تفكيك الكيان الصهيوني العنصري

تابعنا على:   10:27 2019-06-27

صالح عوض

رؤية فكرية

 لم يعد الفكر البشري يقبل بالكيانات العنصرية أو الثقافات العنصرية ولقد خاضت البشرية حروبا شرسة من اجل تثبيت أفكار وقوانين إنسانية تذيب إلى حد كبير الفوارق العنصرية بين البشر على أساس ديني أو مذهبي أو قومي أو طبقي ..واستطاع الإنسان الانتصار في أكثر من مكان على العنصرية البغيضة وكان انتصار الإنسانية على العنصرية في جنوب إفريقيا وتفكيك نظام "الابارتيد" واحدا من أهم المحطات الإنسانية في نهيات القرن العشرين..

وكما أن الحشد على أساس ديني كان نقطة ارتكاز و قوة للمشروع الصهيوني في فترة ما لإقامة دولة إسرائيل فإنه كذلك نقطة ضعفه القاتلة.. فلقد فشلت الدعوة الصهيونية على أكثر من وجه..فشلت في حشد كل يهود العالم،وفشلت في تحقيق وعودها بالأمن والاستقرار لليهود في دولة إسرائيل، وفشلت كذلك في إجلاء أهل فلسطين بالكامل عنها رغم عدم تقاعسها في ذلك..واليوم يعود السؤال الوجودي أكثر من أي مرحلة سبقت على الفكر الصهيوني الذي أصابته شروخات كبيرة تمس رؤيته لأرض دولة إسرائيل و لأهداف الصهيونية.. كما أن وظيفة الكيان الصهيوني في هذه المرحلة اصبحت مكلفة كثيرا في ظل التطورات الديمغرافية والسياسية في المنطقة.

لقد خسر اليهود مع ميلاد المشروع الصهيوني حاضنة إنسانية تاريخية متمثلة بالأمة العربية الإسلامية التي كانت على مدار القرون العديدة موئلا لليهود الفارين من ظلم الغربيين وعنصريتهم ..واستعدى المشروع الصهيوني العرب والمسلمين على اليهود الذين استجاب كثير منهم في ظروف ما لدعوة الصهيونية وتواطؤ بعض حكام العرب فأقاموا في ارض فلسطين دولة لهم أرادوا لها أن تكون خالصة لهم دون المسلمين والمسيحيين ..فأصبحت دولة إسرائيل دولة قيتو غريبة محاصرة مرفوضة من المنطقة معزولة لايمكن التطبيع معها رغم كل محاولات التسوية التي تمت تحت قهر الإرهاب الغربي للعرب.. وحتى لو وقعت انظمة عربية تسوية وتطبيع مع الكيان الصهيوني الا ان المقاطعة والرفض يسكنان الوجدان الشعبي.

 

أثبتت الاتفاقيات التي وقعت بين بعض أنظمة العرب وإسرائيل عن عدم وجود مقدس في الفكر الصهيوني فلقد تنازل الكيان الصهيوني عن بعض ما تم الترويج إليه طويلا بأنه مقدس في جسم الدولة العبرية..فأين ذهبت مقولة من النيل إلى الفرات وأين يهودا والسامرة وأين خطوات اليهود التي تورث لهم حقا متملكا..اين المستوطنات التي قالوا ان امنها في مقام امن تل ابيب ثم هدموها بايديهم في سيناء وقطاع غزة..؟ كل ذلك أصبح هراء..أين بلد العسل واللبن إنها بلاد المتفجرات والعنف والموت والقلق.

 

 لم يعد المشروع الصهيوني كما كان بطبعته الأولى ، فقد خسر كثيرا من قوة دفعه الداخلي ولم يبق له إلا الأمصال والدعم الخارجي والتهريج السياسي الذي لا يغني شيئا لمجتمع يعيش العزلة والخوف الوجودي .. وتكشفت حقائق التاريخ والجغرافيا على خرافات دعواه كما اكد رهط من المؤرخين اليهود والغربيين في السنوات الاخيرة  ولقد برز جيل من المثقفين اليهود داخل الكيان الصهيوني وخارجه ينددون بالصهيونية ويدعون إلى تفكيك الكيان الصهيوني.

