استراتيجية خلط الأوراق في قضية تسريب عقارات باب الخليل في القدس

تابعنا على:   17:46 2019-06-13

ثائر أبو عطيوي

في أي جريمة تسريب عقارات فلسطينية لصالح المستعمر الصهيوني تكون أطراف الصفقة معروفة، بائع خائن ومشتري مستوطن مستعمر غاشم.

وجريمة تسريب عقارات باب الخليل في القدس العربية المُحتلة لا تختلف في واقعها، فالبائع هو وكيل البطريرك السابق والمعزول حالياً ايرينيوس، والمشتري هي جمعية عطيريت كوهانيم الاستيطانية والمدعومة بشكل كامل من قِبل بلدية الاحتلال الصهيوني وأجهزة حكومية أخرى.

واذا سألت مراقب المشهد المقدسي، قد تجد ان الأوراق مُختلطة عليه، وغير واضحة، وممكن ان تجده يُلصق تهمة التسريب بالبطريرك الحالي والذي كان في وقت عملية التسريب في منفى قسري بأمر المعزول ايرينيوس بسبب مواقفه الحادة ضد تسريب العقارات ورفضه للفساد الذي كان مُستشري في البطريركية الارثوذكسية آنذاك.

ويذهب بعض آخر الى اتهام مستشارين فلسطينيين بالضلوع في عملية التسريب رغم ان معظم من لهم علاقة في كشف صفقة التسريب يعلمون يقيناً ان هؤلاء المستشارين هم من فضحوا عملية التسريب وزودوا السلطة الفلسطينية والمملكة الاردنية الهاشمية وعامة الناس بالمعلومات اللازمة، التي أدت الى عزل ايرينيوس الاول نتيجة تكامل الجهود الرسمية والشعبية لتحقيق هدف التخلص من الخائن في سابقة تاريخية لم تحصل سوى ثلاث مرات طيلة الألفي عام الماضية.

وحين التمعّن في هذه الاتهامات، تجدها مُسترسلة بدون ادلة، بدون مراعاة لادنى معايير المصداقية، لكن العبقرية الشريرة فيها انها تتوافق مع سرد شعبوي درامي سهل و مشوِّق. واذا بحثت اكثر، تجد انها مُستنِدة الى مقالات رأي في صُحُف صهيونية، اَي انها لا ترتقي الى مُستوى المهنية الصحفية المطلوبة في التقارير الصحفية، بالمُختصر: آراء صهاينة غير مسنودة بأدلة. 

وجميع المقالات التي استطعت وضع يدي عليه خلال السنوات الماضية في الصحف الصهيونية كان حاداً في تحريضه ضد البطريركية الارثوذكسية وبطريركها ثيوفيلوس الثالث، ولم اجد مقالاً واحداً يحمل ولو إيجابية واحدة لصالح الكنيسة او بطريركها، وحين كُنت اتابع هذه المقالات، كنت اجدها تُتَرجم الى العربية وتُنشر في صُحُف ومواقع إعلامية مُعينة يقوم عليها شُخُوص لهم خلفيات مُتعددة، فمنهم من هو شاعر ومنهم من هو رجل اعمال ولكن ابرزهم مؤسس الحزب المسيحي اليهودي في الناصرة ومن ابرز الداعيين لتجنيد الفلسطينيين المسيحيين في الجيش الصهيوني! 

ولغاية الان تبدو الامور واضحة، فالمستوطنون الذين استحوذوا على عقارات باب الخليل من خلال المعزول ايرينيوس لم يستطيعوا لغاية يومنا هذا من وضع يدهم على العقارات لان البطريرك ثيوفيلوس يرفض تسليمها، بل والأكثر من ذلك فهو يدعم صمود المستأجرين الفلسطينيين من خلال اعفائهم من دفع ايجارات العقارات، ممدهم بالدعم المالي لتسديد ديونهم الضريبية لكي يُغلق اَي احتمالية لدخول الصهاينة العقارات تحت ذرائع أخرى، كما يوفر لهم دعم قانوني إضافي.

هذا الصمود الذي استمر طيلة الأربعة عشر عاماً الماضية ابرز أهمية أضعاف الكنيسة الارثوذكسية وبطريركها ثيوفيلوس الثالث حتى تتمكن الجماعة الاستيطانية المجرمة من نيل مُرادها ووضع يدها على العقارات. 

وهنا جاء دور المعزول ايرينيوس الذي كان مُطالباً بدور رئيسي في تسليم العقارات التي قَبَض ثمنها، فكانت محاولته الاولى من خلال توظيف شخصان "مهنيان" من الداخل الفلسطيني ومقيمان بالقدس لتبرئته امام السلطة الفلسطينية والرأي العام، علماً بأن هؤلاء الشخصان كانا يُشكلان اللجنة المُعينة من قِبَل رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك احمد قريع "ابو العلاء" من اجل استقصاء الحقائق حول قضية تسريب عقارات باب الخليل.

