، وإما أنها لم تتوافق مع السياسات العامة للسلطة ،لم فيها من رفاهية دول مستقلة منذ عقود ،وليس ثورية شعب ما زال في مرحلة من الالتزام في التحرر والبناء .

ان عدم اتباع تلك الوسائل الحد الادنى من أساليب تنوير الجماهير العربية والفلسطينية  لخطورة صفقة القرن ،مع عدم اعتماد خطاب الاعلام التثويري لهؤلاء انفسهم على الانظمة العربية المشاركة في تمرير هذه الصفقة  يؤكد فشل تلك الوسائل وعدم اهتمام القائمين عليها في الاتفاق على توحيد الخطاب الاعلامي في مواجهة هذه الصفقة بكشف اللثام عن وجوه كل من حضر مؤتمر البحرين من اللئام ، فهل استضاف تلفزيون فلسطين أي معارض لأنظمة الدول المشاركة في مؤتمر البحرين ؟ ، وهل اتجه الإعلام الرسمي نحو مطالبة البرلمانات العربية للوقوف أمام  حكوماتها لإجبارها على رفض المشاركة في مؤتمر البحرين وخلق حالة من الرفض الشعبي ؟،وهل حاول هذا الاعلام ايضا ابراز لغة إعلامية وخطابية واحدة للمؤسسة الرسمية الفلسطينية وباقي قوى وفصائل العمل الوطني مع الأخذ بعين الاعتبار تشكيل خطاب شامل للقضية الفلسطينية وتفعيله باللغات كافة ليكون مؤثرًا على كافة الجوانب ،الإنسانية منها والقانونية ،وحتى السياسية؟.

ان غموض الاعلام الامريكي حول صفقة القرن وطغيانه في عمليه التمهيد لها لفرضها،بالاضافة الى اتباع اجهزة اعلام الدول العربية المشاركة في مؤتمر البحرين  لأسلوب ترغيب الفلسطينيين في صفقة القرن لم فيها من ازدهار اقتصادي ،وترهيبهم ايضا لانعكاسات رفضها قد جعل الاعلام الرسمي الفلسطيني في حالة من فقدان الرد على تجاهل امريكا لحقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته وحقه في تقرير مصيره ،مع فشل الرد على ادعاءات ادواتها من الكيانات العربية ومنها بان الفساد الذي استشرى بالمؤسسات الفلسطينية الى جانب الانقسام هو سبب عدم قدرة الفلسطينيين لقيادة انفسهم نحو بناء دولة لهم ذات اقتصاد مزدهر  ،حيث كان على الاعلام الرسمي مغادرة مربع مغازلة تلك الانظمة والاتجاه نحو كشف خداعها وزيف تصريحاتها والاثبات للجماهير العربية التي باتت وللأسف صاحبة مواقف متباينة من صفقة القرن بان تنصُّلِ إسرائيل لالتزاماتها وتصاعد الغطرسة الامريكية في فرض حلول لا تتوافق مع حقوق الفلسطينيين، ليس بسيب فساد الفلسطينيين وسوء ادارة قيادتهم وفقا لما تروج له انظمتهم الرسمية ،وانما هو بسبب تبعية هذه الانظمة وخضوعها للإملاءات الامريكية والاشتراطات الاسرائيلية.

لعل البعض يتذرع هنا بأنه لا حاجة لتنوير وتثوير الشعب الفلسطيني لان الشعب الفلسطيني اكثر شعوب الارض معرفة الانحياز الأمريكي لإسرائيل واكثر دول الغرب حرصا على ديمومة هذا الكيان وتطويره ،بالإضافة إلى أن الشعب الفلسطيني كان وما زال  الاصلب في حماية حقوقه والدفاع عنها ،ولكن لا بد من القول هنا بان الاعلام الامريكي لم يستهدف فقط فئة الجمهور الفلسطيني ، وانما كافة الجماهير العربية من خلال وسائل الإقناع في السلوك و محاولةِ ربط الصفقة بالصور والقيم الإيجابية والإنسانية ،حيث حاولت تلك البيانات والتصريحات الامريكية اظهار بان ما سيتم عرضه من بنود لصفقة القرن تمثلُ العدل،  والإنجاز، والمستحيل الذي سيتحقق من خلال ما سيعود على الفلسطينيين من انتعاش لاقتصادهم، وتحقيق لاستقرارهم ،فهل ينتظر الشعب تلك الرفاهية حقا ودون نيل حقوقه بالتحرر واقامة الدولة رغم ما يعيشه من انحدار على كافة المستويات؟.

المطلوب استراتيجية اعلامية تساند وتدعم خطط مواجهة صفقة القرن ،وليس كما هو حال وسائل الإعلام الرسمي اليوم التي باتت في حالة من  نقل تصريحات المواجهة لرفض هذه الصفقة دون المساهمة في إيجاد الحلول ، فهل أعد الإعلام الرسمي خطط وبرامج لأهمية مواجهة الصفقة لدعم القيادة الفلسطينية فلسطينيا؟، وهل عمل هذا الإعلام على مواجهة التطبيع الذي ينخر في جسد الأمة الإسلامية والعربية لوقف هذا الزحف الأسود على الامة، وتعزيز المقاومة الشعبية والمسيرات ؟،وهل لجأ الإعلام الى تنوير وتثوير اللاجئين في مخيمات الشتات من خلال استضافة المؤسسات والاندية وممثلي الفعاليات النقابية والشعبية في تلك المخيمات للوقوف أمام التحديات المفروضة عليهم ،مع نقل رسالتهم بالتلويح بما يمتلكونه من أوراق ضاغطة على الدول التي هم فيها  في حال تجاوز حقوقهم بالعودة واقامة الدولة؟.

ان للإعلام دور كبير في تشكيل خطاب اعلامي وتوحيده ،ولولا الاعلام الرسمي لأصبحت  عملية الوحدة والاتفاق ما بين القيادة والجماهير في اية دولة ومهما كانت صعبة المنال ،لأن عملية التنوير والإقناع تتطلب من القائمين على وسائل الاعلام الرسمية ان تنشط بشكل كبير وخاصة في الأزمات ،حيث تصبح وسائل الإعلام في ظل هذه الازمات هي بمثابة السور الواقي للوحدة والاستقرار وتجاوز المحن والصعاب ،وهي بمثابة الطبيب الذي يشخص  الازمة ويعمل على تقديم الوصف العلاجي لتجاوزها والتعافي منهما او الحد من انعكاساتها ،وهذا ما يجب على الإعلام الفلسطيني الرسمي القيام به ،حيث كان عليه وما زال واجب تشخيص صفقة ترامب ،والوقوف على انعكاسات فرضها ،مع تقديم الوصف اللازم لإحباطها فلسطينيا وعربيا من خلال الاتفاق على الاستراتيجية الإعلامية النابعة من المعرفة ، والعلم ،وكذلك  عمليات التحليل والشرح والتفسير المدعومة بالأدوات المهنية الإعلامية من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منها ،وفي مقدمتها تسوير الشعب بالوحدة الوطنية ،ودفع الشعب نحو الالتفاف حول القيادة الفلسطينية ،مع تشكيل شبكة أمان لها، والا فان الاعلام الرسمي الفلسطيني يصر على عدم مغادرة مربع الفشل ،مع إبقاء نفسه في حالة من الجهل والتخبط الذي لا استراتيجية له، ولا حتى برامج او رسائل ،تنوير كانت ،او تثوير.

كلمات دلالية

اخر الأخبار