 

   لم يحقق المشروع الصهيوني لليهود الذين اقتنعوا بأطروحاته وغاب عنهم ما هو خلفه من أهداف استعمارية صرفة إلا مزيدا من الدم والقتل والخوف والعزلة وهاهي السنوات السبعين تمضي معمدة بالنار والرعب فلا تكاد هدنة تحصل إلا وقتال ينشب بعدها مباشرة فيما أصحاب الحق لم يتنازلوا عن حقهم في الحياة على أرضهم رغم كل مالحق بهم من مجازر وعمليات تصفية منظمة.

 

إن مسلسل العملية السياسية والمفاوضات العقيمة  التي انطلقت منذ زمن طويل بين الكيان الصهيوني وقيادة م ت ف حول حل الدولتين، ومنهج الالتواء والخداع التي تمارسه القيادة الصهيونية واستمرار الاستيطان والسلوك العنصري، والموقف الغربي الامريكي الداعم للصلف الإسرائيلي والمتعامي عن جرائم إسرائيل..أن كل ذلك قد ألغى إلى الأبد احتمال حل الدولتين ..ولم يعد الفلسطينيون بحاجة إلى هذا الحل العقيم الذي لايبقي لهم شيئا .. كما أن اليهود لم يجنوا من عمليات التسوية السياسية إلا مزيدا من التوتر والقلق والخوف وحياة الغيتو واحتمالات التصعيد لوتيرة العنف.

إن التفرقة بين البشر على أسس عنصرية أمر مرفوض دينيا ودنيويا..والغريب أن الغرب اللائكي الذي عزل الدين عن السياسة وآمن إلى حد كبير بحقوق متساوية بين الناس يتورط في هذه الرذيلة التاريخية بدعمه قيام كيان عنصري مسلح بالعنف والإرهاب..فهل يقبل الغرب أن تنشق الأقليات الدينية أو القومية في أي دولة من دوله  لتكوين دولة بثقافة خاصة وبرؤية خاصة؟ إنه لن يقبل وراينا مثال لاتوانيا في اسبانيا كيف تعامل الغرب معها..هل تقبل فرنسا ان يقيم مسلمو فرنسا البالغ عددهم اكثر من 5 مليون شخص دولة في جزء من فرنسا؟ والاسئلة تتكرر على كل دول اوربا وامريكا.. فلماذا يريدون زراعة بلداننا بدول عنصرية.؟!!

لم يعد مقبولا أن يعطي أحد تحت أي ظرف من الظروف مبررات للعنصرية الصهيونية بان يعترف بشرعية قيام دولة إسرائيل لأنه حينذاك يمارس العنصرية ثقافة وسلوكا ويشرعن لها فلقد كانت انتكاسة خطيرة وجهها الساسة ضد الضمير الإنساني عندما اسقطوا تهمة العنصرية عن الصهيونية من مقررات الجمعية العمومية للأمم المتحدة..كما انه يصبح من الأهمية بمكان الالتفات إلى الأصوات اليهودية القوية داخل إسرائيل وخارجها المنادية بتفكيك الكيان الصهيوني والداعية إلى وطن يشمل جميع ابنائه على ارض فلسطين التاريخية وفي إطار عملية شاملة تعيد للمنطقة استقرارها وأمنها.. وتقدم للعالم نموذجا إنسانيا فذا لتعايش أهل الديانات دونما طغيان في بلد هو مهد الديانات والأنبياء عليهم السلام فتشرق فلسطين في قلوب كل المؤمنين طاقة روحية توحي بالسلام والطمأنينة وتدعو للاستقرار والسلم العالمي.

 إن الدعوة إلى تفكيك الكيان الصهيوني العنصري وعودة اللاجئين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين ، وبناء دولة الإنسان على ارض فلسطين لكل مواطنيها بغض النظر عن ديانتهم أصبح الآن كلمة السر والجملة المفيدة- بعد رحلة التيه - لمجموعات من المثقفين الفلسطينيين والعرب ويبدو انه سيكون خطاب المرحلة القريبة بعد  أن تلاشى بريق كل الأفكار السابقة التي قادت الصراع على الجانبين إلى مزيد من الصراع ، وبعد أن تحول بعضها إلى مرحلة جني الثمار!!...والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

اخر الأخبار