ومن خلال تقارير تنظيمية فصائليا وأمنية، اكتشف قريع أن اللذان وظّفهما للبحث عن الحقيقة، ما هما الا موظفان لدى ايرينيوس ويتقاضيا منه راتباً شهرياً، فشكّل قريع لجنة تحقيق موازية في موضوع العقارات مكونة من محامي فلسطيني لا علاقة له بالكنيسة الارثوذكسية، وباحث أكاديمي وقيادي في تنظيم حركة فتح. ففي الوقت الذي أنهت لجنة موظفا ايرينيوس تقريرها الذي يبرئ مُسرّب العقارات، كانت اللجنة الجديدة قد استطاعت جمع الأدلة والبراهين اللازمة لإدانته بشكل قاطع، بل الأكثر من ذلك استطاعت الحصول على ادلة تُثبت الرابط الوظيفي بين ايرينيوس وهذان الشخصان بشكل واضح.

فقرر رئيس الوزراء بعد التشاور مع الرئيس الفلسطيني اعتماد تقرير اللجنة الجديدة ورمي تقرير محاميا ايرينيوس في سلّة المُهملات. موظفا ايرينيوس وجدا طريقة أخرى للاستفادة من تقريرهما الكاذب وذلك عن طريق نشر محتواه في احدى الصحف من خلال صحفي يعمل في صحيفة محلية شهيرة ويتعاون معهما لصالح المعزول ايرينيوس، وذلك لتحقيق مكاسب إعلامية وشعبوية. وكانت هذه انطلاقة فريق عمل ايرينيوس لخلط الأوراق لصالحه وصالح المستوطنين. 

وتطورت استراتيجية خلط الأوراق من خلال اعادة احياء اجسام تحمل مُسميات أرثوذكسية لتكون مصدراً إعلامياً لبث الشائعات وحملات تشويه الكنيسة الارثوذكسية وبطريركها، علماً بان هذه الهيئات غير منتخبة ولا تضم في عضويتها سوى عدد قليل من أنصار وموظفي المعزول ايرينيوس، الا ان مُسمياتها توحي بالتمثيل الأرثوذكسي العام.

وبدأ اسم هذه الأجسام الوهمية يظهر كنقطة انطلاق الحملات الإعلامية المشتركة بين المعزول ايرينيوس وجمعية عطيريت كوهانيم التي تستهدف الكنيسة الارثوذكسية وبطريركها ثيوفيلوس الثالث، وجسر لنقل المقالات التي تنشرها الجمعية الاستيطانية في الصحافة الصهيونية الى المجتمع الفلسطيني. ومع تراكم الإشاعات و الأكاذيب، وتمكُن المعزول والمستوطنين من خلق وعي كاذب لدى أقلية كبيرة في الشارع الفلسطيني، طوّر فريق المعزول ايرينيوس أسلوباً جديداً لاستقطاب شخصيات مؤثرة في المجتمع الفلسطيني.

وهذا الأسلوب يعتمد على سرد الإشاعات ذات المصادر الصهيونية مقرون بوثائق مجزوئة تخدم نفس السياق ومدعومة بأوراق مزوّرة ومقوّلبة بطريقة تُشيّطن الكنيسة والبطريرك ثيوفيلوس. ولا بد من الاعتراف بنجاح فريق المعزول ايرينيوس والمستوطنين المشترك في احداث خلط كبير للأوراق وتطوير أسلوب جديد في التآمر لدرجة ان المعزول ايرينيوس، مُسرّب العقارات والمتواطئ مع المستوطنين، وجد حوله جيش من الفلسطينيين الوطنيين يدافعون عن اجندته، ويحاربون البطريرك ثيوفيلوس الذي حافظ على العقارات بل واسترجع الكثير من ما سرّب المعزول ايرينيوس!!!

ضف الى هذا، ان مروّجي اجندة المستوطنين من خلال فريق المعزول ايرينيوس اصبحوا يزايدون ويخوّنون الفريق المدافع عن الكنيسة وكهنتها والعقارات!!! ان نجاح المعزول ايرينيوس في هذه الاستراتيجية وصل قمته حين استطاع فريق ايرينيوس والمستوطنين من خداع قيادي فلسطيني بارز لالقاء كلمة في مهرجان أعده أنصار المخلوع مُسرِّب عقارات باب الخليل، ايرينيوس، في بيت لحم لإطلاق حملة جديدة للانقضاض على الكنيسة الارثوذكسية، وخلال المهرجان الذي تم تسويقه على انه "حدث وطني"، صرّح القيادي الفلسطيني البارز بمواقف ضد الكنيسة الارثوذكسية وبعكس موقف منظمة التحرير الفلسطينية والاردن الداعمتان لموقف البطريركية الارثوذكسية وبطريركها ثيوفيلوس الثالث!!! 

سياسة خلط الأوراق هي سياسة صهيونية قديمة تتجدد بتجدد وسائل التواصل، ففي الأربعينيات من القرن الماضي، اثار الصهاينة اشاعات عن اغتصاب النساء والفتيات لخلق غمامة على عقول الناس ودفعهم لترك منازلهم واللجوء خارج وطنهم، واليوم يستخدمون الصهاينة حملاتهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ولقاءات الفنادق، لكن العنصر المشترك الوحيد طيلة هذه الأعوام بقي العنصر الفلسطيني الخائن او المخدوع الذي ينساق مع الإشاعة والسرد الدرامي الشعوبي السهل.

كلمات دلالية

اخر الأخبار