"الانقلاب عام على الشرعية الوطنية"...وبعد!

تابعنا على:   09:06 2019-06-15

كتب حسن عصفور/ توقف "البعض" الفلسطيني يوم الجمعة 14 يونيو 2019، أمام ذكرى انقلاب حماس العسكري على الشرعية السياسية لحكومتها، ويراها هؤلاء انها نقطة سوداء في التاريخ، وهي كذلك منهجا وسلوكا وأفعالا، ومنها بدأ صفحة مظلمة جدا في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية.

بلا شك، ما كان يوم 14 يونيو 2007، من انقلاب حمساوي و"خطف غزة"، ولا زال حتى ساعته، يمثل جزءا هاما من "النكبة الثالثة الكبرى" التي حلت بالشعب الفلسطيني، ساهم بشكل عملي ترسيخ "لعنة الانقسام" التي مثلت الهدية الأكبر للمشروع التهويدي، وفقا لما اعلنت أوساط إسرائيلية متعددة.

ولكن، من حيث المبدأ، لم تكن الخطوة الانقلابية العسكرية الحمساوية، هي الأولى في مسار الانقلاب عل الشرعية الوطنية (سياسيا وقانونيا)، بل جاءت نتاج لخطوات قام بها الرئيس محمود عباس، سواء بوعي او بدونه، فليست تلك المسألة راهنا، عندما وافق على مطلب أمريكي – أوروبي وتفاهم إسرائيلي على فتح اجراء العملية الانتخابية، رغم الدمار الكبير الذي حل بمؤسسات السلطة الفلسطينية عبر المواجهة الكبرى من 2000 الى 2004، انتهت باغتيال الشهيد المؤسس ياسر عرفات،، وحالة الحصار المالي الذي دفع قوى أخرى لاستغلاله، وتمد خيوطها لتحدث أكبر عملية اختراق في صفوف قوات الأمن الفلسطيني.

رضوخ عباس للطلب الأمريكي – الإسرائيلي بفتح الانتخابات، جاء خلافا للمصلحة الوطنية، وأكملها بعدم وضع الزام "المشاركين" في الانتخابات باحترام القانون الأساسي (دستور السلطة المؤقت) ولا التزاماتها السياسية، وكانت المفاجأة الأولى، ان تتجاهل أمريكا وإسرائيل ذلك، ولم تطالب عباس به، لتفتح الباب لحماس بالمشاركة، وكان الاعتقاد أنها سترفض ذلك، كونها ترى في مؤسسات السلطة نتاج "اتفاق خياني"، وسبق لها أن هددت 4 من قياداتها، منهم رئيسها الحالي إسماعيل هنية بعد أن سجلوا للمشاركة في انتخابات 96، وتحت الإرهاب الحمساوي تم سحب الترشيح.

ولكن جاءت "المفاجأة الكبرى" بموافقة حماس على المشاركة بالانتخابات، دون أي شروط سياسية، بعد ان تدخلت قطر عبر وزير خارجيتها في حينه حمد بن جاسم لإقناع قيادة حماس بالمشاركة، وأعلمهم بالتفاهم بينهم وأمريكا وإسرائيل. (الخطة كانت جزءا من التحضير لتنفيذ مخطط أمريكي العام للمنطقة أحد أدواته الإخوان المسلمين).

وحدث المتوقع بفوز حماس بأغلبية كاسحة في الانتخابات، بعد ان انقسمت حركة فتح داخليا، وكانت النتيجة، تساوي تقريبا في القائمة النسبية، بين فتح وحماس (43 – 42) من أعضاء المجلس، فيما حققت حماس فوزا مذهلا في الدوائر الفردية لخلافات فتحاوية، لم يعمل عباس على تفاديها، فكانت "قناة الفوز الحمساوي الكبير".

ووفقا للقانون الأساسي (الذي لم تعلن حماس التزامها به) كلفها عباس بتشكيل الحكومة الجديدة، وكانت المفارقة التي لم يتوقف كثيرون امامها، ان خطاب الحكومة الأول الذي ألقاه إسماعيل هنية بصفته رئيسا لها، خالف سياسيا كل التزامات السلطة، ومع انها حكومة تنفيذية لسياسة السلطة، الا أن البيان جاء كبيان رئاسي وليس حكومي، ووفقا للدستور المؤقت وجب فورا رفض هذا البيان، وتوجيهها الى نص القانون، وغيرها يتم تكليف جهة أخرى.

