الفصل الأخير من الصراع

تابعنا على:   08:34 2019-07-02

عبدالحكيم عامر ذياب

بدا حديث كوشنر كأنه إضافة لعلم السياسة ، حين سوق أن صفقة القرن هي الفرصة الأفضل في حالة الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين ، وقال أنها تهدف إلى التأكيد على فحواها ، كونها الفرصة الوحيدة لحل شعبين ودولتين.

وبذلك لم يتردد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من اغتنام الفرصة ليقول أن ضياع هذه الفرصة سيكون بمثابة فقدان الأمل في حل هذا الصراع الذي لا ينتهي إذا لم ينتهي في عهده ، وهنا كأنه يقول أن العصا السحرية هو الذي يمتلكها فقط وهنا ربما يقصد ولايته الثانية !!

كل ذلك يؤكد أن اسهام كوشنر وتأكيد ترامب على الصفقة كأنه حملة منظمة على منظمة التحرير الفلسطينية والفلسطينيين الذين اعتادوا تبديد الفرص دوما حسب اعتقادهم .

وحسب الإعلام الاسرائيلي والاعلام الأمريكي تبدو هذه القناعة موثوق فيها في الشارعين ومسلم بها ، أن يكون الشعب الفلسطيني هو الكاره للسلام ، وللصلح ، كيف يقتنعون بأكاذيب ساستهم ، ولا يستطيعون سماع الحق ، والشعب الذي يتعرض لكل هذا العنف !!

إذا ما فكرنا قليلاً وتذكرنا حديث كارتر الذي قال فيه أن كل الرؤساء الأمريكان تبنوا فكرة الدولة الفلسطينية ، ولم يحملوا يوماً الفلسطينيين جانب الفشل ، أو مسؤولية فشل المفاوضات ، أو الحلول رغم ذلك تحاملوا عليهم ، دون أن يلتفتوا ولو قليلا لتحميل إسرائيل مسؤولية أي فشل أو عنف وليس لديهم الجرأة على ذلك ، وما يجب ذكره أيضاً أن ايهود باراك أقدم على مصيبة سياسية حين أعلن أنه يرفض الشريك الفلسطيني ، وأصبح يعمل على تبني الجميع فكرة اللاشريك الفلسطيني ، وبذلك اذا كانت كل المقاربات الأمريكية قد فشلت بسبب عدم وجود العدل ولا امتلاك الشجاعة المطلوبة وتحميل إسرائيل مسؤوليه تنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني ومقايضة حقوقه بحلول اقتصادية وحفنة اغراءات وقليل من المال والكثير من التطبيع الاقتصادي ، عبر ورشة تسوق كل هذا الكذب والافتراء ، فمن يرى أن الشعب الفلسطيني إن لم يقبل بهذه الصفقة فهو الذي يهدر الفرص التاريخية ؟!

وكم على الشعب الفلسطيني أن يكون صبوراً حتى يتحمل كل هذا الظلم ، والاستخفاف ؟

الحقيقة أن ترامب يعرف جيداً أن المنطقة كلها وتاريخها وثقافتها لا يعرفون الحقيقة التاريخية لفلسطين وكل ما يعرفونه هو روايات مشوهه تتضمن توراتية مطعّمة وأفكار أيديولوجية صهيونية عملوا على تسويقها ، والمعروف أن لديهم مصالح اقتصادية تهمهم أكثر من شعب عانى الويلات ، والواقع أن كل رأس المال اليوم هو رأس مال أميركي يهودي ومشهور بالأكثر يمينية وتعصباً وعنصرية .

وما يحدث الان أن الصفقة تعتبر فرصة تاريخية لترامب وحكومته لتحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية الفشل ، عن شيء ليس أمامه إلاّ الفشل ، وليس له أية حظوظ من النجاح وبالتالي فإن فريق ترامب يراهن على أن يتمكن من حصار الشعب الفلسطيني حصاراً خانقاً ، وأن يعمل بالتالي على عزل قيادته عن هذا الشعب ، ولاحقاً عن المحيط العربي الذي بايع ترامب ، وفي محاولة استقطاب أية بؤر وتجمعات من هنا وهناك على المستوى الدولي .

وما يدعم ذلك هو هشاشة الوضع الداخلي الفلسطيني والانقسام الذي بعثر الدم الفلسطيني والذي يراهن عليه ترامب واسرائيل لممارسة سياسة العزل الذي يهدف إلى الانفصال بين الضفة والقطاع وضع القطاع في الشق الاقتصادي تحت تداعيات الوضع الإنساني ، ما سيؤدي من وجهة نظر فريق ترامب إلى تشتيت التمثيل السياسي وإنهاء شرعيته ووحدانيته ووحدته .

وعلى ما يبدو أن التهدئة مع حماس وادخال المال ليس إلا توافق اسرائيلي أمريكي لأدق تفاصيل الوضع الفلسطيني .

وما يراه فريق ترامب أن الوضع العربي مهادن لكل هذه الأفكار ، ليتقي شر أمريكا ، وليحمل المسؤولية على الشعب الفلسطيني الذي سمح لنفسه أن يتشرذم بهذه الطريقة، وبذلك تستطيع الولايات الأمريكية أن تعمل على إعادة ترتيب الأوضاع ، وفق الرؤيا الأميركية، وبالتالي فإن الفرصة قائمة ، وعلى هذه القاعدة باشر ترامب فعلياً بالعمل على الحملة الانتخابية للولايات الثانية وما يشجعه على ذلك أيضا أن اليمين اليهودي الأميركي والمسيحيين الصهاينة هم الأقدر كجهات منظمة وفاعلة وعلى أعلى درجات التنسيق والمقدرات المالية على دعم ترامب وإعادة انتخابه .

ما يحصل هنا أننا أمام حكومة تتبنى كل أطروحات اليمين الإسرائيلي ، ومحاولة فرضها على الواقع ، وعدم تمكين الشعب الفلسطيني من إجهاض كل هذه المقاربة الأميركية .

وامريكا تعرف جيداً أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تزودهم بمعلومات دقيقة حول الفلسطينيين الذين لن يقبلوا بكل ما يمارس ضدهم من الصعوبات والحصار وممارسة ضدهم سياسة التجويع ويدرك تماماً أن لا أحد سيقف أمامه ليقول لا كما يقولها الفلسطينيين ، وأن امكانية اغلاق هذا الملف فعليا واردة وهذا ما تسعى له السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس وهذا ما يشكل تهديداً واضحاً لترامب أكثر مما هو تهديد للشعب الفلسطيني .

وبذلك أعتقد أن الفرصة التاريخية هذه فقط من وجهة نظر إدارة ترامب ، وللشعب الفلسطيني أن يحدد ما يريد ، وأن يقول كلمته، وأن له الحرية المطلقة أن يعتبر ما يريد فرصة ، وما يريد ضد إرادته ، ولا أحد يستطيع إجباره على التوقيع ، والخوض في ملف انتزاع حقه ، وبذلك سنبقى في الفصل الأخير من هذا الصراع وإن كان طويلاً .

كلمات دلالية

اخر الأخبار