ورشة البحرين ودعوات الاشتباك الإيجابي

تابعنا على:   15:07 2019-06-21

د. صبري الربيحات

في إدارة الصراع وعلم التفاوض مصطلحات جديدة لها إيقاع وجرس تفاوضي. غالبية هذه المصطلحات مركبة فهي تحوي مفردات متعارضة وتوصيفات محيرة ومغايرة للاسماء والافعال التي نعرفها، الاصطلاحات الجديدة تعبر عن التعقيدات والتشابك في الحالة السياسية دون الاشارة إلى طبيعة الفرقاء ونوعية التفاعل والنتائج المحتملة لها.
الغاية المرجوة من هذا النحت اللغوي الخروج من الاطر التقليدية للتفكير وتشجيع الفرقاء على مغادرة مواقعهم ومواقفهم الاصلية واستدراجهم للتفاوض بلا شروط وتوقعات. في كل الاحوال يجري التركيز على العملية دون الاهتمام بالمخرجات. من بين عشرات المصطلحات التي تسربت إلى العربية واصبحت تستخدم في سياقات وحالات متباينة. مصطلح “الاشتباك الإيجابي” في إشارة إلى التفاعل بغض النظر عن النتائج أو كما يقال بالعامية “عليهم عليهم”.
غرابة المفهوم لا تختلف كثيرا عن مصطلحات “الموت الرحيم” و”جرائم الشرف” و”الذبح الحلال” و”عصفورين بحجر” مع اختلاف الدلالة. فجميع المصطلحات تعبر عن توصيف جميل لفعل غير محبب في محاولة لتحسين صورة غير جميلة أو الحد من تأثيرها على السامع.
سحر المصطلح الذي يدمج مفهوم العمل والتفاعل بالرغم من الاختلاف جعل الكثير من النواب يقبلون بالوضع الجديد بالرغم من اعتراضهم على الحكومة الأمر الذي أسهم في إعطاء الحكومة جوازا للمرور الآمن بفضل إعادة تعريف الحالة وتحويلها من اصطدام ستاتيكي إلى حالة تفاعلية ديناميكية.
المصطلح الذي يعطي للسامع مذاقا بطعم الحامض حلو اشتق كمرادف لـ” Positive Engagement” أثناء محاولة بعض الفرقاء الدخول في علاقة تشاركية دون الالتزام بشروط مسبقة أو مخرجات محددة لهذا الاشتباك.
منذ اختفاء السياقات المحلية الاصلية لاستخدامات المفهوم لم نسمع كثيرا بمصطلح الاشتباك الايجابي في بيانات النواب ولا في احاديث الحكومة الا في الحالات التي يتلعثم فيها السياسي ويدخل في سباق البحث عن جملة تقبل القسمة على اثنين او يمكن تفسيرها واعادة تفسيرها كما فعلت بعض الحكومات والكتل البرلمانية في السنوات الاخيرة.
خلال الايام القليلة الماضية ظهر في تصريحات وزير الخارجية الصفدي مصطلح “الاشتباك الايجابي” في الاشارة الى تعاطي الحكومة مع بعض الاحداث والقضايا المطروحة. استخدام الوزير للاصطلاح غريب وصادم فالمفردة لا تتناسب مع اللغة الدقيقة التي اعتدنا على سماعها منه. كما انه يخفف من صلابة الموقف الذي اعلنته الدولة الأردنية والتف حوله الجميع.
حديث الوزير عن الاشتباك الايجابي في هذه المرحلة يولد الكثير من اللبس والتشتيت فالناس يترقبون بفارغ الصبر ما ستقوله الحكومة حول ورشة البحرين باعتباره الخطوة الاولى على طريق التعبير الفعلي عن مواقف الرفض للصفقة وتحديد خريطة الممانعة بعدما اعلنت العراق ولبنان وفلسطين مواقفها بوضوح وفيما اذا ستنجح هذه المواقف في إفشال الورشة وعرقلة اهداف الصفقة ومساعيها.
حضور الأردن تحت أي مسمى يناقض المواقف المبدئية المعلنة للأردن ويتعارض مع تصريحات الوزير المتلاحقة حول الالتزام بحل الدولتين. المواقف الأردنية من كل ما يجري بخصوص القضية الفلسطينية وانحيازها للشرعية الدولية مصدر من مصادر قوة الدولة. في العام الماضي وخلال زيارة نائب الرئيس الاميركي نجح الاردن في خلق توافق مع الجانب الاميركي على حق الاختلاف ورفض الاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة العبرية.
الذهاب الى ورشة البحرين التي ستتناول الابعاد والخطط الاقتصادية للصفقة المزعومة يرسل رسالة خاطئة للمشككين والداعمين خصوصا في هذه الاوقات وبعد ان اعلن الاردن موقفه للعالم والتف حوله العرب والمسلمون وقوى العدالة والسلام. واستخدام مصطلح الاشتباك الايجابي لا يغير من مرارة مذاق المشاركة والصدمة التي ستتسبب بها للكثيرين ممن راقبوا مواقفنا باحترام واعجاب.
لاستخدام المصطلح هذه المرة وقع مختلف فلم يعد اشتباكا بين حكومة ونواب بل بين بلد قد يتعرض للضغوط والابتزاز وكل القوى والجماعات التي تتبنى المشروع الذي نعارضه. في هذه المرة نخشى ألا يكون الاشتباك على القواعد التي نعرفها ويعرفها العالم..المطلوب البحث عن حلفاء لا الجلوس على مائدة الخصوم.

عن الغد الأردنية

اخر الأخبار