الصمت هنا، كان مفتاح التحضير للانقلاب العام، سياسيا – قانونيا قبل أن يكون عسكريا، وبدأت عملية المساعدة بتنفيذ الانقلاب، بموافقة الرئيس عباس على قرار يسمح لوزير الداخلية الحمساوي سعيد صيام (تم اغتياله لاحقا من قبل قوات الاحتلال) بتشكيل قوة أمنية خاصة بهم "القوة التنفيذية"، في خرق فاضح للقانون، وفتح الباب لـ "ازدواجية العمل الأمني" بين أجهزة حماس وأجهزة السلطة، ومنها بدأت رحلة الانقلاب الشامل.

في 14 يونيو 2007 نفذت حماس انقلابها العسكري، وبدا الرئيس عباس تنفيذ انقلابه السياسي على المؤسسة الشرعية، وتجاهل كليا اتخاذا أي خطوة قانونية ضد الانقلاب الحمساوي، واستمر التعامل، دون فعل رغم "ضجيج الكلام"، وهو الذي كان عليه فورا اعتبار قطاع غزة "إقليم متمرد"، والعمل على ملاحقة الانقلابين، لكنه رفض أي صيغة – مقترح حول ذلك.

 ثم بدأت رحلة "التصالح الداخلي" منذ عام 2011، والملفت للانتباه، أن عباس ووفد فتح لم يطالب بإدانة الانقلاب العسكري، ولا محاسبة بعض أدواته، بل تجاهل المسألة ومضى في التوقيع دون توقف أمام الحدث الأبرز، وفي كل اتفاقات التصالح مرورا باتفاق الشاطئ أبريل 2014، ثم اتفاق القاهرة 2017، لم يتم التوقف جديا أمام "ابعاد الانقلاب العسكري"، بل حافظت حماس على كل ما لها من قوة أمنية خاصة في قطاع غزة، تسمى الأمن الوطني والأمن الداخلي، وكلها من حماس  أفرادا وقيادات، الى جانب كتائب القسام والأجنحة العسكرية للفصائل خارج الكوتة التصالحية، رغم انه كان يجب بحثها وفقا لتوافق سابق تم بين حماس والسلطة، بمشاركة الشهيد عبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل هنية عن حماس ومحمد دحلان وسمير المشهراوي عن السلطة باتصال مباشر مع الشهيد الخالد أبو عمار.

وخلال تلك الفترة، انقلب الرئيس عباس على الدستور، فأصبحت المراسيم الرئاسية هي القانون، وتعطلت حركة عمل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولم يعد هناك التزام باي قرار منها لا يروق للرئيس عباس، حتى وصل الأمر بتعطيل كل قراراتها وقرارات المجلسين الوطني والمركزي الخاصة بإعلان دولة فلسطين وفك الارتباط مع دولة الاحتلال.

الانقلاب ليس فقط ما حدث عسكريا في قطاع غزة، بل هو انقلاب شامل، يشارك به طرفا "المعادلة الانقلابية "محمود عباس بصفته وحركة حماس بصفتها"، ما قاد الى تكريس مسار سياسي ظلامي، كان أداة ضرب المشروع الوطني وخدمة للمشروع التوراتي...

الانقلاب عام له طرفان وجب وضع نهاية له...بمراجعة شاملة حقيقية وجذرية لبحث كل مسبباته وسبل علاجه، من السياسية الى البعد العسكري، دون تجاهل "الأجنحة العسكرية" التي يجب أن تكون جزءا من أي توافق قادم...المسؤولية مشتركة والحل يجب أن يكون مشترك، الخطيئة طالت الكل الفلسطيني وعلاجها يجب أن يكون بالكل الفلسطيني...

ذلك سبيل التصالح الحقيقي وغيره ليس سوى ادامة "أمد الكارثة الانقلابية".

ملاحظة: أصدرت حركة فتح (م7) قرارات "تنظيمية" ضد رئيس مجلس بلدي "دير قديس" بالضفة، بعد أن سمح لمستوطنين في مشاركة عرس ولده...القرارات ما لم تصدر عن الوزارة ذات الاختصاص تصبح "كلامية" لا أكثر.

تنويه خاص: من طرائف مقابلة عضو قيادة فتح (م7) الأحمد مع صحيفة لبنانية، انه يكذب بلا تردد فيما يتعلق بالتنسيق الأمني، ويكشف رداءة فهمه لجوهر قرار الأمم المتحدة 2012 حول دولة فلسطين، لخصه في يافطة هنا وأخرى هناك...الوكسة بلا حدود!

كلمات دلالية

اخر الأخبار