موسكو والمشهد «العراقي ـ الداعشي»

تابعنا على:   11:50 2014-07-04

هاني شادي

الاتصال الهاتفي بين فلاديمير بوتين ونوري المالكي في 20 حزيران 2014، أوضح بجلاء أن موسكو لن تقف على مسافة بعيدة مما يحدث في العراق، وتمدُد «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). فقد أكد بوتين للمالكي أثناء هذا الاتصال الهاتفي «دعم روسيا الكامل لجهود الحكومة العراقية الرامية إلى تحرير أراضي العراق من الإرهابيين بأسرع وقت ممكن». وتمخض هذا الاتصال عن الاتفاق «العاجل» على بيع طائرات حربية هجومية عاملة في قوام سلاح الجو الروسي حاليا من نوع «سوخوي ـ 25» إلى حكومة بغداد. وتؤكد مصادر روسية أن أول عشر طائرات حربية من تلك الطائرات قد وصلت إلى العراق بالفعل. وهو ما أعلن عنه المالكي نفسه، مشيرا إلى أن «هذه الطائرات ستساعد القوات الحكومية في التغلب على المسلحين المتطرفين». والأمر لم يقتصر على طائرات «سوخوي» وحسب، بل أُعلن أيضا عن تسليم موسكو للمالكي مروحيات مقاتلة من طرازي «مي-35» و«مي-28» أيضا. وتقدر قيمة هذا العقد «العاجل»، حسب بعض المصادر الروسية والغربية، بـنحو 365 مليون يورو.
ولكن هل يعني ذلك أن موسكو باتت من الأطراف المشاركة مباشرة في المشهد «العراقي ـ الداعشي»؟ لا تخفي موسكو انزعاجها من تمدُد الجماعات الإسلامية المتطرفة، وما تُعلنه من «خلافة إسلامية» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذا يرجع لما لذلك من تأثير سلبي محتمل على شمال القوقاز الروسي خاصة، وعلى بعض المسلمين الروس عامة. فليس سرا أن الفكر الديني المتطرف المدعوم بتنظيمات مسلحة تغلغل، ولا يزال، بقوة في داغستان وتتارستان، على سبيل المثال لا الحصر. ولا يمكن لموسكو أن تنسى حربين طاحنتين مع الشيشان في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة. ويمكن تعليل السرعة «التاريخية» لتنفيذ الصفقة مع رئيس الحكومة العراقية بالتدهور الحاد للوضع داخل العراق الناجم عن الهجوم «الناجح» لمقاتلي «داعش»، الذين يحاولون الاقتراب من مشارف بغداد واحتلال عدد من منشآت النفط. كما أن لجوء المالكي إلى الاستنجاد بموسكو يعود إلى «خلافاته» مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث اتهم واشنطن عمليا بهزيمة جيشه نتيجة المماطلة في توريد مقاتلات «F- 16». وبالطبع، لا يمكن هنا تجاهل مصالح روسيا في العراق، ومنها ما يتعلق بشركة «لوك أويل» النفطية الروسية التي تعمل في حقل «غرب القرنة»، وصفقة السلاح الموقعة بين موسكو وبغداد نهاية 2012، والتي تقدر بـأكثر من 4,3 مليارات دولار. ولا ينبغي أيضا تجاهل أن الروس، وهم يقدمون الدعم العسكري لحكومة بغداد، تتركز عيونهم على مصير دمشق.
من التصريحات الرسمية الروسية بشأن العراق خاصة، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عامة، يمكن استنتاج أن موسكو لن تبقى بعيدة عن أحداث العراق. ولكن مدى «انغماس» روسيا في هذه الأحداث غير واضح حاليا. فقد نفت وزارة الدفاع الروسية إرسال طيارين روس إلى العراق لقيادة طائرات «سوخوي ـ 25»، ولكنها أكدت وجود فنيين عسكريين روس في الأراضي العراقية حسب اتفاقيات مع حكومة بغداد. ويرى روسلان بوخوف، مدير مركز تحليل الاستراتيجيات بموسكو أنه ليس في الوقت الراهن لدى الجيش العراقي طيارون مدربون يستطيعون قيادة طائرات «سوخوي»، ولم يستبعد استخدام طيارين سوريين أو إيرانيين أو التعاقد مع طيارين من دول ثالثة.
ولكن الروس ليسوا وحدهم من سيقرر مستقبل الأحداث في العراق، فهناك إيران والسعودية والولايات المتحدة الأميركية وتركيا وإسرائيل. لقد سارع نائب وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، إلى زيارة موسكو في الأول من الشهر الجاري وبحث الملفين العراقي والسوري. وإمعانا في إظهار التقارب الإيراني الروسي في المواقف، صرح عبد اللهيان في العاصمة الروسية بأن «واشنطن ترغب في خلق أوكرانيا جديدة في العراق». وبالطبع، يمكن ان تتفاهم موسكو وطهران على خطوات عسكرية معينة لدعم بغداد في مواجهة «داعش». ولكن المأزق الحقيقي، هنا، يتمثل في كيفية إخراج العراق، والمالكي شخصيا، من المأزق السياسي الراهن. كما أن «تعاون المضطرين» بين موسكو وواشنطن في العراق جائز أيضا، انطلاقا من مواجهة «الخطر المشترك» للجماعات الإرهابية. وذلك برغم تحميل موسكو، عن حق، مسؤولية ما يجري في العراق إلى السياسة الأميركية منذ غزو العام 2003، وبرغم الخلافات مع واشنطن بشأن أوكرانيا. ومثال تعاون البلدين في أفغانستان، لخير دليل على هذه الإمكانية في العراق أيضا.
وفي ما يتعلق بالموقف الإسرائيلي الأخير الداعم لاستقلال «كردستان العراق»، فإننا نعتقد أن موسكو لن توافق عليه، برغم علاقاتها التاريخية الجيدة مع أكراد العراق عامة. وفي غالب الظن، لن تقبل روسيا أيضا بموقف من يدعو إلى «خلع» المالكي، ولكنها تقبل بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة يتمثل فيها «السنة والشيعة». فقد حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريحاته الأخيرة «من مغبة انهيار العراق، كما انهارت ليبيا أو كما يرغب البعض بانهيار سوريا». وشدد الوزير الروسي على «أن ذلك سيؤدي إلى انفجار المنطقة، ليبقى عدم الاستقرار علامة مميزة لها على مدى سنوات طويلة، ومحذرا من أن هذا سيمس دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا والدول القريبة الأخرى أيضا». وتدعو موسكو حاليا، على لسان لافروف، الى قيام الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالبحث عن طرق للمحافظة على وحدة أراضي العراق. وتطرح مشاركة كل الدول المجاورة للعراق، بما في ذلك سوريا، في هذه العملية. وهذا قد يعني، في ما يعني، البحث عن اتفاق دولي ـ إقليمي لـ«هندسة» الترتيبات المستقبلية في المنطقة.

عن السفير

اخر الأخبار